تونس العاصمة تنفض الغبار عن شوارعها

حملات نظافة مكثفة وعناية بالبيئة مع انطلاق الموسم الصيفي والسياحي.
الثلاثاء 2024/07/09
تحسّن واضح في مظهر العاصمة

راهنت السلطة التونسية في إطار مسار 25 يوليو على القطع مع مرحلة “العشرية السوداء” بكل تمظهراتها السياسية والاجتماعية، فضلا عن الاهتمام بالجانب البيئي وتحسين المظهر العام للعاصمة تونس من خلال الاهتمام بالجانب الجمالي فيها كواجهة سياحية وسياسية للبلاد.

تونس- تزايد الاهتمام بمظهر العاصمة التونسية خصوصا بعد إجراءات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، وسط إقرار المراقبين بأنها اتخذت حلّة جديدة مخالفة لما سبق، في سياق إعادة البريق إلى العاصمة كواجهة سياسية وسياحية وثقافية.

وترى أوساط سياسية وشعبية، أن العاصمة تونس افتقدت بعد ثورة يناير 2011 إلى أبسط مقومات الجمال والنظافة خصوصا بعد تكدس الفضلات في الشوارع والأزقة المؤدية إلى الشارع الرئيسي لها، شارع الحبيب بورقيبة، فضلا عن تنامي التجارة الفوضوية التي أساءت إلى المظهر العام للمدينة.

ويعتبرون أن انتشار التجار العشوائيين في الأسواق الشعبية وأنهج المدن يمثل تهديدا حقيقيا للاقتصاد المحلي باعتبار أن السلع التي يعرضونها تتأتى أساسا من التهريب، كما توجه الانتقادات لهذه الظواهر لكونها تساهم في نشر الفوضى والأوساخ، وهو ما يشوّه مظهر المدن التونسية عموما.

وتكثف السلطات التونسية من حملاتها الأمنية في الفترة الأخيرة بهدف التصدي لمظاهر التجارة الفوضوية والاستغلال المفرط للرصيف ما يفسد المظهر العام للعاصمة والمدن الكبرى، وسط تساؤلات المراقبين حول آليات تقنين نشاط هؤلاء وتنظيمه.

المنذر ثابت: هناك عملية تطهير واسعة للعاصمة تونس
المنذر ثابت: هناك عملية تطهير واسعة للعاصمة تونس

وتضاعفت حملات النظافة والعناية بالبيئة بالدوائر البلدية والمعتمديات في العاصمة، بمناسبة الموسم الصيفي والسياحي وانطلاق العطل الصيفية، تحت إشراف المكلفين بتسيير بلدية تونس وولاية تونس، بالتركيز على وسط المدينة العصرية والمناطق التراثية التي تمثل واجهة للزوار المحليين والأجانب القادمين للتسوق والاستجمام في إطار الموسم السياحي، وبذل مجهودات مماثلة في مختلف الدوائر البلدية والأحياء السكنية الشعبية.

وإلى جانب أعمال رفع الفضلات اليومية والكنس اليدوي للطرقات والأنهج، تقوم مختلف الدوائر البلدية بأعمال مراقبة ورفع مخالفات وتركيز لسلال المهملات والحاويات، وتمشيط الحدائق والمساحات الخضراء وغرس الأزهار وطلاء الجدران والتطهير.

وشملت آخر التدخلات المعلن عنها من قبل بلدية الحاضرة على صفحتها الرسمية بشبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، حي التوفيق بالدائرة البلدية المجاورة للمنطقة السياحية بوسط العاصمة، ومنطقة السيجومي الشعبية بتركيز حاويات فضلات جديدة لمزيد تأمين جودة الخدمات البيئية.

وقامت الفرقة الجهوية للشرطة البلدية بتونس وإدارة حفظ الصحة وحماية المحيط ببلدية تونس، بحملة أسفرت عن حجز عدد من الشاحنات بسبب إلقاء الفواضل بالطريق العام، وإيداعها بمستودع الحجز البلدي طه حسين وتحرير مجموعة من الخطايا الإدارية المستوجبة.

وفي بلدية باردو، وحرصا على الرفع من مؤشرات النظافة والقضاء نهائيا على النقاط السوداء، تم تركيز عون مراقبة صحية قار في بداية يوليو الجاري، لرفع المخالفات المتعلقة بتراتيب حفظ الصحة والنظافة العامة ومنع الإلقاء العشوائي للفضلات، في حين تتواصل حملة النظافة واقتلاع الأعشاب وتنظيف الساحات وجوانب الأرصفة والمفترقات.

وأعلنت إدارة النظافة بالدائرة البلدية حي الخضراء، عن حملة كنس يدوي للطرقات والأرصفة، ورفع الأتربة والفضلات المختلفة، بينما تدخلت بلدية الكبارية والوكالة البلدية للخدمات البيئية بالمعدات الثقيلة لرفع الأوساخ والأتربة والفضلات.

وواجهت السلطات صعوبات كثيرة في التصدي لظاهرة البيع العشوائي التي تفاقمت نتيجة الانفلات الأمني منذ ثورة 2011، حيث يعرض الباعة سلعا متنوعة في شوارع العاصمة أغلبها صينية مقلدة، وصارت بعض الساحات أسواقا فوضوية تعطل حركة المرور وتسيء إلى جمال المدينة.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إن ” العناية بالعاصمة والمدن الكبرى كانت من أهم المطالب بالنسبة إلى النخبة والمجتمع، حيث كان إهمالها من أبرز عناوين الصحافة اليومية في البلاد بعد ثورة يناير 2011، في بلد سياحي ومنفتح له أكثر من واجهة على العالم”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “في الحقيقة بعد إجراءات 25 يوليو 2021، هناك عملية تطهير واسعة للعاصمة والأخطاء التي تراكمت بعد 2011 من تجارة فوضوية في الشوارع والأرصفة والشوارع المغلقة ورفع الحواجز، وهو ما أعاد إلى العاصمة بريقها”.

حح

وتابع ثابت “لا يمكن أن تكون العاصمة جذابة للسياحة والاستثمار وهي في حالة من التداعي والفوضى وتشكو من مظهر غير لائق كما كانت في ما يعرف بالعشرية السوداء، لكنها الآن تعود إلى حالتها الطبيعية، كما يفترض التفكير في المشاريع الهندسية والمعمارية للعاصمة وللبلاد عموما خلال الفترة القادمة”.

وفي الإطار ذاته، قامت مصالح بلدية حلق الوادي بالضاحية الشمالية للعاصمة، بتدخلات لقلع الأعشاب والتنظيف وتشذيب الأشجار ودهن سور الشاطئ وحرث رماله ورفع الفضلات بأنواعها، داعية المصطافين إلى الحفاظ على نظافة الشاطئ عبر جمع فضلاتهم بأكياس ووضعها في الحاوية المخصصة لذلك.

كما قامت بلدية المرسى بنفس الضاحية، بأعمال التهذيب والطلاء لمواقع عدة بالمدينة، بعد تدخلات للقضاء على المصب العشوائي بقمرت، وركزت سلالا جديدة بمنطقة البحر الأزرق، ونظمت تدخلات بمعية إدارة حفظ الصحة لمواصلة القضاء على المياه الراكدة، محذرة الشاحنات التي تتعمد إلقاء فواضل البناء والفواضل المختلفة بالطريق العام والأراضي البيضاء من التتبعات الجزائية والحجز.

وأشرف لطفي الدشراوي الكاتب العام المكلف بتسيير بلدية تونس، السبت، على جلسة عمل مع متصرفي الدوائر البلدية بحضور مدير الشؤون الإدارية والموارد البشرية والمعدات، قصد الاستماع إلى مشاغلهم والصعوبات التي تعترضهم واقتراحاتهم، بما من شأنه أن يحسن من الأداء خاصة في ما يتعلق بالنظافة والعناية بالبيئة والطرقات والأرصفة والتنوير والمناطق الخضراء.

وأدى الكاتب العام المكلف بتسيير بلدية تونس والمدير العام للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، زيارة إلى المصب المراقب للفضلات ببرج شاكير بمعتمدية سيدي حسين من ولاية تونس، للوقوف على الصعوبات التي تعترض الشاحنات التابعة لبلدية تونس عند إفراغ حمولاتها من الفضلات المنزلية قصد إيجاد الحلول لها، وتم عقد جلسة عمل لضبط خطة للتدخلات العاجلة لبلدية تونس بهدف رفع العراقيل والإشكاليات وإيجاد الحلول لضمان جمع ونقل الفضلات إلى مصب برج شاكير في أفضل الظروف.

خليفة الشيباني: الاهتمام بالبيئة من أبرز عناوين مسار 25 يوليو
خليفة الشيباني: الاهتمام بالبيئة من أبرز عناوين مسار 25 يوليو

من ناحيته، أشرف فارس الماجري المعتمد الأول المكلف بتسيير شؤون ولاية تونس بمقر الولاية الثلاثاء الماضي، على جلسة عمل خصصت لمتابعة الشأن العام بالبلديات من حيث النظافة والتنوير العمومي، وتم التأكيد على ضرورة العناية بالنظافة ورفع الفضلات في أوقاتها وتدعيم منظومة الكنس بالبلديات، والتنسيق بين كافة الأطراف المتدخلة للقضاء على النقاط السوداء، وتحميل الكتّاب العامين لمسؤولياتهم ومحاسبة المتقاعسين في العمل والعابثين بالمعدات والتجهيزات.

وفي مارس الماضي، أزالت السلطات التونسية الحواجز المنتشرة بكثافة في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة، والتي أعاقت على مدار سنوات طويلة الحياة الاقتصادية في الشارع الرمز بعد أحداث ثورة 17 ديسمبر  2010. وظل شارع الحبيب بورقيبة محاصرا بالحواجز الأمنية والحديدية التي أفقدته رونقه الخاص وضربت طابعه الجمالي، فضلا عن خنق الحركة فيه.

ووصف مراقبون القرار بـ”الجريء”، لما له من أبعاد سياسية واجتماعية كبيرة، باعتبار رمزية شارع الحبيب بورقيبة بالنسبة إلى عموم التونسيين، كشريان اقتصادي وتجاري للعاصمة، فضلا عن رمزيته التاريخية والسياسية.

 ويكتسي الشارع دلالات عميقة لتاريخ تونس المعاصر، لأنه كان شاهدا على أبرز محطات النضال لدى التونسيين، بدءا بمرحلة الاستعمار الفرنسي ووصولا إلى النضال ضد سلطة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي حين دفعت الاحتجاجات الشعبية إلى سقوط النظام.

ولطالما تسببت الحواجز الكثيرة في خنق الأنشطة الاقتصادية والسياحية في الشارع الحيوي، وتقدم التجار الموجودون على جانبيه وفي الأنهج المتفرعة عنه بعدة شكاوى إلى السلطات في السابق من أجل إزالتها.

وقال المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني “هناك قناعة لدى هذه السلطة أن ما وقع بعد 2011 أشبه بالدمار السياسي والاجتماعي والاقتصادي وأيضا هو دمار بيئي، لكن من أبرز عناوين مسار 25 يوليو هو الاهتمام بالبيئة وتحسين وضع البلاد في مختلف القطاعات”.

وأكد لـ”العرب”، “هناك تغير كبير في ملامح العاصمة تونس بعد رفع الحواجز التي تعتبر من القرارات الجريئة للرئيس سعيد نتيجة طلبات المواطنين ورجال الأعمال، وهو قرار لم تتخذه الحكومات السابقة، فضلا عن منع البيع العشوائي للسلع في شارع شارل ديغول وشارع جمال عبدالناصر وغيرهما”.

وشهد شارع الحبيب بورقيبة في عام 2018 تفجيرا إرهابيا نفذته انتحارية موالية لتنظيم داعش المتطرف، خلف 15 جريحا، ما دفع إلى تعزيز القيود والإجراءات الأمنية بمحيطه. ويعبر الشارع، الذي يقع على مقربة من المعالم السياحية لأسواق المدينة العتيقة، أكثر من مليون سائح سنويا.

ويستقطب الشارع التظاهرات الثقافية والمسيرات السياسية للأحزاب والمنظمات، وتعد الاحتجاجات الضخمة التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 14 يناير عام 2011 الأشهر.

4