تونس وليبيا تسعيان لتوطيد التعاون في الرعاية الصحية

دشنت تونس مرحلة جديدة في مسار إعادة بناء الشراكات مع ليبيا في الرعاية الصحية وبشكل مستدام، والتي يُتوقع أن تفرز خطوات أخرى تنظم العمل في القطاع عبر سن القوانين وتحسين جودة الخدمات بما يعود بالنفع على الطرفين.
تونس - بدأت علامات هواجس انحسار زخم العمل المشترك في مجال الرعاية الصحية بين تونس وليبيا تتبدد، بعدما توصل الطرفان إلى تفاهمات جديدة يتوقع أن تضع هذا الأمر على الطريق الصحيح خلال الفترة المقبلة.
ووقّع البلدان مؤخرا اتفاقية تعاون ثنائي تسمح بتنقل الأطباء التونسيين إلى ليبيا، وتقديم الدعم وإيجاد أرضية لتيسير عمل نظرائهم في البلد الجار.
ويقول ملاحظون إن الاتفاقية جاءت لتصحّح مرحلة الفراغ القانوني الناجم عن ممارسة الأطباء التونسيين للمهنة في ليبيا دون أي إطار تشريعي، وفي ظل انعدام حقهم في التأمين.
وأفاد رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء التونسيين رضا الضاوي على هامش جلسة عمل أقيمت مؤخرا في العاصمة التونسية، بأنه تم توقيع اتفاقية مع النقابة العامة للأطباء بليبيا تنص على اشتراط حصول الأطباء التونسيين على ترخيص للعمل.
وتنصّ الاتفاقية على عمل الأطباء التونسيين داخل الأراضي الليبية بعد الحصول على إذن مزاولة من النقابة العامة للأطباء بالتنسيق مع عمادة أطباء تونس، إلى جانب تسهيل إجراءات عمل الأطباء الليبيين.
ولإنجاح هذه الخطوة، اتفق الطرفان على تشكيل لجنة مشتركة بين مكتب الصحة بالسفارة الليبية بتونس وعمادة الأطباء التونسيين، لتقديم أفضل الخدمات العلاجية للمرضى الليبيين في تونس.
ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية عن الضاوي قوله إن "الحصول على الترخيص المسبق سيكون إلزاميا"، مشيرا إلى أن "لجنة مشتركة تكونت بين كل من عمادة الأطباء بتونس والنقابة العامة للأطباء بليبيا لغرض إسناد هذه التراخيص المؤقتة".
وأوضح أن "كل التراخيص الممنوحة ستكون محددّة بآجال المزاولة لأشهر"، معتبرا أن الاتفاقية جاءت لتصحّح ما وصفه بـ"الفراغ القانوني" الناجم عن ممارسة الأطباء التونسيين للمهنة في ليبيا دون قوانين واضحة.
ولطالما طالب مسؤولون بالقطاع الصحي بضرورة التنسيق الحكومي بين الجانبين ووضع الرعاية الصحية ضمن أولوية الاهتمامات بين الجارين.
واعتبر رئيس النقابة العامة لأطباء ليبيا محمد الغوج أن أسباب توقيع الاتفاقية تتمثل في شكاوى المرضى الليبيين في تونس من عدم تقديم تقارير علاج بحالتهم الصحية، وارتفاع تكاليف العلاج.
كما أشار إلى أن من بين الأسباب الأخرى حدوث بعض الأخطاء الطبية وتفشي ظاهرة عمل أطباء تونسيين في ليبيا في القطاع الخاص خارج الإطار القانوني، ودون الحصول على التصاريح اللازمة لمزاولة المهنة.
ويؤكد خبراء أن تطوير القطاع الصحي بين البلدين، يتطلب تفعيل الاتفاقيات خاصة في مجال الأدوية والاستفادة من التجربة التونسية في إدارة المستشفيات.
ورأوا أيضا أن من الضروري تشجيع تبادل الوفود الطبية وإيجاد حلول لسداد الديون المترتبة على علاج المرضى والجرحى الليبيين في تونس.
وثمة ثقة لدى المرضى الليبيين في كفاءة الطبيب التونسي، تراكمت عبر التعامل معه مباشرة في المستشفيات التونسية، وأيضا لسهولة التفاهم باعتبار عامل اللغة العربية.
ويعتبر الليبيون من الوافدين الرئيسيين للمستشفيات الخاصة في تونس، وتظهر بيانات رسمية أن نحو 380 ألف مريض أجنبي يعالجون سنويا في تونس، منهم 320 ألف ليبي، فيما تبلغ معاملات القطاع نحو 500 مليون دينار (نحو 167.3 مليون دولار).
وقال نزار العذاري، الكاتب العام لعمادة الأطباء التونسيين، إن "الاتفاقية تهدف إلى تنظيم تنقل الأطباء التونسيين إلى ليبيا، وجاءت بعد أن عبّرت نقابة الأطباء الليبية عن قلقها من عمل الأطباء التونسيين دون ترخيص مسبق".
وأضاف لـ"العرب" أن "الاتفاقية تهدف إلى توفير الحماية اللازمة للطبيب التونسي في ليبيا وضمانات العمل القانوني، فضلا عن التأطير المستمر للأطباء الليبيين وتكوينهم، وحماية المرضى الليبيين الذين يعالجون في تونس وليبيا".
ولفت العذاري إلى أن هناك تجاوزات من حيث غياب الترخيص لممارسة النشاط، وغياب عنصر الكفاءة، مشيرا إلى وجود تعاون "صحي ممتاز بين تونس وليبيا وتوجه مغاربي في المجال، سينتج عنه تحسين الخدمات الصحية للمرضى الليبيين".
واعتبر أن هذا التعاون من شأنه أن يفتح آفاقا جديدة لإنشاء مؤسسات استشفائية وتبادل الخبرات، مع إمكانية استرجاع المستشفيات التونسية لديونها لدى المرضى الليبيين بعد 2011.
وتقدر غرفة المصحات الخاصة في تونس الديون المتراكمة على الليبيين منذ 2011 بنحو 200 مليون دينار (66.9 مليون دولار)، بينما قالت وزارة المالية الليبية إنها تبلغ نحو 50 مليون دولار فقط.
وسبق أن أكد رئيس الغرفة النقابية الوطنية للعيادات الخاصة في تونس بوبكر زخامة أن قيمة الديون الليبية للمصحات في بلاده تتجاوز 270 مليون دينار (100 مليون دولار).
وتعدّ الاستثمارات الصحية من أفضل القطاعات الناشطة لكونها تنمو بوتيرة سريعة وتسهم في توفير فرص العمل، كما يلعب القطاع الخاص دورا مهما في استقطاب العديد من المرضى الأجانب للعلاج، ما ساهم في تعزيز إيرادات النقد الأجنبي للدولة.
وفي وقت سابق، دعا الضاوي الأطباء الذين يمارسون نشاطهم بين تونس وليبيا إلى إعلام العمادة لتتولى بدورها التنسيق مع الجانب الليبي، والحصول منها على إذن مزاولة لفائدته يمكنه من العمل بصفة قانونية.
وشهدت الخدمات والمؤسسات الصحية في ليبيا تراجعا كبيرا منذ انتشار الفوضى في البلاد قبل 12 عاما، ما أدى إلى غياب الاستقرار السياسي، وتحكم الميليشيات في المرافق العامة، ومنها الصحة.
وأدى ذلك إلى هجرة أطباء ليبيين إلى الخارج، ومشاكل في الدراسة داخل البلاد، وتعطل مشاريع تطوير المؤسسات الصحية وتوفير المعدات والأدوية.
وقال عياشي الزمال، رئيس حركة "عازمون" ورئيس لجنة الصحة بالبرلمان السابق، "إن البلدين يتعاونان منذ سنوات طويلة، وبعد 2011 كانت هناك زيارات ليبية مكثفة لتونس من أجل التداوي والسياحة". وأكّد لـ"العرب" أن الليبيين يمكنهم الاستفادة من الكفاءات الطبية التونسية، خاصة و"أننا نلاحظ هجرتهم نحو ليبيا".
وقال "هذه الاتفاقية يمكن أن تدعم مستوى الشراكة بين البلدين، خصوصا في ظلّ وجود كفاءات طبية تونسية متميزة (أكثر من ألف طبيب يلتحقون بفرنسا سنويا)".