تونس تواصل العمل بإجراءات تقسيط المياه رغم انتعاش مخزون السدود

تونس - طرحت كميات الأمطار المسجلة في الأيام الأخيرة بمختلف المناطق التونسية تساؤلات بشأن حقيقة تجاوز أزمة الجفاف القائمة في البلاد منذ سنوات، فضلا عن الحدّ من إجراءات تقسيط توزيع الماء الصالح للشرب التي أقرتها السلطات تبعا لتراجع مخزون السدود من المياه.
وعلى الرغم من استبشار المزارعين بالكميات المسجلة التي تنعش آمالهم جزئيا في إنجاح الموسم الزراعي، نظرا إلى أهمية هذه الأمطار على مستوى الفلاحة البعلية والأشجار المثمرة والنباتات، إلا أن خبراء يؤكدون أن المخزون الحالي لا يكفي للتخلص من تهديدات العطش القائمة.
ويؤّكد هؤلاء أنه لا مهرب من مزيد تمديد فترة إجراءات تقسيط توزيع المياه التي اتخذتها وزارة الفلاحة والصيد البحري منذ مارس الماضي، وأكدت الاستمرار في اتباعها منذ نهاية سبتمبر الماضي، نظرا إلى ارتباط عملية توزيع الماء بمخزون السدود.
وحسب الخبراء في المجال، لا بدّ أن تتجاوز نسبة المعدل الوطني لامتلاء السدود الـ30 في المئة، حتى يتسنّى الحديث عن التقليص في الإجراءات تدريجيا.
ولئن كانت نسبة التساقطات مهمة، إلا أنها تركزت في المناطق الساحلية والشرقية على غرار ما يعرف بـ”الوطن القبلي” (محافظة نابل) ومختلف محافظات الساحل التونسي (سوسة، المنستير، المهدية)، وهي محافظات مطلّة على البحر على عكس محافظات الشمال الغربي التي تضم عددا كبيرا من السدود (جندوبة، باجة، الكاف، سليانة).
وسجّلت مختلف مناطق البلاد، منذ بداية الأسبوع الجاري، نزول كميات هامة من الأمطار خصوصا في منطقة بني حسان من محافظة المنستير(شرق) التي عرفت نزول أعلى كمية بـ130 ملمترا، ثم منطقة أولاد شامخ في المهدية (شرق) بـ120 ملمترا، ثم منطقة منزل تميم من محافظة نابل (شمال) والنفيضة بمحافظة سوسة (شرق)، ثم ماطر بمحافظة بنزرت (شمال)، حسب المعهد الوطني للرصد الجوي.
وأفاد الخبير في الموارد المائية حسين الرحيلي أن ” نزول الأمطار كان متواترا في الأيام الأخيرة، وبكميات كبيرة جدا، حيث سجلنا نسبة 36 في المئة منها في المناطق الساحلية، ونسبة امتلاء السدود إلى حدّ يوم الثلاثاء الماضي في حدود 24.5 في المئة”.
وقال الرحيلي لـ”العرب”، “كسبنا كميات جديدة من المياه في حدود 110 مليون متر مكعب أي ما يعادل 5 في المئة من طاقة السدود و45 يوما من استهلاك الماء، وربما تتحسن التقديرات الجديدة بتحسن الوضع المناخي”.
وأشار إلى أن “موسم الزراعات الكبرى بدأ يتعافى، كما أن هذه الأمطار مهمة جدا بالنسبة إلى الأشجار المثمرة، وإذا سجلنا كميات أخرى بنفس النسق فسنصل إلى حدود 32 في المئة من امتلاء السدود وهو ما يمكننا من الخروج من المنطقة الحمراء”، لافتا أن “إجراءات تقسيط المياه مازالت متواصلة ما دمنا لم نصل إلى حدود 30 في المئة من امتلاء السدود”.
وتشهد الموارد المائية في تونس منذ سنوات استنزافا كبيرا بسبب قلة التساقطات والإفراط في استغلال المياه، ولهذا السبب يؤكد المسؤولون أنه أصبح من الضروري اليوم وقف نزيف الموارد المائية عبر إعلان حالة الطوارئ المائية.
وتُصنّف تونس من بين البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش.
ويبلغ إجمالي قدرة استيعاب السدود التونسية مليارين و337 مليون متر مكعب، غير أن الجفاف يمنع تعبئة أكثر من نصف طاقتها سنويا.
وقالت الدكتورة روضة القفراج، عضو مجلس علوم الهندسة لعمادة المهندسين والخبيرة في الموارد المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية، إن “المخزون الحالي في السدود في حدود 26 في المئة”.
وأكّدت في تصريح لـ”العرب” أن “الإجراءات التي اتخذتها السلطات بشأن تقسيط توزيع المياه ستبقى قائمة وسارية المفعول لأن كمية المياه الحالية ضعيفة ولا تكفي للزراعة، حيث أن الأمطار ساهمت بنسبة 37 في المئة من الإيرادات ولدينا نقص بنسبة 63 في المئة”.
وكانت الأمم المتحدة قد حثت تونس والجزائر وليبيا على “ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لإيقاف تضرر الخزان المائي الجوفي المشترك في الصحراء الحدودية للبلدان الثلاثة”.
وبالعودة إلى الإجراءات، فقد بدأت السلطات التونسية منذ نهاية مارس الماضي، بقطع مياه الشرب ليلا في مناطق العاصمة ومدن أخرى، في محاولة لخفض الاستهلاك.
وحجّرت وزارة الفلاحة والصيد البحري، استعمال المياه الصالحة للشرب الموزعة عبر شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه سواء للأغراض الزراعية، أو لري المساحات الخضراء، أو لتنظيف الشوارع والأماكن العامة أو لغسل السيارات.
وتفاقمت أزمة الجفاف والارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة والتغيّرات القائمة في طبيعة الفصول في تونس في السنوات الأخيرة. وبدأت آثار الأزمة في الظهور بطرق متفاوتة من دولة إلى أخرى، وتستهدف الصحة والزراعة والحصول على الغذاء والمياه والسكن والعمل.
وتظهر التوقعات المناخية في تونس انخفاضا في هطول الأمطار إلى 22 مليمترا بحلول عام 2050 أي بتدنٍّ بـ9 في المئة مقارنة بالقيمة الحالية، وسيبلغ 45 مليمترا في عام 2100 أي بتدن نسبته 18 في المئة.
وسيكون لهذه الانخفاضات تأثير كبير بشكل خاص على النشاط الزراعي، إذ من المتوقع أن ينخفض إنتاج الحبوب بنسبة 40 في المئة تقريبا، بينما من المحتمل أن تعاني محاصيل الزيتون من انخفاض في مردوديتها بنسبة 32 في المئة، فضلا عن الزيادة في تواتر حالات الجفاف وفي شدتها خصوصا بالجنوب التونسي.