تونس تراهن على استغلال أفضل للفوسفات لتجاوز أزمتها المالية

قيس سعيد: من الضروري أن يسترجع القطاع نسق إنتاجه العادي.
الخميس 2023/06/15
حان وقت العمل بجدية

يسعى الرئيس التونسي قيس سعيّد، مع تواصل الأزمات المالية والاقتصادية، للبحث عن حلول داخلية لتمويل الخزينة العامة دون اللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، من خلال تنشيط القطاعات المنتجة وفي مقدمتها إنتاج الفوسفات.

تونس - حضّ الرئيس التونسي قيس سعيد خلال زيارة مفاجئة قام بها إلى شركة فوسفات قفصة (جنوب غرب) مساء الثلاثاء، على تسوية الأوضاع العمالية والاجتماعية في منطقة الحوض المنجمي، في مسعى لإعادة الإنتاج إلى مستوياته السابقة وتفادي اللجوء إلى الاقتراض من الخارج، في ظل تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية للبلاد.

وتحتاج تونس إلى موارد مالية كبيرة مع استمرار تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بنحو 1.9 مليار دولار.

وطالب الرئيس التونسي بعودة إنتاج الفوسفات في منطقة الحوض المنجمي المعطل منذ أيام، حتى لا تكون البلاد في حاجة إلى الاقتراض الأجنبي.

وقالت رئاسة الجمهورية وفق بيان نشرته “تحول رئيس الجمهورية عشية الثلاثاء إلى مدينة الرديف من ولاية قفصة، حيث تحدث إلى المواطنين بضرورة أن ينخرطوا جميعا في هذه اللحظة التاريخية، مفعمين بروح وطنية عالية لمواجهة التحديات كلها”.

رضا الشكندالي: زيادة إنتاج الفوسفات يمكن أن تجنّب تونس الاقتراض من الخارج
رضا الشكندالي: زيادة إنتاج الفوسفات يمكن أن تجنّب تونس الاقتراض من الخارج

وأضافت “ذكَر رئيس الجمهورية أن للدولة قوانينها ولا بد أن يعمل الجميع في ظلهَا، كما لا بد أن تكون هذه القوانين نابعة من الإرادة الشعبية حتى تستجيب لمطالبهم المشروعة”.

ونقل البيان عن سعيد قوله للمعتصمين “تونس تحتاج إلى الفوسفات وإلى كل ثرواتها الوطنية لمواجهة التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة، وإنه من الضروري أن يسترجع قطاع الفوسفات اليوم نسق إنتاجه العادي”.

كما تحدث سعيد عن اجتماعه السابق بقيادات مجلس الأمن القومي للبحث في ملفّ الفوسفات وكيفية استغلاله لمواجهة الأزمة المالية التي تمر بها البلاد ومواجهة العجز في الميزانية.

وعجز إنتاج شركة فوسفات قفصة المتخصصة في استخراج الفوسفات وتحويله وتصديره، منذ 2011 عن بلوغ مستويات الإنتاج لعام 2010، التي كانت في حدود 8.2 مليون طن، ولم تتجاوز كمية الإنتاج منذ ذلك التاريخ إلى حدود 2022 أربعة ملايين طن سنويا.

ويرى المراقبون أن عودة نشاط الفوسفات بشكل نهائي وبطاقة قصوى تحتاج إلى تفكيك الكثير من العناصر المحيطة به، على غرار الإضرابات والاحتجاجات وعمليات التعطيل التي حدثت منذ 2011 التي تأتي كردّ فعل على موقف الدولة التي كانت تنقل الفوسفات دون الاستثمار في مناطق استخراجه بشكل يحدّ من نسب البطالة المرتفعة في المنطقة، وهو ما قاد إلى أحداث الحوض المنجمي في 2008.

وأفاد أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أن إنتاج الفوسفات بلغ 8 ملايين طن سنة 2010، ووفر عائدات مالية مهمة، ولكن الاحتجاجات بعد ثورة يناير 2011 عمقت أزمة هذا القطاع الحيوي.

وأضاف لـ”العرب” أنه “عند الاهتمام بالفوسفات وزيادة الإنتاج يمكن تفادي الصعوبات المالية للدولة وتجنب تونس الاقتراض من الخارج، واليوم هذه الثروة مهدورة ولا يتم استغلالها بالشكل الكامل”.

عودة نشاط الفوسفات بشكل نهائي وبطاقة قصوى تحتاج إلى تفكيك الكثير من العناصر المحيطة به

وربط الشكندالي زيادة إنتاج الفوسفات بـ”ضرورة تأمين الجيش التونسي لنقل الفوسفات إلى المجامع الكيميائية بصفاقس وقابس (شرق)، فضلا عن نقل المواد الكيميائية إلى الموانئ لتجنب ممارسات الفساد التي تنخر القطاع في السنوات الأخيرة”.

وفضلا عن الاهتمام بالفوسفات، دعا أستاذ الاقتصاد إلى وجوب الاشتغال على محاور أخرى للتقليص من وطأة الأزمات المالية للبلاد، على غرار تحويلات التونسيين بالخارج وفتح حسابات بالعملة الصعبة، والتخفيض الضرائب على أرباح المؤسسات المصدرة، إلى جانب العفو الجبائي التام على الأموال”.

واستثمرت دوائر فساد محلية (ولاية قفصة) في أزمة البطالة وحاجة المنطقة إلى توظيف أبنائها لإغراق شركة فوسفات قفصة بتعيينات عشوائية تقدّر بالآلاف من العاملين غير المتخصصين وغير القادرين على تطوير المؤسسة.

وطال الفساد مواصفات عربات النقل التي تم شراؤها، إذ اكتشفت الشركة أن هذه العربات لا تستجيب لحاجياتها، فضلا عن وجود تضارب في المصالح لمستوردين صاروا يعتمدون على الأسمدة الجزائرية ويعرقلون الإنتاج التونسي.

وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي “الرئيس سعيد اليوم دخل في سياسة كسر العظام مع إملاءات صندوق النقد الدولي وخاصة الدول الغربية والولايات المتحدة التي تبحث عن مخرج لتونس وآخرها زيارة الوفد الأوروبي الذي تقوده رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس الأسبوع الماضي”.

نبيل الرابحي: هناك سياسة كسر عظام بين سعيد وصندوق النقد الدولي
نبيل الرابحي: هناك سياسة كسر عظام بين سعيد وصندوق النقد الدولي

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “سعيد قال لا بد من التعويل على الذات وعلى خيراتنا ومقدراتنا ومواردنا الطبيعية لتجاوز الأزمات، ومنها الفوسفات والسياحة والعدالة الجبائية والصلح الجزائي”.

واستطرد قائلا “تونس يمكن أن توفر احتياجاتها دون الالتجاء إلى صندوق النقد الدولي، ولا سبيل اليوم للتفريط في المؤسسات العمومية”.

وفي أبريل الماضي اجتمع سعيد بمجلس الأمن القومي لبحث ملف إعادة إنتاج الفوسفات وتصديره بنسق عادي، حيث دعا إلى ضرورة حل الملف وعودة الإنتاج إلى مستويات ما قبل اندلاع الثورة لجلب العملة الصعبة الضرورية لتوريد الحبوب والطاقة وغيرها من المواد الأساسية التي يحتاجها التونسيون.

وكان الفوسفات يمثل نحو عشرة في المئة من صادرات تونس قبل 2011، حيث حل زيت الزيتون محله متصدرا قائمة الصادرات. وفي 2018 انكمشت حصة الفوسفات من الصادرات لتصل إلى نحو أربعة في المئة.

وتسببت الإضرابات ووقف إنتاج الفوسفات، وهي صناعة حيوية لتونس ومصدر رئيسي للعملة الأجنبية، في خسارة حوالي 10 مليارات دولار منذ انتفاضة 2011.

ويجري نقل الإنتاج من الحوض المنجمي في قفصة إلى المجمع الكيميائي بجهة قابس عبر عربات القطار، وبسبب احتجاجات العاطلين عن العمل واعتصاماتهم كثيرا ما يتوقف نقل الفوسفات مددا تبلغ في بعض الأحيان أشهرا.

وتواجه شركة فوسفات قفصة المملوكة للدولة – وهي أكبر مشغل في هذه المحافظة – ضغوطا اجتماعية لتوظيف المزيد من العاطلين عن العمل بينما تعاني الشركة من استنزاف مالي.

 

• اقرأ أيضا:

              متى يتخلص قيس سعيد من تأثير المزايدات بشأن صندوق النقد

4