تونس تناقش تحولات الرواية الفلسطينية المعاصرة

تونس – انطلقت مساء الخميس بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بتونس العاصمة تظاهرة “تحولات الرواية الفلسطينية” التي تنتظم ببادرة من “بيت الرواية” من الخامس والعشرين إلى السابع والعشرين من نوفمبر الجاري، بحضور روائيين ونقاد وأكاديميين من فلسطين وتونس، وذلك لتدارس إشكاليات الرواية الفلسطينية والتحولات الحاصلة لها على امتداد العقود الماضية لاسيما وأنها شكلت لدى العديد من الروائيين الفلسطينيين أداة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي وضمانة للذاكرة والهوية الفلسطينية.
وتأتي هذه التظاهرة تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني مثلما تعكس أهمية القضية الفلسطينية في قلوب التونسيين وعمق الروابط التاريخية والحضارية والفكرية التي تربط الشعبين الشقيقين التونسي والفلسطيني، وفق ما أكده سفير فلسطين بتونس هايل الفهوم في افتتاح التظاهرة.
وشدد الفهوم على أن الاهتمام بالرواية الفلسطينية “جزء لا يتجزأ من المقاومة لصد محاولات تزوير الحقائق والمعطيات على أرض الواقع بالأراضي المحتلة التي لا تزال قائمة لتفتيت الشعوب واستعمار العقول وسلب الإرادة لطمس معالم الشخصية والذاكرة الجماعية والهوية الفلسطينية الراسخة منذ عهود”.

الرواية الفلسطينية تحولت من رواية مقاومة إلى هم ذاتي بوجود موجات جديدة لها ساهمت في تألقها
وأكد السفير الفلسطيني أن “الرواية الفلسطينية قادرة على تفجير الوعي بالمرحلة للتصدي لسياسات السيطرة على العقول التي ما فتئ المستعمر يمارسها، لكن صمود الشعب الفلسطيني أمام هجمات طمس الخصوصية جعل كل ما يكتب ويروى عن صموده، بمثابة كلمة الحق التي أصبحت تتصدر القاموس الكوني وهو ما يؤكد أن المقاومة تولد من رحم الثقافة وليس العكس، حيث تتدفق ينابيع الحياة من جديد ويتحرر الإنسان الفلسطيني من كل القيود لبناء الوطن ومقاومة المحتل“.
وقد قدم الأدب الفلسطيني منذ النكبة العشرات من الروايات التوثيقية، لكن الرواية الفلسطينية تجاوزت هموم التوثيق وحفظ الذاكرة، لتصبح أكثر مقاربة لتعقيد الوضع الفلسطيني السياسي والمجتمعي والثقافي، الذي لا يمكن اختصاره بأزمة شتات ونكبة واحتلال فقط بل هو فيه تجليات أكثر تشابكا اليوم وتحتاج إلى مقاربات جديدة وهو ما انخرط فيه الكثير من الروائيين الفلسطينيين وسط جدل كبير خلقته أعمالهم.
وهو ما يمضي فيه مدير “بيت الرواية” لسعد بن حسين الذي أكد أن تنظيم تظاهرة عن الرواية الفلسطينية كان مطمحا تحقق بتضافر العديد من الجهات المتدخلة في تونس والأراضي الفلسطينية، مشيرا إلى أن “الحديث سيكون عن الرواية الفلسطينية التي تحولت من رواية مقاومة إلى هم ذاتي بوجود موجات جديدة لها جعلها تتألق في العديد من المحافل الدولية، حيث تحصلت روايات عدة على جوائز هامة وكانت ضمن القائمات القصيرة للمسابقات الروائية العالمية في العديد من المناسبات بما يعكس عمقها وثراءها وتقيدها بالراهن المعيش”.
ومن جانبه أكد الملحق الثقافي لسفارة فلسطين بتونس بسام القواسمة في كلمته أن “الحكومة الفلسطينية أقرت سنة 2021 سنة الرواية الفلسطينية وأعدت خططا وميزانية لتعزيزها عربيا ودوليا لأنها مهددة بالطمس والسرقة والإنكار ولا بد من المحافظة عليها كأداة فضلى لصيانة المكتسبات الثقافية والتاريخية والحضارية لفلسطين مثلما تعد الثقافة في شموليتها أداة مقاومة وتلعب دورا محوريا في مواجهة الاحتلال وخلق جيل على وعي كامل بحقوقه مثلما توصف الرواية بكونها ضامنة للحرية وقادرة على لملمة شتات الإنسان الفلسطيني في رحلة بحثه عن الهوية”.
وثمن المدير العام لإدارة الكتاب بوزارة الشؤون الثقافية كمال البشيني من جانبه تنظيم ندوة حول “التحولات في الرواية الفلسطينية” بحضور نخبة من ألمع الروائيين والنقاد الفلسطينيين لتدارس مستويات النص الروائي الفلسطيني وتمثلاته معتبرا أن الرواية الفلسطينية تحيل إلى شخصية المواطن الفلسطيني وقضيته لكونها حمالة لهموم وأفكار وطن يستنهض هممه من مواطنيه في صمودهم أمام جرافات الاحتلال لاقتلاع أشجار الزيتون وهتك الأعراض”.
الحكومة الفلسطينية أقرت سنة 2021 سنة الرواية الفلسطينية وأعدت خططا وميزانية لتعزيزها عربيا ودوليا لأنها مهددة بالطمس والسرقة والإنكار
وكان الحفل الافتتاحي لتظاهرة “تحولات الرواية الفلسطينية” مناسبة لتكريم أحد أعلام الرواية الفلسطينية توفيق فياض الذي عاش ويلات السجون الإسرائلية والتهجير وكانت كتاباته نبراسا للمقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال وفسحة أمل للمواطن الفلسطيني في بحثه عن الحرية والانعتاق.
وقدم توفيق فياض بالمناسبة شهادة مؤثرة عن تونس وذكرياته معها وهو الذي قضى بها نحو أربعين عاما حيث يقول “لا أقبل أي تكريم أو جائزة إلا إذا كانت تونسية وحتى إذا لم أكتب رواية واحدة عن تونس فذلك لأنها كانت تشدني دائما لأكتب عن فلسطين”.
وتمحورت الجلسة العلمية الأولى لندوة “تحولات الرواية الفلسطينية” حول المدونة الروائية الفلسطينية ومساراتها التاريخية والسياسية والفنية من خلال مداخلات محمد القاضي وأشرف القرقني وعمر حفيظ فضلا عن تقديم شهادات الروائي الفلسطيني ناجي الناجي والروائية نجاة بكري.
وتجدر الإشارة إلى أن المشاركين في الندوة سيتطرقون خلال اليومين القادمين إلى الرواية الفلسطينية المقاومة للمحتل الإسرائيلي بإبراز طغيانه وانتهاكاته وتطرفه إلى جانب التطرق للرواية الفلسطينية كناقلة للذات الفلسطينية التي تكابد لتعيش بحرية، كما يقدم الروائيون والنقاد على غرار إيمان زياد وحمد حاجي والبشير الجلجلي وتغريد ناجي وحنان الرحيمي ونبيل قديش وثورة حوامدة وعبدالفتاح دولة ويوسف حطيني وغيرهم العديد من التجارب والشهادات بأسلوب نقدي تارة وفكري أكاديمي تارة أخرى في محاولة لفهم خصوصيات الرواية الفلسطينية والتحولات الحاصلة فيها.