تونس تراهن على آلية العودة الطوعية لاحتواء أزمة الهجرة

تونس - تراهن السلطات التونسية على العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين نحو بلدان الانطلاق، وذلك بعد تشديد الرقابة على الحدود البحرية مع أوروبا، من أجل احتواء أزمة الهجرة ولو جزئيا.
وتقول أوساط سياسية إن آلية عودة المهاجرين من تلقاء أنفسهم إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء تعود بالأساس إلى حالة فقدان الأمل لدى البعض في فرص العبور نحو السواحل الإيطالية.
وتضيف الأوساط ذاتها أن آلية العودة الطوعية للمهاجرين ما كانت لتتعزز لولا إيفاء تونس بتعهداتها تجاه شريكها الأوروبي في علاقة بمعالجة الظاهرة، كما أن الأمن البحري التونسي لعب دورا مهما في تشديد الحراسة، وبالتالي التقليص من أعداد الوافدين على أوروبا.
وأعلنت السلطات التونسية السبت عن تسجيل عودة نحو 2500 مهاجر غير نظامي من أفارقة جنوب الصحراء إلى بلدانهم في إطار العودة الطوعية منذ بداية العام الجاري.
وأكدت الإدارة العامة للحرس الوطني في بيان لها أنه “منذ بداية السنة الجارية تم تسجيل عودة قرابة 2500 أجنبي إلى بلدانهم، في إطار العودة الطوعية لأفارقة جنوب الصحراء المتواجدين في تونس بطريقة غير نظامية”.
وذكر البيان أن ذلك يأتي إثر “تقدم العديد من المهاجرين غير النظاميين من أفارقة جنوب الصحراء إلى العديد من المقرات الأمنية (أمن وحرس وطنيين) طالبين إمكانية النظر والتدخل لفائدتهم مع المنظمات التي تعنى بالهجرة” في البلاد قصد ترحيلهم نحو أوطانهم.
وتشهد تونس منذ فترة ليست بالقصيرة تصاعدا مطردا في تدفق المهاجرين غير النظاميين نحو أراضيها، طامحين إلى العبور نحو أوروبا، خصوصا باتجاه سواحل إيطاليا، على وقع تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد ودول أفريقية أخرى لاسيما جنوب الصحراء.
وذكرت الإدارة العامة للحرس الوطني أنه “بعد التنسيق مع التمثيليات الدبلوماسية لبلدان العديد من المهاجرين تم وضع خطة إستراتيجية خاصة لعملية عودتهم نحو أوطانهم”.
وأفاد البيان بأن “عملية العودة الطوعية يتم التنسيق فيها من خلال ثلاثة جوانب؛ أولها الاستقبال من طرف الوحدات الأمنية وتسجيل الراغبين، وثانيها الاتصال بالمنظمة الدولية للهجرة قصد تسهيل العودة وتحضيرات تدابيرها، وثالثا التنسيق مع شرطة الحدود والأجانب لضبط مواعيد الرحلات”.
وقال الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة إن “العودة الطوعية جزء بسيط من الحلول الجذرية، ويجب أن تكون هناك مصارحة من السلطة لخطة تونس في التعامل مع أزمة الهجرة وبما تم الاتفاق عليه مع الاتحاد الأوروبي حتى ينخرط الجميع في الحلّ”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “عودة 2500 مهاجر غير نظامي إلى بلدانهم رقم مهم وحلّ جزئي، لكن يجب أن يكون ضمن مقاربة شاملة في التعاطي مع الظاهرة، وتونس ملتزمة منذ البداية بما تعهدت به خلافا لشركائها”.
وقال مراد علالة “نحن جميعا في أفريقيا ضحايا الخيارات الأوروبية، وتشديد الإجراءات الرقابية في تونس جعل شريحة من المهاجرين تفقد الأمل في اجتياز الحدود التونسية نحو أوروبا، فاختار كثيرون العودة الطوعية”. وأضاف الكاتب والمحلل السياسي “يجب تشديد الحراسة أيضا على الحدود مع ليبيا والجزائر، والحد من تدفق المهاجرين نحو الأراضي التونسية”.
والاثنين الماضي جدّد الرئيس قيس سعيد، خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، تأكيده أن بلاده “لن تكون أرضا لتوطين هؤلاء (المهاجرين غير النظاميين)، وتعمل على ألا تكون معبرا لهم، وعلى دول شمال المتوسط أن تتحمل مسؤولياتها”.
وسبق أن أعلنت المفوضية الأوروبية في سبتمبر 2023 تخصيص مساعدات لتونس بقيمة 127 مليون يورو، تندرج ضمن بنود مذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين، جزء منها للحد من توافد المهاجرين غير النظاميين. ومنذ أيام أمنت المنظمة الدولية للهجرة بتونس العودة الطوعية لـ161 مهاجرا من تونس إلى غامبيا ضمن برنامج العودة الطوعية وإعادة الإدماج.
وسيستفيد جميع هؤلاء المهاجرين من المساعدة المخصصة لإعادة الإدماج بما في ذلك الدعم الطبي المستمر، عند عودتهم إلى وطنهم لإعادة بناء حياتهم، وفق ما جاء في صفحة المنظمة على فيسبوك.
وأفاد الكاتب والمحلل السياسي نبيل الرابحي بأن “الاتفاقية بين تونس والاتحاد الأوروبي تنص على العودة الطوعية للمهاجرين نحو بلدانهم مع المرافقة المالية لإعادة إدماجهم في حلقات الإنتاج في بلدانهم الأصلية”.
وأوضح لـ”العرب” أن “الرقم مهم، لكن ليس لنا حدود مع أفريقيا جنوب الصحراء، وربما هذه النتائج هي ثمرة الاتفاق الثلاثي بين تونس والجزائر وليبيا والتنسيق لإعادة المهاجرين إلى أوطانهم للحدّ من الظاهرة”.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة بتونس أعلنت عن تكثيف جهودها بالتعاون مع السلطات المحلية والهلال الأحمر التونسي بولاية (محافظة) صفاقس (شرق) التي يوجد بها عدد كبير من المهاجرين من مختلف الجنسيات، لتسجيل المهاجرين الراغبين في العودة الطوعية إلى بلدانهم الأصلية.
وتعد تونس، إلى جانب ليبيا، نقطة الانطلاق الرئيسية لآلاف المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط نحو سواحل إيطاليا. وشهدت الأشهر الماضية تكرر صدامات بين مهاجرين غير نظاميين وسكان أحياء في صفاقس، الذين يحتج عدد منهم على ارتفاع أعداد المهاجرين بمدينتهم.
وتؤكد أرقام شبه رسمية أن ثمة ما لا يقل عن 20 ألف شخص ينتشرون في حوالي 16 مخيما مؤقتا بالقرب من بلدتي العامرة وجبنيانة الزراعيتين في شمال صفاقس. وشرع هؤلاء في بناء أكواخ بأغصان الأشجار، اعتبارا من منتصف سبتمبر الماضي، بعدما طردوا ونقلوا بحافلات من وسط المدينة.