تونس تضع خطة جديدة لمجابهة شحّ المياه

"المقاربة ليست في تجميع المياه فقط، بل إن القضايا المطروحة لا تقتصر على الحلول التقنية، ويجب أن تندرج في إطار السياسات العامة للبلاد".
السبت 2024/03/23
من تحديات المرحلة

تونس - شرعت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري بتونس، في وضع خطة جديدة تهدف إلى مجابهة شح المياه في ظل تواصل أزمة الجفاف وتزايد الطلب على الماء.

ولا يزال مخزون المياه غير كاف بالمقارنة مع حجم الاستهلاك اليومي وتهديدات العطش، فضلا عن تواصل إهدار الماء الصالح للشرب، وسط إقرار بأن وضعية المياه في البلاد غير مطمئنة. ويعتبر الجفاف أحد أبرز مظاهر التغير المناخي الذي تعتبر تونس من أكثر دول العالم تأثرا به.

وقال وزير الزراعة عبدالمنعم بلعاتي خلال يوم دراسي نظم بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني والعالمي لترشيد استهلاك الماء الموافق ليوم 22 مارس من كل سنة “إننا لسنا واعين بأهمية المياه في ظل وضعية الشح المائي والتغيرات المناخية التي نعيشها”.

وأضاف أن تونس لم تكن لها مسؤولية في حدوث التغيرات المناخية داعيا إلى ضرورة إيجاد آليات للظاهرة، مشيرا أنه ”لمواجهة الحاجيات المستقبلية للمياه وضمان تواصل الإمدادات وضعت وزارة الفلاحة خطة عمل من أجل تعزيز البنية التحتية بإحداث سدود جديدة وتعرية أخرى مبينا أنه توجد حاليا 4 سدود في طور الإنشاء”.

عبدالله الرابحي: هناك 80 موقعا لإنشاء سدود إضافية في أفق 2050
عبدالله الرابحي: هناك 80 موقعا لإنشاء سدود إضافية في أفق 2050

كما أكد أنه من بين النقاط الإستراتيجية للوزارة الضغط على الطلب وإعادة استعمال المياه المعالجة وتحلية مياه البحر واستغلال الطاقات المتجددة لتقليص كلفة الإنتاج.

وأبرز الوزير أن “محطة تحلية مياه بحر الزارات في قابس (جنوب) ستكون جاهزة في الأيام القادمة”، مضيفا أن “محطة صفاقس ستدخل حيز العمل مع أواخر شهر يونيو ومحطة سوسة موفى السنة الحالية”.

وقال إنه “تمت أيضا برمجة إحداث محطات لتحلية مياه البحر في كل من المهدية وجرجيس”، مشددا على “أهمية ترشيد استهلاك الماء باعتباره أهم آليات الضغط على الطلب وهو الأقل تكلفة”، لافتا أنه “تم إصدار منشور حكومي في مارس الجاري يدعو القطاع العمومي إلى ترشيد استعمال المياه”.

وأشار الوزير إلى أن نقص الأمطار أدى إلى تراجع مخزون السدود والمائدة السطحية وارتفاع نسبة ملوحة المياه حيث سجلت تونس خلال سنة 2023 أدنى كمية مياه في السدود بلغت 22 في المئة.

وقال إن النتيجة كانت كارثية حيث تم تسجيل صابة حبوب في حدود 0.3 مليون طن، كما أن القطاع الزراعي يستهلك 70 في المئة من كميات المياه في حين  تستهلك مياه الشرب 20 في المئة والصناعة والسياحة وغيرها 10 في المئة.

وتُصنّف تونس ضمن البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش.

وقال عبدالله الرابحي، الخبير في مجال المياه وكاتب الدولة السابق للموارد المائية والصيد البحري، إن “تونس توجد في منطقة شمال أفريقيا المعروفة بشح المياه، كما يوجد نقص في المياه خلال السنوات الأخيرة، كما تبين أن هناك تغيّرا مناخيا بسبب الاحتباس الحراري”.

وأكد لـ“العرب” أن “وزارة الزراعة وضعت خطة متكاملة بإنشاء عدد من السدود، كما يوجد 80 موقعا لإنشاء سدود إضافية في أفق 2050”، لافتا أنه “توجد عدة أنشطة لمجابهة شح المياه، منها محطات تحلية المياه (الزارات، صفاقس وسوسة)، وأيضا هناك محطات إضافية مبرمجة في المستقبل مثل (جرجيس والمهدية)”.

300

مليون متر مكعب، المياه المعالجة التي لا تستغل منها سوى 10 في المئة

ودعا الرابحي إلى “ضرورة استغلال مياه المعالجة المقدرة بـ300 مليون متر مكعب، في حين لا تستغل منها سوى 10 في المئة”، مشيرا إلى أن “الاقتصاد في الماء ضروري مع امتلاء السدود بنسبة 37 في المئة”.

وفي أبريل 2023، أصدرت وزارة الفلاحة التونسية قرارا يقضي بالحد من استعمال المياه الصالحة للشرب لأغراض زراعية وريّ المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسيل السيارات، وباعتماد نظام الحصص لتوزيع المياه على السكان، وأعادت القرار إلى تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود، مما انعكس سلبا على مخزونها المائي الذي بلغ مستوى غير مسبوق.

في المقابل، اعتبر الخبير في التنمية والموارد المائية حسين الرحيلي أن ”الخطة ليست جديدة، بل تأتي كتتويج للدراسة الإستراتيجية لأفق 2050، والتعويل على تحلية مياه البحر واستغلال أكثر ما يمكن لمياه الصرف الصحي المعالجة”.

وأكد في تصريح لـ“العرب” أن “المقاربة ليست في تجميع المياه فقط، بل إن القضايا المطروحة لا تقتصر على الحلول التقنية، ويجب أن تندرج في إطار السياسات العامة للبلاد”.

ودعا الرحيلي إلى “ضرورة إعادة النظر في منوال التنمية وإنتاج الثروة، فضلا عن تحديد الأولويات في استهلاك الماء بالنسبة إلى منظومات الإنتاج، وليس الاقتصار على تجميع المياه بقدر إيجاد خطة لاستغلاله في المجال المناسب”.

ولفت الخبير في المياه إلى أن “الخطة تستدعي حوالي 74 مليار دينار، وهو أمر من الصعب تحقيقه في ظل أزمة الوضع المالي، كما أن قضايا الماء غير قابلة للخصخصة والملك العمومي لا يخصخص”، مشيرا إلى أن “ميزانية الدولة لسنة 2024 خصصت لأول مرة مبلغ  600 مليون دينار للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (صوناد)، من أجل مجابهة صعوبات شح المياه”.

وتشير التوقعات المناخية في تونس إلى أن انخفاضا في هطول الأمطار سيصل إلى 22 مليمترا بحلول عام 2050، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 9 في المئة مقارنة بالمستويات الحالية، وسيبلغ 45 مليمترا في عام 2100، أي سينخفض 18 في المئة.

4