تونس تراهن على تنشيط دبلوماسيتها لمواكبة التطورات العالمية المتسارعة

قيس سعيد يدعو إلى دبلوماسية مستشرفة لكل الأوضاع للدفاع عن مصالح تونس.
الجمعة 2024/12/13
أولى الخطوات تبدأ من أفريقيا

يسعى الرئيس التونسي قيس سعيد إلى تنشيط دبلوماسية بلاده، في ظل المستجدات العالمية المتسارعة إقليميا ودوليا، وسط دعوات لاستشراف في العلاقات مع الحفاظ على الروابط التقليدية.

تونس - تراهن تونس على تفعيل نشاطها الدبلوماسي بهدف مواكبة التطورات الطارئة في العالم بوتيرة متسارعة، مع الحفاظ على ثوابتها التقليدية في العمل الدبلوماسي والمعروفة أساسا بالحياد.

ومنذ إعلان الاستقلال في العام 1956، عُرفت الدبلوماسية التونسية بالهدوء والاتّزان وظلت محافظة على عدة ثوابت، أبرزها التزام الحياد وتجنب الاصطفاف في سياسة المحاور الإقليمية والدولية ضمانا لاستقلال القرار الوطني، مع خدمة المصالح التونسية، واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، فضلا عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان.

وشدد الرئيس سعيد الأربعاء بقصر قرطاج على أن “العالم اليوم يشهد تطورات متسارعة وغير مسبوقة، ويجب أن تكون الدبلوماسية التونسية مستشرفة لكل الأوضاع التي يمكن أن تستجد للذود عن مصالح تونس.”

وأكد سعيد لدى استقباله لوزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي على “دور الدبلوماسية التونسية في هذه الفترة بناء على ثوابتها.” وتطرق الرئيس التونسي كذلك إلى “ضرورة مضاعفة البعثات الدبلوماسية والقنصلية لجهودها من أجل المزيد من الإحاطة بالتونسيين بالخارج وإسداء الخدمات لهم في أحسن الظروف وفي أقصر الآجال.”

كما اطلع خلال هذا اللقاء على نشاط الوزارة على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف في الفترة الماضية. ويعتبر توجه تونس الجديد وتغيير بوصلتها نحو الشرق مهما في أبعاده الاقتصادية والإستراتيجية لو يتم توظيفه بالشكل المناسب.

وتسعى تونس، في إطار إعادة الانتشار الدبلوماسي، إلى التواجد أكثر في القارة الأفريقية التي تمثل عمقها الإستراتيجي مع دعم تواجدها في قارة آسيا، حسب الإمكانيات المتاحة، وسط تأكيد من وزارة الخارجية على دعم تعزيز التمثيل الدبلوماسي التونسي في دول أفريقيا الوسطى وبعض الأماكن الأخرى خلال السنتين القادمتين.

وكثيرا ما تعبّر السلطات التونسية، خصوصا بعد إجراءات الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، عن كونها قادرة على إدارة شؤونها بمفردها ودون تدخلات خارجية، وهو ما يدعو إليه الرئيس سعيد مرارا ويرفض ما يسميه بـ”التدخل في السيادة الوطنية.”

نبيل الرابحي: قيس سعيد أراد أن يضع الدبلوماسية على الطريق الصحيحة
نبيل الرابحي: قيس سعيد أراد أن يضع الدبلوماسية على الطريق الصحيحة

وتطالب تونس ببناء روابط متكافئة بين ضفتي المتوسط لمواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية التي تتلكّأ أوروبا في معالجتها بجدية، وتدعو إلى دعم فرص التعاون في مجالات عديدة مثل الطاقة والتبادل التجاري. وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “الثوابت الدبلوماسية في تونس تتمثل في الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، مع حق البلدان في تحقيق مصيرها، وقد أتخذ القرار للخروج من سياسة المحاور التي انخرطت فيها تونس بعد 2011.”

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “تونس اتبعت سياسة المحاور وخصوصا (المحور التركي – القطري)، وهي تحالفات لم تنفع الدبلوماسية التونسية، والرئيس سعيد أراد أن يضع الدبلوماسية على الطريق الصحيحة.”

وأشار الرابحي إلى “بداية تشكل لمنظومات جديدة، والهيمنة الأميركية على العالم قد انتهت، والصين ستصبح القوة الاقتصادية في العالم، إلى جانب مجموعة بريكس جديدة، وشرق أوسط يتشكل من جديد”، متسائلا “كيف ستكون العلاقة الجديدة مع الشرق الأوسط؟ والرئيس سعيد يريد الانتفاع من ذلك حسب ما تقتضيه مصالح تونس.”

وترى أوساط سياسية أن فضلا عن تعزيز التمثيل الدبلوماسي في الدول الأفريقية الغنية بالموارد على غرار النفط مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا مع استغلال فرص الاستثمار الموجودة هناك، وجب أيضا تمتين العلاقات والروابط الدبلوماسية مع الشركاء التقليديين على غرار دول الاتحاد الأوروبي.

وتضيف الأوساط أن التمثيل الدبلوماسي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مختلف المعطيات ويكون نشاطا متكاملا، يضمن الحفاظ على العلاقات مع الاتحاد الأوروبي باعتباره الشريك الأول لتونس، مع الانفتاح على القارتين الأفريقية والآسيوية في إطار تنويع ذلك النشاط والبحث عن أسواق استثمارية جديدة.

وأفاد الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان بأن “العمل الدبلوماسي لا يدخل في الشأن اليومي للدول، بل له رؤية مستقبلية، والرئيس دعا إلى تطوير هذا الجانب حتى لا تحصل مفاجآت.” وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الدبلوماسية التونسية محايدة وترفض الاصطفاف، بل هي مساندة لتحرر الشعوب، وبالتالي السلطة تعبر عن موقف سياسي تونسي، وهو ما يعكس التوجّه السياسي العام الذي انتهجته البلاد منذ الاستقلال.”

ويرى متابعون أن تونس أصبحت تسترجع تدريجيا سيادتها الوطنية في صناعة القرار الداخلي، حيث يكرّر الرئيس سعيّد مرارا ضرورة “احترام السيادة الوطنية وأنه لا وصاية لأحد على تونس”، وذلك بعد سنوات من الارتهان الخارجي الذي كرّسته منظومة الأحزاب والولاءات السياسية للتمكّن من السلطة.

ويؤكد هؤلاء على وجود توجه لتجسيد مواقف خاصة وليس بالوصاية، وهو ما يؤكد استقلالية القرار السياسي واحترام السيادة الوطنية. وتواصل تونس الانفتاح في شراكاتها الاقتصادية على مختلف بلدان العالم العربي، وبعد إبرام اتفاقيات شراكة مع المملكة العربية السعودية في وقت سابق، وقّعت مؤخرا على 14 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم بعدة مجالات مع الكويت.

ويقول المراقبون إن الشراكة بين تونس والدول العربية عادت إلى مجراها الطبيعي، خصوصا بعد ثورة يناير 2011 التي عرفت تمكّن تيار الإسلام السياسي من السلطة والتحكم في مسار الشراكات وفقا لتوجهات سياسية وأيديولوجية.

4