تونس تسعى للقطع مع التشغيل الهش

قيس سعيد يؤكد على وضع حد للمناولة.
السبت 2024/08/24
مطالب بتوظيف مستقر وإنهاء حالات التشغيل المؤقت

دعا الرئيس التونسي قيس سعيد إلى ضرورة تنقيح مجّلة الشغل، في مسعى لضمان حقوق العمّال والقطع مع آليات التشغيل الهشّ، ما يكرّس حسب خبراء اهتمام الدولة بدورها الاجتماعي، مع تحذيرات من تداعيات الخطوة اقتصاديا وماليّا.

تونس - تتجه السلطات التونسية نحو تنقيح مجلة الشغل ووضع حدّ نهائي للتعامل بالمناولة والعقود المحدودة في الزمن، فضلا عن تسوية وضعية عمّال الحضائر، ما يعكس حسب المراقبين اهتماما كبيرا من السلطة بحفظ كرامة العمال والقطع مع آليات التشغيل الهشّ.

ولئن ثمنت أوساط سياسية توجّه السلطة الجديد لضمان حقوق العمال وحفظ كرامتهم، فإنها ربطت تنفيذ تلك الخطوة بشروط اقتصادية وجب توفيرها مسبقا من ضمنها تحفيز المؤسسات المشغّلة ودعم مواردها.

وبعد ثورة 2011 تم إدماج جميع عمال المناولة في القطاع العام والوظيفة العمومية، لكن لا يزال الآلاف يرزحون تحت هذا النظام الهش من التشغيل في عدة قطاعات خاصة مقابل أجور زهيدة وفي الغالب دون ضمانات بالتغطيات الاجتماعية والصحية.

وتطرق الرئيس قيس سعيد في اللقاء الذي جمعه مساء الخميس بقصر قرطاج برئيس الحكومة كمال المدوري إلى جملة من مشاريع النصوص التي تمّ إعدادها وسيتمّ عرضها على مجلس الوزراء للتداول فيها في أقرب الآجال.

وأفاد بلاغ للرئاسة التونسية بأن من مشاريع النّصوص النصّ المتعلق بتنظيم العلاقة بين مجلس نواب الشعب ومجلس الجهات والأقاليم، ومشروع تنقيح مجلّة الشغل، لوضع حدّ نهائي لما يُعرف بالمناولة والعقود المحدودة في الزمن، فضلا عن تسوية وضع عمّال الحضائر.

محمد صالح الجنادي: التنقيح خطوة جريئة ستعيد الحقوق المهضومة للعمال
محمد صالح الجنادي: التنقيح خطوة جريئة ستعيد الحقوق المهضومة للعمال

وأكّد قيس سعيد مجدّدا أن كرامة الوطن من كرامة مواطنيه ومواطناته ولا بدّ من مقاربة كلّ هذه الأوضاع مقاربة لا تقوم على أنصاف حلول بل تقطع نهائيا مع الإرث الثقيل الذي تراكم على امتداد عقود من الزمن.

كما شدد سعيد على أن الكرامة الوطنية ليست مجرّد شعار بل تتصل بسيادة الدولة التونسية. فتونس كما لا تقبل بأن تتدخل في شؤون غيرها لا تقبل بأن يتدخّل في شؤونها الداخلية أحد، والشعب التونسي وحده هو الذي يُحدّد اختياراته في كنف الاحترام الكامل للقانون وهو فتح صفحة جديدة في التاريخ ولن يقبل أبدا بالعودة إلى الوراء.

ويرى متابعون أن هذا التعديل سيساهم في ضمان استقرار العلاقات المهنية وتعزيز الشعور بالانتماء إلى المؤسسة وبالتالي تحسين المردودية والرفع من الإنتاج واستقطاب الاستثمار، وسط دعوات إلى ضرورة دراسة كل الحيثيات المتعلقة به قبل الانطلاق في تنفيذه.

وأفاد الخبير المصرفي والمالي محمد صالح الجنادي بأن “التنقيح ممكن إذا ما تمّ الاتفاق مع الاتحاد العام التونسي للشغل، وهي خطوة يمكن أن نثمّنها، ومن الناحية الاقتصادية فالمناولة هي حالات عمل استثنائية، ووجدت لتخفيف الأعباء على المؤسسات”.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “النظام السابق (منظومة ما بعد 2011) اعتمد على المناولة خصوصا في الشركة التونسية للكهرباء والغاز (ستاغ) وشركة السكك الحديدية، وبالتالي ستكون هناك زيادة في كتلة الأجور”.

ووصف الجنادي الخطوة بـ”الجريئة” وستعيد الحقوق المهضومة للشغالين وتحمي مستقبلهم، لكن لا تخلو من تداعيات ومخاطر على مستقبل الدولة التي لديها التزامات وتعهدات.

واستطرد قائلا “كل الحقوق التي ستضاف سترفق بموارد مالية، وبالتالي مسألة التنقيح تتطلب دراسة شاملة لمختلف الجوانب والتفاصيل، وعلى الدولة أن تتوخى الحذر من ذلك”.

الاتحاد العام التونسي للشغل أعلن بالسابق رفضه تعديل قانون التشغيل من جانب واحد من قبل السلطة

ومن شأن التنقيح أن يوفر فرصة إضافية وضمانة لتكريس المنافسة الشريفة بين المؤسسات الاقتصادية وبالتزاماتها تجاه أجرائها.

لكن أصواتا تونسية دعت إلى أهمية تحقيق المزيد من التكامل بين أحكام مجلة الشغل ومقتضيات السياسات النشيطة للتشغيل.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إن “علينا أن نحدد ماذا نريد منذ البداية، اقتصاد ليبرالي أم اقتصاد اجتماعي تضامني وفق منوال وروح اشتراكية، ذلك أن المناولة والشغل الموسمي اقترنا بمجالات معينة أهمها الزراعة والسياحة، ويمكن أن تكون حلاّ للعمّال”.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “تنقيح مجلة الشغل مشروط بصلابة المؤسسات، وفي كل بلدان العالم هنالك آليات للتشغيل الهشّ، والمسألة هي كيف يكون الاقتصاد منتجا للثروة حتى لا تكون آليات التشغيل مؤقتة وليس ضمن الإستراتيجيات القارّة”.

وتابع المنذر ثابت “مقترح الرئيس سعيد بتنقيح مجلة الشغل، جيّد من أجل حفظ كرامة العمال، لكن الدعوة يجب أن تكون مرفوقة بمحفزات”.

وسبق أن أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل رفضه تعديل قانون التشغيل من جانب واحد من قبل السلطة.

المنذر ثابت: تنقيح مجلة الشغل مشروط بصلابة المؤسسات
المنذر ثابت: تنقيح مجلة الشغل مشروط بصلابة المؤسسات

واعتبر المكتب التنفيذي الوطني لاتحاد الشغل أنّ إحداث أيّ تنقيح على مجلّة الشغل من جانب واحد هو إلغاء للعمّال ولممثّليهم الشرعيين من النقابات واستفراد بالقرار والسلطة ونسف للحوار الاجتماعي، موضحا أنّ إقصاء الهياكل المهنية والاستفراد بالقرار لا يمكن أن يخلّفا إلاّ الأخطاء والإخلالات والثغرات، حسب بيان صادر عنه.

وعبّر اتحاد الشغل عن رفضه لأيّ تنقيح أحادي محمّلا السلطة المسؤولية عما يترتّب على ذلك قائلا إنّ الإصرار على إحداث تنقيحات على مجلّة الشغل من جانب واحد هو إقصاء صريح للشركاء الاجتماعيين وتراجع غير مفهوم ولا مبرّر عن التقاليد المكتسبة للحوار الاجتماعي والقائمة على مبدأ التشاور الثلاثي بين الأطراف الاجتماعيين الثلاثة.

وشدّد على أنّ تنقيح مجلّة الشغل يستدعي تقييما مشتركا بين أطراف الإنتاج لكامل المجلّة ولا يجب أن ينحسر في مسألة العقود والتشغيل الهشّ، على أهمّيتها في تحرير العمّال من ربقة العبودية الجديدة.

وذكّر بأن المنظمة العمالية نادت منذ أكثر من 18 سنة بتنقيح مجلّة الشغل التونسية بهدف توفير مقوّمات العمل اللائق وإنهاء كلّ أشكال العمل الهشّ وتحقيق الكرامة والأمان الوظيفي لكلّ العمّال والعمل على بلوغ مقولة الأجر المعيشي، وذلك من خلال ملاءمتها مع أحكام الدستور ومعايير العمل الدولية.

ودعا الاتحاد إلى حوار اجتماعي حقيقي لإنهاء معاناة الآلاف من عمال المناولة والمربّين النوّاب وأعوان التأطير في وزارة التربية ومتعاقدي قطاعات الصحّة والثقافة والتعليم العالي وغيرهم، والتفاوض حول طبيعة ومفهوم وآليات مناولة الخدمة في القطاع الخاص.

وكان رئيس الحكومة السابق أحمد الحشاني قد أشرف في يوليو الماضي بقصر الحكومة بالقصبة على مجلس وزاري خصص للنظر في مشروع قانون يتعلق بتنقيح وإتمام بعض أحكام مجلة الشغل.

وذكّر الحشاني في افتتاحه للمجلس أن دستور الجمهورية التونسية يضمن طبقا للفصل 46 “لكلّ مواطن ومواطنة الحق في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل”، وعليه تجسيما لهذا الحق وتكريسا للدور الاجتماعي للدولة الضامنة لكرامة مواطنيها والحامية لحقوقهم بما يستجيب لمتطلبات العدالة الاجتماعية وتعزيز شروط العمل اللاّئق تأتي مبادرة رئيس الجمهورية التي أذن بها في هذا الإطار.

 

اقرأ أيضا:

4