تونس تواجه تفشي الطلاق بدورات إعداد المقبلين على الزواج

في ظل الارتفاع المقلق لنسب الطلاق في تونس، اختار نشطاء المجتمع المدني تكثيف حملات التوعية للمقبلين على الزواج من خلال تأمين دورات تكوينية للشباب لتأهيلهم نفسيا لهذه الخطوة الاجتماعية، كما ستلعب جمعية محلية حديثة النشأة دور الوسيط بين الزوجين بهدف التوصل إلى حلول ترضي الطرفين لحماية الأسرة من التفكك.
تونس- تتجه جمعيات تونسية إلى تأمين دورات تكوينية للمقلبين على الزواج بهدف توعية الشباب وحماية الروابط الأسرية من التفكك، في ظل الارتفاع المقلق لنسب الطلاق في البلاد.
وتحصلت جمعية “نحب نعيش مع أمي وبابا” أي “أريد العيش مع أمي وأبي” على رخصة في أوائل أغسطس الجاري وهي أول جمعية في هذا المجال، وتستهدف العلاقات بين الزوجين خاصة الذين لديهم أبناء قبل أو بعد الطلاق وستلعب دور الوسيط للصلح بينهما.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن رئيسة الجمعية كريمة الريكمي قولها إن “هذه الجمعية تعد الأولى في تونس وستسعى لتخفيض نسب الطلاق في البلاد من خلال إيجاد حلول للصلح بين الزوجين، قبل أن تتم إجراءات الطلاق، وذلك لحماية الطفل وضمان استمرارية عيشه مع والديه في ظروف عائلية سليمة وأجواء نفسية متوازنة”.
وكشفت الجمعية أنها ستقترح على السلط المعنية في البلاد، بأن تعرض حالات الطلاق بالعاصمة عليها قبل نطق الحكم، للنظر فيها والإصلاح بين الطرفين، كما ستتخذ إجراءات لحماية الطفل ومساعدته نفسيا.
وأوضحت أنه من أهداف الجمعية القيام بدورات تكوينية للمقبلين على الزواج، وذلك بهدف التوعية وتسهيل العلاقة بينهم أثناء الانتقال إلى الحياة الزوجية، وذلك لحماية الروابط الأسرية من التفكك والمساهمة في تطوير القوانين والتشريعات ذات العلاقة بالأسرة.
وينص الفصل الثلاثون من مجلة الأحوال الشخصية على أن يكون الطلاق لدى المحكمة بموجب حكم قضائي، أما أنواع الطلاق فحددها الفصل الواحد والثلاثون من المجلة وهي الطلاق بالتراضي بين الزوجين، أو للضرر الحاصل لأحد الزوجين، أو برغبة خاصة من الزوج أو الزوجة.
وفي كل الحالات، وحسب الفصل الثاني والثلاثين من المجلة، فإن القاضي لا يصدر الحكم بالطلاق مهما كان السبب القانوني إلا بعد القيام بمحاولات صلحية بين الزوجين.
ويحذر الخبراء من ارتفاع نسب الطلاق في البلاد خاصة لآثاره النفسية على الأطفال، وبرأي هؤلاء فإن زيادة مشكلات الصحة العقليّة للأطفال، ومنها الاكتئاب، والمشكلات النفسيّة الأخرى الناجمة عن القلق والإجهاد والتوتر، هي من أكبر آثار قرار الطلاق على الأبناء، مشيرين إلى أنها أعراض قد تحتاج إلى تدخل طبي حتى لا تتفاقم وتؤدي إلى أضرار ومشكلات أكبر.
وكشفت إحصائيات قدمتها وزارة العدل، في بداية العام 2020، عن تسجيل 46 حالة طلاق يوميا في تونس و13 ألف قضية طلاق سنويا. كما تشير البيانات إلى ارتفاع عدد الحالات مقارنة بالعام 2017 حيث كانت المحاكم لا تبت سوى في 41 حالة طلاق يوميا.
وأوضحت أرقام وزارة العدل أن الزوج أكثر طلبا للطلاق من الزوجة بـ 48 ألفا و579 قضية، في خمس سنوات، في حين بلغ عدد القضايا بطلب من الزوجة 32 ألفا و543 قضية، في نفس الفترة.
وأكدت مليكة الورغي، مديرة الأسرة بوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، أن ارتفاع حالات الطلاق يعود إلى عدم وعي الشباب القادمين على الزواج بحجم المسؤولية المناطة بعهدتهم، مشيرة إلى أن غياب التأهيل لدى الشباب من أبرز الأسباب.
وقالت الورغي “إن غياب الوعي بالمسؤولية التي تترتب على الزواج إضافة إلى المشكلات المادية التي تتفاقم خاصة بعد إنجاب الأطفال يعمقان الأزمة”.
وتفيد العديد من الدراسات الاجتماعية التي تناولت الطلاق في تونس بأن المشكلات المادية والاجتماعية وكذلك الجنسية تأتي في طليعة أسباب الانفصال بين الزوجين. كما تشير إلى أن الطلاق في المجتمع التونسي بات يشبه الآفة من حيث الزيادة الكمية كونه يسجل سنويا معدلات مرتفعة عن السنوات التي تسبقها.
ومن بين الأسباب التي لا تقل أهمية عن سابقاتها نجد الأسباب الاقتصادية والمالية حيث يعجز الزوج مثلا عن تنفيذ الوعود التي قدمها للزوجة في فترة الخطوبة مثل توفير ظروف معيشة مريحة ماديا لها وللأبناء، ما من شأنه أن يزيد الخلافات الزوجية خاصة في ظل غلاء المعيشة والارتفاع المشط للأسعار وتكاليف الدراسة.
زيادة مشكلات الصحة العقليّة للأطفال، ومنها الاكتئاب، والمشكلات النفسيّة الأخرى الناجمة عن القلق والإجهاد والتوتر، هي من أكبر آثار قرار الطلاق على الأبناء
وعزا الباحث والخبير في مجال الطفولة والأسرة إبراهيم الرياحي، في تصريحات سابقة لوكالة الأنباء الرسمية تفشي ظاهرة الطلاق في المجتمع التونسي في السنوات الأخيرة، إلى عدة أسباب منها المادية والنفسية وضعف الأسس التي قام عليها الزواج.
واعتبر أن تدهور المقدرة الشرائية يتسبب في ضغط نفسي بين التطلعات إلى ما هو أفضل من جهة، وبين الإمكانيات المتاحة المحدودة من جهة أخرى، ما يولد انفعالات يتم تعويضها إما بالعنف وإما بالتفكير في فك رابطة الزواج.
وخلص الرياحي إلى أن فكرة الانفصال تجد صداها خاصة إذا كان تأسيس الحياة الزوجية مبنيا على أسس ضعيفة غير قادرة على مقاومة التحديات المستقبلية التي قد تجابهها مؤسسة الزواج، وخاصة إذا لم يتوفر التوافق الفكري والاجتماعي والثقافي والمادي بين الزوجين.