تونس تحفز الاستثمار بتعديل نظام إقامة الأجانب

استقبلت الأوساط الاقتصادية التونسية إحداث الهيئة التونسية للاستثمار التعديلات على نظام إقامة الأجانب لتحفيز الاستثمار بالكثير من التشكيك، معللة ذلك بتأخر الخطوة وعدم الجدية في التركيز على هذا المجال الحيوي، الذي يساعد في تحصيل عوائد مستدامة وتوفير فرص عمل جديدة للشباب.
تونس - أثار قرار هيئة الاستثمار إدخال تعديلات على نظام الإقامة للأجانب بهدف استقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية للبلاد في المستقبل جدلا واسعا داخل أوساط الأعمال.
وتسعى تونس منذ سنوات إلى تنفيذ سلسلة من الإجراءات والإصلاحات لجلب المستثمرين الأجانب، وتدارك تراجع مكانتها العالمية عبر تفكيك العراقيل التي تقف أمامهم.
وجسّدت الهيئة ذلك مطلع الأسبوع الجاري بإعلانها عن تمكينهم من بطاقة الإقامة، في وقت تتصاعد فيه شكوك خبراء من جدوى هذه الخطوة المتأخرة.
وأعلنت الهيئة التونسية للاستثمار الاثنين الماضي، تمكين كافة المستثمرين الأجانب من خدمة الحصول على بطاقة الإقامة بالبلد قصد تيسير مواصلة نشاطهم الاستثماري.
وقالت الهيئة في بيان إنها بدأت في إتاحة ست خدمات رقمية لفائدة المستثمرين التونسيين والأجانب على بوابة الاستثمار.
وتشمل الخدمات الجديدة التصريح بالاستثمار وتأسيس الشركات، وطلب الحصول على الرخص، وطلب الحصول على الحوافز المالية والجبائية، وإيداع المشاريع ذات الأولوية الوطنية وإيداع العرائض.
وسرعان ما شكك الخبراء في الخطوة التي اعتبروها متأخرة ولن تعالج مشاكل القطاع الهيكلية التي تفترض وضع أسس مستدامة للنهوض بالاستثمارات في بلد يعيش على وقع أزمة اقتصادية.
وقال الخبير الاقتصادي منجي المقدم لـ”العرب”، إن “الحل لجذب الاستثمارات ليس قانونيا، فالحكومة سبق وأقرّت في قانون الاستثمار لعام 2016 تسهيلات وامتيازات في غاية الأهمية للمستثمرين الأجانب، لكنها لم تفض إلى أي نتيجة ايجابية، ولا يزال المستثمر يفضّل التوجّه نحو تركيا والمغرب”.
وأضاف أن “المشكلة تكمُن في الوضع الأمني وليس في ما يتعلق بالإرهاب فقط، وإنما حتى في غلق الطرقات أو الاحتجاجات العمالية التي تجعل من المستثمر ينفر ويفضّل مناطق مستقرة”.
ويجمع خبراء على أن البيروقراطية معضلة أساسية، حيث تتسم معظم الشركات الحكومية بطابع التراخي في أداء المهام والخدمات، ممّا يعطل سير المشاريع ويطرد المستثمرين الذين يفضلون دولا أخرى تقدّم لهم حوافز.
وأشار المقدم لـ”العرب” إلى أن ضحالة البنية التحتية والبيروقراطية الإدارية تقفان حجر عثرة أمام كل مستثمر يرغب في إحداث مشاريع بالبلاد، حيث يصطدم بواقع التراخي الإداري وصعوبة الحصول على التراخيص وغيرها.
وكانت تونس قد أقرّت امتيازات كبيرة للمستثمرين الأجانب ترجمها قانون الاستثمار الجديد بمنح المستثمر حق إحداث مشاريع في شتى المجالات بعد كان القانون السابق يسمح فقط بمجال الصناعة.
ويوفّر القانون الجديد فرص إنجاز مشاريع في مجالات الزراعة والخدمات، إضافة إلى إعفاءات وحوافز ضريبية لتشجيعهم على اختيار تونس كبوابة للسوق الأفريقية.
ورغم التحفيزات، يغلب طابع الجمود على الاستثمارات ولم تحقق أي تقدم بعد تفعيل القانون المتعلق بالاستثمار ودفع ذلك السلطات إلى إعلان منح بطاقة الإقامة للمستثمر الأجنبي، الأمر الذي يراه خبراء لن يغير في الواقع شيئا.
ويقول الخبير الاقتصادي عبدالقادر بودريقة لـ”العرب” إن الإجراء ليس جديدا لأنه من حق المستثمر سابقا الحصول على الإقامة، لكن هيئة الاستثمار ألغت المراحل، التي تعطل الأجانب في الحصول على البطاقة وهي أقرت الخدمة الجديدة لتسهيل الأمر.
وبالنسبة إلى عدم تطور الاستثمار رغم القوانين، فإن بودريقة يؤكد أن المشكلة تكمن في أن تونس لم تخرج من الطابع التقليدي لجذب رؤوس الأموال.
وأشار إلى أن تونس لطالما عقدت مؤتمرات حول الاستثمار بينما الوضع يحتاج إلى تلبية حاجيات المستثمرين أكثر لتحقيق الاستمرارية.
وأكد أن المستثمرين لا يمكنهم أن يطلقوا مشاريعهم في ظل عدم وضوح الرؤية والتجاذبات السياسية والفساد والرشوة المستفحلة في مفاصل الدولة.
وبالإضافة إلى ذلك، يرى الخبير أن هناك غيابا لمقومات دولة الحقوق، حيث لا يجد المستثمرون ضمانات حينما يتعرضون لمشاكل قانونية نظرا إلى الإطالة في القضايا المتعلقة بالعقود، إفضلا عن تخوفهم من اتساع مطالب العمال أحيانا في ظل قوة النقابات.
وتؤكد العديد من المؤشرات أنه في ظرف ثماني سنوات فقط، تم سنّ أكثر من 500 قانون يتعلق بالتعديلات الضريبية.
ويشكّل انخفاض قيمة الدينار معضلة للمستثمر، حيث يتخوف من تأثير ذلك على إيراداته عندما يحوّل أرباحه إلى الخارج بالعملة الصعبة.
وقال الخبير معز الجودي لـ”العرب”، إن “المستثمر الأجنبي يواجه مشكلا كبيرا في تحويل أرباحه لأن البنك المركزي يعطله إذ يضيف تلك الأموال في رصيد احتياطات العُملة الصعبة”.
وأوضح أن هناك تعطيلات في الحصول على الوثائق المتعلقة بأية شركة يطلقها المستثمر، علاوة على قلّة اليد العاملة رغم ارتفاع البطالة.
وأضاف الجودي بالقول إن “هناك سبب قوي وهو شيطنة بعض الأطراف السياسية للمستثمرين واتهام السلطات بالعمالة”.