تونس تفكك لغز اختفاء الأدوية من الصيدلية المركزية

عصابة تسرق الأدوية وتهربها إلى بلد مجاور.
الخميس 2024/07/18
أبرز أنواع الأدوية مفقودة

شرعت تونس في إماطة اللثام عن ظاهرة اختفاء الأدوية من الصيدليات التي استفحلت في الفترة الأخيرة. وفي الوقت الذي كان يعتقد فيه البعض أن فقدان الأدوية نتاج لمسار تقني يتعلق بتوفرها في الأسواق العالمية، تبيّن وجود شبكات إجرامية تسعى إلى استهداف صحّة التونسيين بسرقة الأدوية وتهريبها.

تونس - بدأت السلطات التونسية تفكك شفرة فقدان عدد كبير من الأدوية وفقدانها من الصيدلية المركزية ومن ورائها الصيدليات الجهوية في مختلف مناطق البلاد، حيث تمت الإطاحة بعصابة تسرق الأدوية وتهرّبها نحو بلد مجاور.

وظلّت أزمة فقدان الأدوية من الصيدليات مستمرة لسنوات طويلة، وهو ما يدل حسب المراقبين على أن ممارسات الفساد لم تكن حكرا على قطاعات بعينها، بل توسعت لتشمل مجال الأدوية والقطاع الصحي عموما.

ويؤكد المراقبون أن الأزمة متوارثة منذ سنوات، حيث سمحت ظروف ما قبل إجراءات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021 بوجود لوبيات تعبث بالأمن الغذائي والصحي وتفتعل الأزمات وتستهدف حياة التونسيين.

خليفة الشيباني: هناك لوبيات تعبث بأمن التونسيين الغذائي والصحي
خليفة الشيباني: هناك لوبيات تعبث بأمن التونسيين الغذائي والصحي

واختفت مئات الأدوية من رفوف الصيدليات في أرجاء البلاد منذ شهور، بما في ذلك علاجات مهمة لأمراض القلب والسرطان والسكري، وبات من الصعب الحصول على كامل أنواع الأدوية في الوصفات الطبية التي يقدمها الأطباء، ما جعل الصيادلة يلتجئون إلى تعويضها بالأدوية الجنيسة، مقابل فقدان أنواع أخرى تتعلق خصوصا بالأمراض المزمنة.

وتتعمق الأزمة في الصيدليات الخاصة أو في المستشفيات العامة، ما يؤشّر حسب خبراء على تدهور المنظومة الصحية برمتها.

وأذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في بن عروس لأعوان الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية بإدارة الشرطة العدلية في القرجاني بالاحتفاظ بخمسة أشخاص، من بينهم عون في الصيدلية المركزية للبلاد التونسية وصاحب شركة شحن خاصّة وصاحب صيدلية في الساحل، وذلك من أجل شبهات تتعلق بتكوين وفاق لسرقة الأدوية الموردة من الخارج وتهريبها لاحقا إلى بلد مغاربي مجاور، وذلك منذ سنة 2013.

وتفيد المعطيات المتوفرة بأن منطلق الأبحاث في الكشف عن عناصر الوفاق كان إثر ورود معلومات مفادها بروز مظاهر الثراء الفاحش على أحد أعوان الصيدلية المركزية للبلاد التونسية الكائن مقرها في محافظة بن عروس، حيث أصبحت لديه عدة أملاك وعقارات وغيرها من المكاسب الهامة.

وبتكثيف التحريات تبيّن أنّه يتزعم وفاقا يضم صاحب شركة خاصة للشحن وصاحب صيدلية بالساحل ومهرّبا؛ إذ كشفت الأبحاث عن تورطهم منذ سنة 2013، وبصفة متواصلة، في سرقة كميات من الأدوية الموردة من الخارج على مستوى أحد الموانئ، وإخفائها قبل تسليمها وبيعها لاحقا إلى المهرّب الذي يتولى بدوره تهريبها إلى بلد مغاربي مجاور.

وبإحالة الأبحاث على أنظار الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية بإدارة الشرطة العدلية في القرجاني تمكّن أعوانها من حجز كميات من أدوية مسروقة من الصيدلية المركزية في منزل العون، ليتقرّر إثر ذلك الاحتفاظ بالعناصر الخمسة على ذمة البحث في انتظار إحالة الملف على أنظار النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في بن عروس لتقرر في شأنه ما تراه مناسبا على ضوء نتائج الأبحاث المجراة.

نبيل الرابحي: تم في 2013 تهريب كميات من الأدوية إلى بلد مجاور
نبيل الرابحي: تم في 2013 تهريب كميات من الأدوية إلى بلد مجاور

وتشير التقديرات إلى أن ثمة 74 شركة تعمل في السوق المحلية، من بينها 36 شركة مختصة في صناعة الأدوية، فيما تركز البقية على صناعة المستلزمات الطبية، برقم معاملات يبلغ سنويا 250 مليون دولار، لكن متابعين يؤكدون أن حجم الفساد في القطاع حال دون توفر أنواع الأدوية في الصيدليات وخصوصا تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة والخطيرة.

وقال المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني “ممارسات الفساد طالت كل القطاعات في السنوات العشر الماضية، وهناك لوبيات تعبث بالأمن الغذائي والصحي، حيث تكونت عصابات ومافيات لافتعال المشاكل والأزمات”.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “أوجه الحرب على الدولة مختلفة ومنها المواد الغذائية والأدوية وغيرها”، لافتا إلى أنه “من غير المعقول أن تفقد الأدوية فجأة، وهذا ما يؤكد أن بعد الإجراءات الاستثنائية للرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، ظهرت حرب وجودية مع السلطة مظاهرها اقتصادية واجتماعية وصحية”.

وتابع الشيباني “تونس تملك مصانع دواء، وهناك أطباء يبيعون بعض أنواع الأدوية مثل أدوية أمراض الأعصاب”.

وتتصرف الصيدلية المركزية في حدود 4 آلاف نوع من الأدوية، صنف منها يوزع بين أدوية حصرية التوريد من الخارج وأخرى يتم إنتاجها على المستوى المحلي، فضلا عن وجود صنف ثالث متأت من مسالك توزيع المصانع الخاصة.

وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي بأن “أزمة الأدوية غير محدثة كما أنها مركّبة، حيث تم في 2013 تهريب كميات كبيرة من الأدوية إلى بلد مجاور”.

وأضاف لـ”العرب” أن “مخابر الأدوية الخاصة استباحت المنظومة الدوائية وضربت القطاع العام في تونس، إلى جانب المافيات والشبكات الإجرامية وما تم نتيجة الانفلات وتدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في العشرية الماضية”.

ودعا الرابحي إلى “ضرورة وضع حدّ لتهريب الأدوية، خصوصا وأن 30 في المئة من الشعب التونسي يعانون من ارتفاع ضغط الدمّ”.

وكان نوفل عميرة رئيس النقابة التونسية للصيدليات الخاصة قد أكد غياب لجنة توحد أسعار. وقال “المشكلة أن وزارة التجارة تحدّد أسعار جميع المواد بما في ذلك الأدوية، في حين أن الاحتياجات تعلمها وزارة الصحة”.

وأضاف في تصريح إعلامي “تونس تضم أكثر من 30 مؤسسة مصنعة للأدوية والعدد قابل للارتفاع إلى 50 مؤسسة تصنّع الأدوية محليا”.

4