تونس تخوض حربا مفتوحة على الفساد في قطاع الأدوية

وزارة الصحة تبحث عن تأسيس وكالة تتولى تنظيم تجارة الدواء ومستلزمات الرعاية الصحية وتوزيعها.
الاثنين 2023/02/27
متى يصلكم الإصلاح؟

فتحت السلطات التونسية جبهة إعادة ضبط قطاع الأدوية الذي كان أحد ضحايا سوء الإدارة والتلاعب بدليل معاناة السوق لأشهر من اختفاء العديد من أنواع الأدوية من الصيدليات وسط تصاعد التذمر بين المواطنين من حدوث أزمة صحية كبيرة في البلاد.

تونس - شرعت تونس أخيرا في تفكيك العقبات التي ظلت جاثمة لسنوات على قطاع الأدوية جراء الفساد الذي تسبب في نقص تزويد مؤسسات الرعاية الصحية والصيدليات بالعديد من الأصناف ومن أهمها تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة.

وأدت زيارة الرئيس قيس سعيد إلى شركة صناعة الأدوية الحكومية التي تعاني من أزمة مالية خانقة الأسبوع الماضي للنظر في أسباب عدم قيامها بمهامها على الوجه المطلوب منها خطوة مهمة رغم أنها متأخرة، إلى فتح تحقيق موسع في شبهات فساد داخلها.

ويتعلق الأمر بسوء التسيير الإداري وتخزين أدوية منتهية الصلاحية بما قيمته نحو 2.3 مليون دينار (740 ألف دولار)، فضلا عن التلاعب بأموال الشركة.

ومن أجل حل المشاكل تسعى وزارة الصحة إلى وضع إستراتيجية تتضمن إنشاء وكالة للدواء ومستلزمات الرعاية الصحية والتي قالت في بيان إنها “ستحسن منظومة خاصة لتسهيل إجراءات تسجيل الأصناف الجديدة وترويجها”.

سهيل العلويني: الأزمات العالمية ساهمت في فقدان أصناف من الأدوية
سهيل العلويني: الأزمات العالمية ساهمت في فقدان أصناف من الأدوية

وأكد وزير الصحة علي مرابط خلال جلسة عمل الثلاثاء الماضي مع وفد من نقابة المؤسّسات الصيدلانيّة للبحث والتجديد (سفير) وممثّلين عن الصيدلية المركزية وإدارة الصيدلة والدواء على “وجوب تفادي الصعوبات الظرفية في تزويد السوق بالأدوية”.

ونقل بيان للوزارة عن مرابط قوله إن “الأولوية الآن هو انتظام تزويد السّوق بالأدوية وتأمين المخزون الاستراتيجي”.

وتطرقت الجلسة إلى علاقات الشراكة بين المخابر العالمية لتصنيع الأدوية المجددة والمبتكرة ومختلف الهياكل المتدخلة في منظومة الدواء لتحسين الخدمات.

وكانت وزارة الصحة قد أقرت بالأزمة المالية التي تمر بها مخابر الأدوية والصيدلية المركزية وأنها ستبدأ الإصلاحات العاجلة على غرار ترخيص الترويج بالسوق الخارجية وإنشاء وكالة للأدوية والعمل على تسوية الديون.

وأزمة الأدوية متوارثة منذ سنوات، مع غياب إستراتيجيات واضحة من قبل الدولة لإنقاذها، وتتعمق الأزمة في الصيدليات الخاصة أو في المستشفيات العامة، ما يؤشّر حسب خبراء على تدهور المنظومة الصحية برمتها.

وتعاني الصيدلية المركزية من ديون متراكمة تجاه المزودين تقدر بنحو 700 مليون دينار (219 مليون دولار).

وقال سهيل العلويني مستشار منظمة الصحة العالمية في تونس لـ”العرب” إن “هناك أدوية مفقودة بسبب نقص في المواد الأولية وارتفاع أسعارها وارتباطها بالعملة الصعبة، ما أثّر على وضع مصانع الدواء في البلاد”.

نوفل عميرة: أحد المشاكل هو غياب لجنة صحية خاصة توحد الأسعار
نوفل عميرة: أحد المشاكل هو غياب لجنة صحية خاصة توحد الأسعار

وتشير التقديرات إلى أن ثمة 74 شركة تعمل في السوق المحلية، من بينها 36 شركة مختصة في صناعة الأدوية، فيما تركز البقية على صناعة المستلزمات الطبية، برقم معاملات يبلغ سنويا 250 مليون دولار.

وأكد العلويني أن ثمة مشكلة سداد مستحقات شراء الأدوية من الخارج على غرار أدوية أمراض السرطان ذات الكلفة العالية، وهذا يتطلب زيادة ميزانية وزارة الصحة، لأن المستشفيات أيضا تعاني من مشكلة الديون بسبب الأدوية.

وأشار إلى أن العجز المالي يمنع الصيدلية المركزية من شراء الأدوية، فضلا عن أن الأزمات العالمية المتعاقبة أدت إلى فقدان البعض من الأصناف، داعيا إلى “ضرورة تدخّل الدولة لمعالجة هذه الأزمة”.

وعمقت الأزمة الاقتصادية المشكلة، إذ قالت هاجر بن جمعة صاحبة صيدلية لـ”العرب”، “نبذل جهودا كبيرة لإيجاد الدواء أو البديل المماثل له، ولكن هناك أدوية مفقودة على غرار أدوية أمراض الأعصاب المستوردة أو أدوية الأطفال والفايروسات الموسمية”.

وأضافت “لم تتم الزيادة في الأسعار منذ أن أعلنت وزارة الصحة برفع دعم الصيدلية المركزية للأدوية المستوردة قبل عامين”، لافتة إلى أنه لا بدّ من الحوكمة للتحكم في التوزيع.

وأشارت بن جمعة إلى ظاهرة التهريب التي تنخر القطاع، ولكن هناك أنواع من الأدوية ليست أساسية، ويمكن للصيدلية أن ترفع عنها الدعم حتى تقطع الطريق أمام تهريبها خصوصا وأنها تقتنيها بالعملة الصعبة.

ويجمع خبراء على أن قطاع الرعاية الصحية من أكثر القطاعات فسادا، وأنه ينافس فساد القطاعات الأخرى وأصبح بيئة مثالية لاستيلاء بعض اللوبيات على أموال الشعب بالتحايل عبر صفقات مشبوهة.

ولعل شهادة وزراء الصحة الذين تعاقبوا على تسيير وزارة الصحة، مثل الوزيرة السابقة سلوى مرعي، أكبر دليل على تفشي ظاهرة الفساد.

Thumbnail

وسبق للوزيرة أن كشفت في العام 2017 عمّا بات يعرف بفضيحة “اللوالب القلبية الاصطناعية”، إضافة إلى صفقة توريد مواد مخدرة للاستخدامات الطبية فاقدة الصلاحية.

وترتبط الأزمة التي يمر بها قطاع الأدوية بالأزمة المالية لتونس التي تسعى لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي يقضي بالحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار.

وكان نوفل عميرة رئيس النقابة التونسية للصيدليات الخاصة قد أكد غياب لجنة توحد الأسعار. وقال “المشكلة أن وزارة التجارة تحدّد أسعار جميع المواد بما في ذلك الأدوية، في حين أن الاحتياجات تعلمها وزارة الصحة”.

وأضاف “تونس تضم أكثر من 30 مؤسسة مصنعة للأدوية والعدد قابل للارتفاع إلى 50 مؤسسة تصنّع الأدوية محليا”.

وسبق أن أعلنت نقابة مزودي الأدوية بالجملة تجميد نشاطها احتجاجا على عدم استجابة السلطات لمطالبهم بتخفيف الأعباء الضريبية.

وطالبت نقابة الصيدليات الموزعة للأدوية بالجملة، السلطات بتمكينها من “شهادة إعفاء من الخصم من المورد”، ما يعني إعفاءات ضريبية عن مبيعاتها في 2022، بسبب أزمتها المالية المتراكمة وهو طلب لم تستجب له السلطات.

Thumbnail

وكانت تونس قد تقدمت في وقت سابق بطلب لاحتضان مقر الوكالة الأفريقية للأدوية، لكنها واجهت تنافسا كبيرا من الجزائر والمغرب قبل أن تفوز رواندا بالسباق.

وبحسب نقابيين فإن شركات عالمية تعمل في السوق المحلية تستعد لمغادرة تونس ما قد يعمق الأزمة التي تشهدها البلاد.

وأكد رئيس جمعية الصيادلة ناظم الشاكري أن “فقدان الأدوية وصعوبات التزود وصلا إلى مرحلة تمس كل الفئات والشرائح العمرية ومختلف أنواع الأمراض ولم يعودا مقتصرين على بعض الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة”.

ونقلت وسائل إعلام محلية عنه القول إن “حلقات سلسلة التزود تضررت، ومن أهمها الصندوق الوطني للتأمين على المرض (كنام) الذي أصبح عاجزا عن القيام بدوره، كما أن الصيدلية المركزية تعاني من نقص في السيولة بسبب الديون وتراكم مستحقاتها”.

وأكد أن فقدان الأدوية والاضطراب في التزود يشملان أدوية ضدّ مرض الصرع وضغط الدم والسكر والعلاج الكيميائي للمصابين بأورام سرطانية، إضافة إلى أدوية للتخفيف من ارتفاع درجات الحرارة لدى الأطفال، وهو ما يستدعي التدخل في أسرع وقت ممكن.

وفي خضم هذه المعضلة، تبرز مشكلة تهريب الأدوية برا والتي لا تزال متواصلة، حيث تم في وقت سابق إيقاف شاحنات كانت بصدد نقل بضائع منها أدوية خاصة بمرضى الأعصاب.

11