تيار "الصحوة" خاض حروبه ضد الفنون والفلسفة والمرأة

"العرب" تتوقف في حوار مع الأديب والإعلامي السعودي أحمد الدويحي للحديث معه حول التغيرات التي تشهدها المملكة العربية السعودية وحول الواقع السعودي المعاصر.
الاثنين 2018/09/17
الكتابة فعل حضاري

بدأ الروائي أحمد الدويحي الكتابة مطلع السبعينات من القرن الماضي محرراً وكاتباً ومشرفاً في عدة صحف سعودية، كان منها صحيفتا عكاظ والرياض ومجلة اليمامة، وله العديد من الإصدارات القصصية والروائية، مثل البديل، وقالت فجرها، وريحانة، وأواني الورد، والحدود، ومدن الدخان، وغيوم امرأة استثنائية، وغيرها.

وقد فرغ للتو من كتابة رواية “أنثى التيه” التي يرى أنها رواية مختلفة على مستوى تجربته، حيث أنه يضع دائماً في ذهنه -وهو يكتب- أن المشروع الذي بين يديه هو كتابه الأخير. وهناك مخطوطة لمجموعة قصصية، تحت عنوان “تفاصيل صغيرة لفضاء شاسع” من المتوقع أن تكونا في معرض جدة القادم أواخر العام.

 

ضمن رؤيتها 2030 تخضع السعودية لمتغيرات جوهرية على المستوى السياسي والتنموي والاقتصادي، الأمر الذي انعكس بدوره على مفاصل الحياة الثقافية والاجتماعية، حيث بدأت بوادر المشاريع تتشكّل إيذاناً بمرحلة جديدة، يرى المتابعون أنها ستكون رافعة لتاريخ سعودي جديد على عدة مستويات.

طفرة روائية

يرى الدويحي أن الكتابة فعل حضاري، تفرض على الكاتب الجاد والمخلص تطوير أدواته، وشحن ذاكرته بالمعرفة، لتلائم مستجدات العصر ومتطلباته، وتشكل رؤية لقراءة الواقع ومفرداته، فالكاتب المؤمن برسالته ودوره في الحياة يكتب حياة أخرى موازية للواقع، والفن عموماً ليس معنيا بتغيير الواقع ومعالجة أخطائه، فالفن -بحسب تعبيره- رسالة تنوير وإشارة إلى مواقع الزلل، فالكاتب لا بد أن يمتلك بالضرورة مشروعه الخاص والمتفرد، والأمم الحية التي ترنو بعيونها للمستقبل لا بد أن تكون آدابها وفنونها جزءاً من مشاريعها الحضارية.

ويشير الدويحي في حديثه مع “العرب” إلى أن الرواية السعودية شهدت طفرة كبيرة خلال العقدين الأخيرين، حيث تجاوزت حدود المألوف والمتوقع. يقول “بتنا نشهد في كل سنة صدور أعمال تتجاوز المئة رواية من الجنسين، وهذا رقم غير عادي أبداً، كنا نفرح بصدور رواية واحدة في السنة. طبعاً، حدث هذا الانفراج بعد الحادي عشر من سبتمبر، انفراج مجتمعي وكتابي، وبلادنا عبارة عن قارة شاسعة متعددة ومتنوعة الثقافات، مثل هذا النتاج الكثيف، حتماً يحتاج إلى فرز، ولكنه لم يحدث، وجاءت الشهادة والاهتمام بهذا النتاج الغزير من خارج الحدود، لأن الرواية فن كشف المستور، قدمت مجتمعاً كان محاطاً بالغموض، والرواية التي يعدها البعض الآن “ديوان العرب” تدرس في الجامعات السعودية، وتعد حولها دراسات، وأي حركة إبداعية لا بد أن تتبعها حركة نقدية، وأتوقع أن هذا سيحدث لدينا، لو كنا نملك مراكز للبحوث والدراسات، وهذا ما نأمله مستقبلاً”.

وعن قراءته لحرية الرأي والتعبير في ما يخص الصحافة السعودية على وجه الخصوص، لا سيما بعد التحولات الوطنية الأخيرة؟ وكيف يستشرف المستقبل.

الرواية السعودية شهدت طفرة كبيرة خلال العقدين الأخيرين، حيث تجاوزت إصداراتها حدود المألوف والمتوقع
الرواية السعودية شهدت طفرة كبيرة خلال العقدين الأخيرين، حيث تجاوزت إصداراتها حدود المألوف والمتوقع

يجيب “سنوات طويلة قضيتها في بلاط صاحبة الجلالة، الصحافة، تنقلت بين حقولها المتنوعة متعاوناً ومتفرغاً، دخلتها من بوابة الأدب وشرعت لي كل الأبواب، والصحافة ذاتها كحرفة وصناعة مرت بتحولات ونالت نصيبها من التطور، شأنها كأي منظومة أخرى في بلادنا، ويبقى سقف الحرية مرهوناً بمدى ملامسة المحظور والاقتراب منه، وأظن أنها أدت دوراً بالغ الأهمية في مرحلة معينة، حينما تكون عيناً صادقة على نقد الأجهزة الحكومية، وتنتقد الأخطاء التي تحدث نقداً بنّاء لصالح المواطن والوطن”.

ويتابع الكاتب “الآن، بدأ دور الصحافة يتضاءل وينحصر مع وجود وسائل التقنية الحديثة. والوطن بشكلٍ عام يمر بمرحلة تحولات دقيقة جداً، وندرك أن التحديث لا بد أن تصاحبه صعوبات وإشكاليات، ولا ننسى أن مجتمعاً ظل لعقود محافظاً سيرفض الانفتاح والتجديد وروح العصر، تماماً كالمريض الذي يخشى العمليات الجراحية الخطرة، ولكني مؤمن أننا جزء من هذا العالم نتأثر ونؤثر، وسنمضي إلى المستقبل بعيون مفتوحة”.

التغيير الإيجابي

يؤكد الدويحي أن تيار الصحوة عطل الحياة وشوهها، ويراه بأنه لم يكن صحوة بل كان غفلة، حيث استبد بمفاصل المجتمع وفرض سطوته، وتفرد بنشر أدبيات فكره ونزعاته المتخلفة، والاستعداء لشرائح المجتمع الأخرى.

يقول في هذا الشأن “مارس هذا التيار نشاطه عبر منابره ضد الفنون والمرأة والفلسفة والحياة بعمومها، ولا شك أن رموز الحداثة والشرائح المجتمعية الأخرى واجهت حروباً شرسة وقاسية جداً من هذا التيار الاستبدادي، لقد تمكن عبر عقود من الإخلال بتركيبة المجتمع، ولعل من يعرف المجتمع الجنوبي الذي أنتمي إليه، يدرك فداحة عبث هذا التيار والقضاء على روح التسامح فيه؛ غيبّ المرأة، وألغى مظاهر الفرح، ونبذ كل ما هو جميل ومبهج في المجتمع، وقد يتم القياس على كل مجتمعات الوطن، وخطوة الدولة الأخيرة خلقت فينا الأمل من جديد بواقع يرنو لحياة طبيعية، لكن لا شك أنه يخطئ كل من يظن أنه تمّ اجتثاث هذا الفكر المتسلط نهائيا، وقد ترسخ وعاث فينا عبر عقود، فما زال موجوداً ومتخفياً، وفي كل بيت نماذج منه”.

ويتابع متحدّثاً عن تيار الحداثة المواجه لتيار الصحوة في ذلك الوقت: “للآسف لم تستطع الحداثة تجاوز الكتابة النصية، فالمشروع بدأ تنويرياً، وظل في حدوده النصية، والحداثة ذاتها أفق مفتوح على المستقبل، والتجديد الأدبي لا يعني أن تمس كل شرائح المجتمع والآن يطرح في العالم مصطلح ‘ما بعد الحداثة’، والتغيير يتمّ من الداخل وفق الواقع مرحلياً، والدولة هي من يقود هذا التغيير، فمجتمع لا يزال يقدس العشيرة والقبائلية لا تنتظر منه شيئاً عظيماً، وأذكر أنه كان في المجتمع الحجازي بالذات بواكير لمجتمع مدني حضاري، وكان هناك تصنيف مهني وعملي مبهج ينظم الحياة حتى لو كان في حدوده الدنيا، ولكن هبت رياح (الغفلة/ الصحوة) فمحت ومسحت ومحقت كل أمل، والأمل الآن في ما يسمى ‘الثقافة الناعمة’، وقد بدأنا نشهد حضور المرأة في الملاعب ودور السينما ومعارض الكتاب والأسواق وقيادة السيارة،
وصدرت تشريعات تنظم الحقوق، وتحد من السلطة الذكورية الفاشية المتفشية، وخفت وطأة سلطة من يتوسّمون بأنهم حراس الفضيلة”.

وعن تحولات الواقع السعودي المفصلية ومدى قدرة المثقفين على استشرافه في الفترة الراهنة، يقول الكاتب “الشعب كله -وليس المثقف وحده- يتوسم أن يكون العهد الراهن عهد خير ونماء، ويشهد تحولات مفصلية في التاريخ السعودي المعاصر، لا شك أن هناك تراكمات أفضت إلى
ما نحن فيه، وفرضت سرعة التغيير الإيجابي المهم، وندرك كمواطنين ومثقفين ضرورة وقيمة خطوات التحولات وأبعادها داخلياً وخارجياً، فالوطن فوق التجزيئات الضيقة، ونحن نشهد ما يحدث حولنا، وبالذات في العالم العربي، ووطن بحجم بلادنا وقيمته وتاريخه وخيراته جدير بأن يسكن الأحداق والقلوب”.

15