تونس أمام رهان تحسين البنية التحتية رغم شحّ الموارد المالية

تونس- بات تحسين مستوى البنية التحتية المتقادمة في تونس، أمرا ضروريا ورهانا كبيرا أمام الحكومة التي يقودها أحمد الحشاني، من أجل تحسين مستوى الخدمات وجلب فرص الاستثمار وتنشيط الحركة التجارية، رغم شحّ المالية وتداعيات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
ويرى ملاحظون أن السلطة تتحرك في الفترة الأخيرة في اتجاه تحسين البنية التحتية التي تتصدر قائمة الإصلاحات في كل دولة، وسط إجماع على أنه يوجد تفكير جدي منها في تكوين بنية تحتية ملائمة رغم ضعف الإمكانات المادية.
وتحتلّ تونس موقعا متميـّزا في جوار الطرق البحرية والجوية الأكثر استعمالا، وتهدف من خلال اختياراتها الإستراتيجية في مجال البنية التحتية، إلى تسريع المبادلات، ومضاعفة التدفقات التجارية.
ووافق مجلس وزاري مضيق، انعقد مؤخرا بقصر الحكومة بالقصبة، تحت إشراف رئيس الحكومة أحمد الحشاني، والمخصص للنظر في مشروع توسعة مطار تونس قرطاج الدولي، على إنشاء محطة جوية جديدة بمساحة مغطاة تقدر بحوالي 80 ألف متر مربع وبطاقة استيعاب تقدر بـ 8 مليون مسافر سنويا.
وستمكن المحطة الجوية الجديدة، وفق بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة، من الزيادة في طاقة استيعاب المطار إلى حدود 13 مليون مسافر سنويا، بالإضافة إلى تغيير وتوسعة الممر العلوي للمطار وإنجاز برج مراقبة جديد. كما يتضمن المشروع مكونات تهدف إلى ربط المطار بوسط العاصمة تونس بخط حديدي، وإنجاز خط حديدي سريع يربط مطاري تونس قرطاج والنفيضة بالحمامات وإنجاز خط مترو البحيرة – البحر الأزرق.
وناقش المجلس الفرضيات المقترحة من قبل وزارة النقل لإنجاز مشروع توسعة المحطة الجوية بمطار تونس قرطاج الدولي وأبرز الآليات الممكنة لتنفيذه.
وأكد رئيس الحكومة، خلال اجتماع المجلس، الذي حضره كل من وزراء المالية والاقتصاد والتخطيط والنقل والتجهيز والإسكان على أهمية المشاريع الكبرى، على غرار مشروع توسعة مطار تونس قرطاج الدولي، لما له من تأثير إيجابي ودور كبير في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية.
وتعدّ تونس 9 مطارات دولية، تؤمّن أكثر من 2000 رحلة أسبوعية، نحو حوالي 50 حاضرة عالمية، وتتكوّن البنية التحتية البحرية من 7 موانئ تجارية، وميناء نفطي، ذات نسق شهري يشمل 62 خطا منتظما.
وقال الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري إن “البنية التحتية تتصدر قائمة الإصلاحات في كل دولة، والبنية الملائمة هي التي تدفع المستثمر الأجنبي لبعث المشاريع، ويبدو أن الدولة التونسية تفكر بجدية في تحسين بنيتها رغم شحّ الموارد المالية، وهذه أول خطوة لتنشيط الحركة الاقتصادية”.
وأكد في تصريح لـ”العرب”، أن “الحكومة التونسية عقدت مؤخرا، اتفاقيات شراكة مع بلدان الخليج العربي وأهمها المملكة العربية السعودية لإنجاز مشاريع استثمارية، وأبرمت أيضا اتفاقيات شراكة مع الجزائر لتنمية الحدود المشتركة وتحسين بنيتها التحتية، فضلا عن الأموال الإيطالية المرصودة في إطار التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية، وهذا يدخل في إطار تحسين مستوى الخدمات في البلاد”.
ولفت العياري إلى أن”التفكير في تحسين الاقتصاد ينطلق من مراجعة وضعية البنية التحتية وإصلاحها”.
ونهاية العام الماضي، وقعت السعودية وتونس عددا من الاتفاقيات لبناء المشاريع التنموية ما يؤشر على وجود اهتمام كبير من المملكة بالموقع الإستراتيجي لتونس.
وأعلن وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر إبراهيم الخريف أن بنك التصدير والاستيراد السعودي خصص هبة مالية مقدرة بمليار دولار، لتمويل الاستثمار الخاص في تونس ودفعه وتعزيزه”، مؤكدا أن “بنك التصدير والاستيراد قام بتخصيص محفظة مالية (هبة) مقدرة بمليار دولار ستقدم لتونس لضمان التمويل والتأمين ودفع الاستثمار الخاص”.
وفي وقت سابق، اعتبر الرئيس قيس سعيد أن “تخطيط المدن يعد جريمة في حق تونس”.
وجاء ذلك بعد زيارة أداها إلى منطقة المنيهلة (قرب العاصمة تونس)، أين عاين عملية إزالة فضلات البناء التي بقيت متراكمة لمدة تفوق العقد من الزمن، والتي سبق أن أذن برفعها بسرعة وانطلقت الأشغال منذ أكثر من أسبوعين.
وثمّن عدد من الخبراء مساعي الدولة ومجهوداتها المكثفة من أجل تحسين مستوى الخدمات الاجتماعية ووضعيات الطرقات والمؤسسات الحيوية، في وقت تتخبط فيه البلاد في أزمة مالية.
وفي يوليو الماضي، وقعت تونس مع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم تمهد لاتفاق “شراكة شاملة” تنطوي على مكافحة الهجرة غير النظامية ومنع تدفق المهاجرين من سواحل تونس إلى الأراضي الأوروبية عبر إيطاليا، فضلا عن التعاون في تسريع عمليات الترحيل لمهاجرين تونسيين غير نظاميين في أوروبا، مقابل تعهد الاتحاد الأوروبي في الاتفاق بتمويلات تفوق المليار يورو لدعم الاقتصاد والاستثمار وموازنة الدولة وخفر السواحل في تونس.
وأفاد الخبير المالي والمصرفي، محمد صالح الجنادي أن “تحسين البنية التحتية من تقديرات الحكومة وحسب الموازنات المالية، وهي مجازفة في ظلّ محدودية الموارد المالية لأن هناك التزامات بخلاص الديون، وكان من الأفضل عوض توسع مطار قرطاج الدولي أن يتم الاستثمار في منطقة أخرى لتكوين محطة جوية جديدة”.
وقال لـ”العرب”، “تحسين البنية التحتية يساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية عبر الاهتمام ببناء الطرقات والموانئ والسكك الحديدية والمطارات، وهو ما يسهل عمليات التصدير والتوريد، فضلا عن جلب الاستثمار ونقل البضائع والسلع، وبالتالي الزيادة في نسبة النمو”.
ولفت الجنادي إلى أن “عمليات التحسين تكلف أحيانا ربع الكلفة الجملية للمشروع”، مشيرا إلى أن “الاستثمارات جيدة، لكن وجب دراستها من ناحية الأهمية والكلفة”.
وسبق أن دعا المشاركون في تظاهرة “تونس تيكاد للتجديد 2022″، إلى مزيد تطوير البنية التحتية التكنولوجية والرقمية، والترفيع في سقف التمويل لمشاريع البحث العلمي، وذلك ضمن خطوة تهدف إلى دفع الاستثمارات في تونس وأفريقيا بالتعاون مع الشريك الياباني.
ولمح المشاركون في التظاهرة من مختلف الدول الأفريقية واليابان، إلى ضرورة العمل على تطوير البنية التحتية في أفريقيا، وخاصة في تونس، وذلك لاحتواء المشاريع الصناعية والاستثمارات القادمة، بشكل لا يعيق الخطط المزمع تنفيذها خلال السنوات القادمة في مختلف المجالات، وخاصة التكنولوجية والرقمية، ومجالات الابتكار والتجديد، داعين إلى إنشاء صندوق يعنى أيضا بتمويل مشاريع البحث العلمي والتي سجلت من خلالها تونس قفزة نوعية تؤهلها لنقل جزء من المشاريع التكنولوجية للقارة الأفريقية.
ولا زالت المفاوضات متعثرة بشأن خطة الإنقاذ المالي، منذ أكتوبر، عندما توصلت تونس وصندوق النقد الدولي إلى اتفاق على مستوى الخبراء، على برنامج تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار، مشفوع بإصلاحات اقتصادية تشمل رفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات وإصلاح المؤسسات الحكومية.