تونس لا تبدي حماسة حيال قبول رعاياها المتطرفين من فرنسا

لا تزال مسألة قبول الرعايا التونسيين المتعلقة بشأنهم جملة من الجرائم والتجاوزات، تثير الجدل في مسار علاقات تونس الدبلوماسية مع أوروبا. وفيما تطالب دول أوروبية على غرار فرنسا باستعادة تونس لهؤلاء، ينتقد المراقبون طريقة تعامل السلطات المحلية مع الملف الذي ترافقه رهانات أمنية ودبلوماسية كبيرة.
تونس – عبّرت فرنسا على رغبتها في أن تستعيد تونس رعاياها المتواجدين بها في إطار غير قانوني، وخصوصا أولئك الذين يشكّلون تهديدا أمنيا على استقرار باريس وكامل المجال الأوروبي، ما يطرح مدى تحمّس السلطات التونسية لاستعادتهم نظرا لما يحمله الملف من تداعيات ومخاطر أمنية.
وقال سفير فرنسا في تونس أندريه باران، إن فرنسا ترغب في أن تتمكن تونس من استعادة رعاياها المتواجدين بفرنسا في إطار غير قانوني وخاصة “أولئك الذين يشكلون تهديدا أمنيا”، معتبرا أن عودة هؤلاء المواطنين التونسيين إلى بلدهم “ليس بأي حال من الأحوال مصدر توتر كبير مع السلطات التونسية”.
وفي رده على سؤال حول موضوع الهجرة والتنقل بين تونس وفرنسا خلال ندوة صحافية حول مخرجات الدورة الثالثة للمجلس الأعلى للتعاون التونسي الفرنسي وآفاق التعاون الثنائي، أكد باران أن “الحوار يبقى الإطار الأمثل لإيجاد الحلول لهذا الملف”.
ولفت الدبلوماسي إلى أن فرنسا ليس لديها إرادة لمنع التونسيين من الذهاب إلى أراضيها أو الحد من تحركاتهم، “فقط الهجرة غير النظامية تشكل معضلة بالنسبة إلينا” نريد أن نظل بلدا منفتحا لاسيما بالنسبة إلى الطلبة التونسيين والشباب المهنيين التونسيين”.

حاتم المليكي: إعادة الرعايا مسألة معقدة والنقاش حولها يتطلب تنسيقا أمنيا
وذكر السفير الفرنسي في ذات السياق، أن عدد الطلبة التونسيين في فرنسا يبلغ حاليا 13 ألفا وهي الجنسية الرابعة لفرنسا بعد الصينيين والمغاربة والجزائريين.
وأردف “نتوقع أن تبذل تونس قصارى جهدها لمحاربة الهجرة غير النظامية”، مشددا على استعداد بلاده لمساعدة السلطات التونسية بشكل أفضل من أجل إحكام السيطرة على تدفقات المهاجرين المغادرين من سواحلها.
وأضاف “تظل تونس البلد الوحيد الذي نتبنى معه سياسة التنقل المفتوح، نحن نصدر سنويا 150 ألف تأشيرة إلى هذا البلد، مؤكدا أن استئناف عودة النشاط لمنح التأشيرات سيتم بمجرد أن تسمح الظروف الصحية بذلك”.
واعتبرت شخصيات سياسية تونسية أن الملف يتطلب تنسيقا أمنيا ولوجيستيا عاليا يأخذ بعين الاعتبار مستجدات الوضع في المتوسط.
وأفاد النائب المستقل في البرلمان حاتم المليكي أن “ملف استعادة الرعايا التونسيين من فرنسا وأوروبا عموما، خاضع لقوانين الاتحاد الأوروبي والقوانين التونسية المحلية، لكن الإعادة القيصرية غير مقبولة”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن “إعادة أشخاص متعلقة بهم ملفات وجرائم مسألة معقّدة، والنقاش حولها يتطلب تنسيقا أمنيا عاليا ويجب الحفاظ على الأمن التونسي أولا”.
وبخصوص توفر رغبة السلطات التونسية من عدمها في إعادة رعاياها، قال المليكي “لا توجد إمكانيات للتعامل مع هذا الموضوع الشائك الذي يتطلب الكثير من التنسيق والتعاون الأمني وأخذ كل ملف على حدة (ملفات الإرهابيين والرعايا والهجرة غير النظامية) ولا يوجد تقدم يذكر في هذه الملفات”.
واستطرد “في تقديري المسألة يجب أن توضع على طاولة الحوار في علاقة بتأمين منطقة المتوسط، التنقل الإرهابي والهجرة غير الشرعية وغيرهما”.
ويطرح ملف عودة المتطرفين التونسيين من فرنسا إلى بلادهم أسئلة عدة، أهمها كيفية تعامل القضاء التونسي معهم وهل سيخضعون لكل الإجراءات ومراحل المقاضاة والتحريات بشأن ملفاتهم، خاصة أن هذا الملف له حساسية خاصة في تونس، وترفض العديد من الأطراف استعادة هؤلاء.
ويرى مراقبون أن السلطات مطالبة بالاهتمام بالمسألة ومعالجتها وفقا لمقاربات شاملة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الملفات المتعلقة بالرعايا.

غازي الشواشي: تونس عليها أن تتحمل المسؤولية بمقاضاة من لديه تتبّعات
وأفاد الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي في تصريح لـ”العرب”، بأن “السلطات التونسية ليست في حاجة إلى التحمّس من أجل معالجة هذه الملفات واستعادة رعاياها، هم رعايا تعتبرهم فرسا غير قانونيين ويجب احترام الاتفاقيات الثنائية والدولية في ذلك”.
وأضاف “لا أعتقد أن تونس من حقّها أن ترفض عودتهم، ومن واجبها أن تطالب هذه الدول باحترام إجراءات الترحيل مع توفّر جملة من الضمانات في حقّ من هم مطلوبون للعدالة التونسية”.
وأردف الشواشي “على تونس أن تتحمل مسؤولية مواطنيها، ومن لديه تتبعات وجبت مراقبته ومقاضاته في إطار القانون والتراتيب الجاري بها العمل، والسلطات مطالبة بأن تتعامل معهم كمواطنين تونسيين، لأنه من حقّ كل تونسي أن يعود إلى بلاده وفق الدستور”.
وأشار إلى ضرورة “ضمان شروط المحاكمة العادلة لهم”، قائلا “هذه بضاعتنا ردّت إلينا ووجب التعامل معها كما ينبغي”.
وسبق أن طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره التونسي قيس سعيد باستعادة رعاياه المتطرفين الذين تريد فرنسا إخراجهم من أراضيها.
وتضم فرنسا 231 أجنبيا مقيمين بطريقة غير قانونية وملاحقين بشبهات تطرف، ينتمي 70 في المئة منهم إلى أربع دول، ثلاث منها من المغرب العربي فضلا عن روسيا التي يزورها دارمانان في الفترة المقبلة.
ويعتبر هذا الملف حساسا لدى التونسيين، فقد شهدت البلاد تظاهرات في 2016 رافضة لقبول عودة تونسيين إلى البلاد بعد أن التحقوا بتنظيمات جهادية في سوريا.
وسجلت تونس ارتفاعا كبيرا في عدد محاولات الهجرة في 2011 إثر سقوط نظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي، ثم شهدت إثر ذلك انخفاضا لتعود إلى الارتفاع من جديد اعتبارا من 2017 تزامنا مع غياب الاستقرار السياسي وتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي.