تونس أمام تحدي إدماج الطلبة العائدين من أوكرانيا في الجامعات المحلية

تواجه السلطات التونسية تحديا صعبا يتمثل في إيجاد حل للطلبة العائدين من أوكرانيا بسبب الغزو الروسي لهذا البلد الأوروبي، حيث تجد الحكومة نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما إدماج هؤلاء في الجامعات المحلية وتحمّل ما سينطوي عليه تزايد الاكتظاظ داخلها أو نقلهم إلى جامعات أجنبية.
تونس - تصاعدت دعوات أولياء الطلاّب التونسيين العائدين من أوكرانيا، والتي تطالب السلطات بالتدخل لدمج أبنائهم في جامعات تونسية بهدف استكمال دراستهم بعدما أجبرتهم الحرب الروسية – الأوكرانية على العودة إلى بلادهم.
وإثر بدء الحرب في أوكرانيا عاد عدد كبير من الطلبة التونسيين إلى بلدهم، لتبدأ بعدها أسئلة حول مستقبلهم في ظل غياب أي تمثيلية دبلوماسية لتونس في البلد الأوروبي.
وحوّلت الحرب الروسية - الأوكرانية بعض المؤسسات من شركة خدمات للدراسة في الخارج إلى غرفة عمليات لإجلاء الطلبة والتفاوض مع جامعاتهم لضمان مواصلة الدراسة عن بعد، وضمان وجهات بديلة تحتاج إلى تنسيق أكبر من الدبلوماسية التونسية.
ودعا عدد من الأولياء في مؤتمر صحافي وسط العاصمة تونس إلى البحث عن حل لوضع حوالي ألفي طالب عائد من أوكرانيا، التي تشهد حربا مستمرة منذ الرابع والعشرين من فبراير الماضي.
ودعا محمد الهرابي، وهو والد طالبة، إلى ضرورة “إدماج الطلبة العائدين بصفة استثنائية في الجامعات التونسية لاستكمال دراستهم في الاختصاصات الطبية والبيو - طبية”.

أحمد المناعي: أستبعد التحاق الطلاب بكليات في أوروبا على غرار فرنسا
وتساءل الهرابي “بعد العودة النهائية لأبنائنا إلى تونس، هل تتم معادلة شهاداتهم الدراسية وقبولهم للعمل بالمستشفيات والمصحات التونسية؟ ولماذا لا يتم إدماجهم؟”، مضيفا “شهران مضيا دون أن يبارح ملف إدماج أبنائنا في الكليات التونسية مكانه، ويبدو أن السلطات لا تفكر في هذا الملف حاليا”.
وأشار محمد الهرابي إلى أن عدد الطلبة التونسيين المسجلين بالجامعات الأوكرانية والمرحلين بعد اندلاع الحرب بلغ 947 طالبًا منهم 450 طالبًا تمت إعادتهم إلى تونس وبقي الآخرون في أوروبا.
وتسود حالة من القلق عائلات الطلاب إزاء مستقبلهم الدراسي في ظل انقطاع دراستهم بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
ووصف خبراء إمكانية دمج هؤلاء بـ”الصعبة” نظرا لغياب الشغور في الجامعات التونسية المزدحمة، مطالبين بضرورة تشكيل لجان تعنى بالنظر في المسألة.
وأفاد سليم شورى، وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق، بأن “من التحقوا بأوكرانيا للدراسة تم توجيههم هناك، والبقية مسجّلون بكليات مختلفة، وقد وجدت سابقا آلية تعرض فيها ملفّات تسجيل الطلاب للدراسة في الخارج تنظر فيها لجنة تحت إشراف وزارة التعليم العالي، لكن اللجنة غير موجودة الآن وإعادة تفعيلها مسألة سياسية بامتياز”.
وأضاف لـ”العرب”، “اليوم لا يمكن النظر في ملف أوكرانيا على حساب ملفات أخرى في بلدان مختلفة، والحل يكمن في تشكيل لجان متخصصة في الطب خصوصا ومتكونة من عمداء كلية الطب تكون على دراية بمختلف التفاصيل، أما إدماج كل الطلبة في الجامعات التونسية المزدحمة فهو أمر صعب”.
وتابع شورى “بعض الدول الغربية فتحت لهم الباب لمواصلة تعليمهم، والدبلوماسية التونسية عليها أن تتواصل مع الجهات الرسمية، وتسعى في المجر ورومانيا وكل البلدان القريبة من أوكرانيا لنقل الطلاّب إلى الجامعات هناك”، مشيرا إلى أن “التدارك في هذه السنة أمر صعب، ولكن يجب تكثيف الجهود تحضيرا للسنة القادمة”.
ويعتبر اللجوء إلى إدماج الطلاّب في جامعات دول جوار أوكرانيا غير ممكن نظرا للاكتظاظ الذي ستشهده تلك الجامعات، بعد توجه طلبة من جنسيات مختلفة إلى الترسيم فيها.
إثر بدء الحرب في أوكرانيا عاد عدد كبير من الطلبة التونسيين إلى بلدهم، لتبدأ بعدها أسئلة حول مستقبلهم في ظل غياب أي تمثيلية دبلوماسية لتونس في البلد الأوروبي
ودعت دنيا الحجام (طالبة في اختصاص طب الأسنان بأوكرانيا) السلطات التونسية إلى “فتح باب المفاوضات مع البلدان المجاورة لأوكرانيا لإدماج الطّلبة التّونسيين المرسمين بأوكرانيا لاستكمال دراستهم أو فسح المجال لهم لاستكمال دراستهم في الجامعات التّونسية”.
وأوضحت أنه “لا جديد في الملف، ورفض مطالب إدماجنا في الجامعات التونسية كان قاطعا من قبل السّلطات وحتى من قبل الطلبة”.
في المقابل قال مسؤول في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إن “شروط القبول في كليات الطب بين البلدين (تونس وأوكرانيا) مختلفة، كما أن الكليات الحكومية التونسية لا يُقبل فيها إلا أصحاب المعدلات (الدرجات) العالية، والمنهج مترابط لسنوات”.
وتابع أن “الكليات في أوكرانيا خاصة، ويُدرج فيها الطلبة بمقابل مالي حتى وإن كانت معدلاتهم منخفضة”، مفيدا بأن “تونس تواصل المحادثات مع بلدان جوار أوكرانيا لأنها الأفضل لتمكين الطلبة (التونسيين) من استكمال مسارهم العلمي”.
وطالب مراقبون بضرورة تكثيف جهود مختلف الأطراف والهياكل، مستبعدين التحاق الطلاب بكليات أوروبية بسبب الفوارق التي تتعلق بالشروط العلمية.
وقال أحمد المناعي، رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية، إن “الطالب التونسي الذي زاول تعليمه بأوكرانيا لا يقدر على الالتحاق بكلية الطب في تونس (مثل كلية طب الأسنان)، والقضية ليست سياسية، بل ترتبط بالشروط العلمية للطلاّب”.
وأضاف لـ”العرب”، “الكثير من الطلاّب التونسيين الذين يدرسون الطب والصيدلة يضطرّون للذهاب إلى دول أخرى، لكن في السنوات الأخيرة اتجه معظمهم إلى دراسة الطب في أوكرانيا التي تتوفّر فيها كليّات خاصّة”.

سليم شورى: إدماج كل الطلبة في الجامعات التونسية المزدحمة أمر صعب
وأردف المناعي “هياكل الدولة ووزارة التعليم العالي إلى جانب الباحثين والخبراء مطالبون بإيجاد الحلول بالتنسيق مع الكليات لتجاوز الأزمة ومساعدة الطلاب على الإدماج”، وقال “أستبعد أن يلتحق الطلاب بكليات في أوروبا الغربية مثل فرنسا أو بلجيكا وغيرهما، لأن شروطهم علمية بالأساس، رغم أن تعليم الطب في تونس رفيع ومعترف به”.
وفي وقت سابق قال وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، خلال إشرافه على اجتماع خلية الأزمة التي تشكلت لمتابعة وضع التونسيين في منطقة النزاع، إنّ كلّ الحلول مطروحة وممكنة في حال تدهورت الأوضاع أكثر في أوكرانيا واستحالت على الطلاب التونسيين مواصلة دراستهم هناك.
وأفاد بأنّه “تمّ الشروع فعليا في دراسة كلّ السيناريوهات المطروحة”، مؤكداً أنّ “كلّ الأطراف ملتزمة بإيجاد الحلول اللازمة للطلاب التونسيين”.
وعلى الرغم من أن الشهادات الجامعية الأوكرانية معترف بها رسميا من قبل الدولة التونسية ولا تمثّل مشكلة تكافؤ في المناهج التعليمية المعتمدة، إلا أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تونس لم تكشف بعد عن الحلول التي قد تلجأ إليها من أجل ضمان استمرارية المسار الدراسي للطلاب العائدين وفرضيات التحاقهم بالجامعات التونسية.
وباتت أوكرانيا من الوجهات الدراسية المهمة للطلاب التونسيين بعد جامعات الاتحاد الأوروبي، إذ تسمح وزارة التعليم العالي بمعادلة الشهادات بين البلدَين. غير أنّ غياب تمثيلية دبلوماسية تونسية في أوكرانيا يجعل المقيمين، سواء الطلاب أو غيرهم، يواجهون صعوبات إدارية زادت حدتها مع بداية الأزمة.
ويتركّز الطلاب التونسيون في جامعات بمدن كييف وأوديسا وخاركيف ودنيبرو، وهي من بين أكثر المدن التي تتعرّض للقصف الروسي.