توافق مصري حول شفافية المعلومات يختبر مصداقية الحكومة والإعلام

القاهرة حائرة بين حرية تداول المعلومات والشائعات ومقتضيات الأمن القومي.
الجمعة 2023/06/23
المعلومات المسموح بها

القاهرة - عكس الحماس الواضح الذي بدا على جلسة الحوار الوطني في مصر أخيرا حول حتمية إقرار تشريع يضمن حرية تداول المعلومات، وجود نية لدى الحكومة لتمرير قانون جديد بهذا المعنى، أمام عجز واضح لمؤسسات رسمية مصرية عن التصدي لما يعرف بـ"حرب الشائعات" التي تحاصرها، خاصة في الشق الاقتصادي.

وأعلن منسق الحوار الوطني ضياء رشوان وجود توافق "شبه عام" على إصدار قانون لحرية تداول المعلومات في ظل مطالبات متكررة من مؤيدين ومعارضين بذلك، على رأسهم باحثون وأكاديميون وصحافيون وأحزاب سياسية ونشطاء حقوقيون.

خلصت نقاشات داخل الحوار الوطني إلى أن قانون حرية تداول المعلومات حق إنساني وسياسي واجتماعي، وثمة حاجة ملحة إلى إصداره تلبية لاستحقاق دستوري يتعلق بحق أي مواطن أو إعلامي في الحصول على المعلومة، وتثبتا لاستجابة التزام الحكومة بتعهداتها الدولية، وتمنح الإعلام قبلة حياة تمكنه من ضبط مصداقيته.

وأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل أيام أن أي توافق وطني حول تشريع بعينه سيكون لزاما على الدولة تطبيقه، في حين اتفقت قوى سياسية وتيارات مدنية وهيئات إعلامية مسؤولة على أن قانون حرية المعلومات لم يعد رفاهية.

ويشكو الرئيس السيسي دائما من كثافة الأكاذيب التي تستهدف السلطة، وفي كل مناسبة يقوم بالرد على عدد منها بصور مختلفة، ولا يجد المواطنون سوى الاستماع لرئيس الدولة لمعرفة الحقيقة، وبدا الكثير من المسؤولين مرتاحين لصمتهم المطبق.

ويرتبط تسليط الضوء على القانون بأن الحصول على المعلومة وحق المعرفة وحرية النشر وتقصي الحقيقة تعاني من ارتباكات وتسمح بشيوع الأخبار الكاذبة والتضليل والتزييف وانتشار الأخبار الملونة التي تستهدف المواطن والدولة معا.

محمد شومان: إستراتيجية نفي الشائعات لا تغني عن وجود آلية لحرية الحصول على المعلومة
محمد شومان: إستراتيجية نفي الشائعات لا تغني عن وجود آلية لحرية الحصول على المعلومة

ولا يستطيع الإعلام المصري معرفة القدر اللازم من المعلومات لتوعية الجمهور بالحقائق، وهي إشكالية حملت توافقا وطنيا قد يفضي إلى قيام الحكومة بتحريك ملف قانون حرية تداول المعلومات المجمد، مع تحديد معايير المساس بالأمن القومي. ودافعت الحكومة كثيرا عن تأجيل النقاش حول القانون لأسباب أمنية وسياسية ووجود تحديات تتطلب فرض المزيد من السرية وتقييد حرية نشر الإعلام للمعلومات.

ويرى مراقبون أن الحجج التي كانت تحتمي من خلالها الحكومة بتأخير حرية المعلومة واستمرار التعتيم تلاشت مع استقرار البلاد، ولا تملك أمامها مبررات أخرى مقنعة لعدم السماح للإعلام بممارسة دوره بفاعلية إذا أرادت إعلاما قويا.

ويقول هؤلاء المراقبون إن التوافق حول حرية نشر المعلومات من جانب القوى الوطنية والهيئات الإعلامية والمؤسسات الحقوقية، هو اختبار لمصداقية الحكومة ووسائل الإعلام، وطالما أن هناك اجماعا إعلاميا وسياسيا فالعبرة في توافر الإرادة.

وساهم تراخي الحكومة في إقرار تشريع يبيح حرية تداول المعلومات في زيادة انتشار الشائعات وحصولها على مؤيدين كثر، وضاعف نشر المعلومات المزيفة من استفزاز الرأي العام ضد الحكومة أولا، وزاد من الاحتقان في الشارع بصورة تستغلها قوى معرضة للنظام المصري سعيا وراء استثارة شريحة كبيرة من المواطنين.

وتبدو بعض المؤسسات الرسمية في حالة شبه قطيعة مع الإعلام بمختلف منابره، وسط إصرار على مداومة في إصدار تعليمات بعدم التواصل مع الإعلام، المؤيد والمعارض، إلا عبر بيانات موحدة ترسل للجميع، وعدم الرد على أي استفسارات.

أكد عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة محمد شومان أن تحريك ملف حرية تداول المعلومات تأخر، وأدى تجنب الهيئات الرسمية التعامل مع الإعلام إلى تكريس تنامي الشائعات وزيادة سخط الشارع على أداء الحكومة ولو كانت بريئة. وأضاف لـ”العرب” أنه مهما كانت هناك إستراتيجية لنفي الشائعات، فلن تغني عن وجود آلية لحرية الحصول على المعلومة، ولا يجب أن ينتظر الإعلام حتى يتم نفي الأخبار المزيفة رسميا، بل عليه أن يبادر بالحصول على الحقيقة مدعومة بالأدلة.

وتضطر الحكومة المصرية إلى نفي الشائعات التي تنتشر كالنار في الهشيم في بعض المنابر الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي، وبعض الأخبار المغلوطة تمس صميم حياة المواطنين، وبعضها يتعلق بقرارات حكومية لا يكون لها أساس من الواقع.

وأنشأت الحكومة وحدة إعلامية خاصة بالرد على الشائعات لم تتمكن من تحقيق الغرض منها، لأن الرد يأتي غالبا متأخرا، وتصحيح المعلومة يبدو ضعيفا، فضلا عن العملية الإعلامية المعقدة في محو صورة ذهنية ثم خلق صورة أخرى صحيحة.

ويعتقد البعض من خبراء الإعلام أن الإستراتيجيات التقليدية التي تتبعها وسائل الإعلام في التصدي للشائعات يمكنها أن تحقق نتائج جيدة، شريطة أن تكون هناك ثقة متبادلة بين المواطنين والإعلام المصري.

ومهما كانت الحكومة منفتحة على الإعلام في حصوله على المعلومة، فلن يحل الأزمة بسبب تباعد المسافات بين الجمهور والإعلام، حيث أصبح بلا تأثير واضح، لاسيما مع تصميم الحكومة على الاصطفاف تماما خلفها والغضب من الانتقادات.

ولا يكفي أن يكون هناك توافق إعلامي وسياسي حول قانون حرية تداول المعلومات، فالعبرة في وجود منابر قوية لها مصداقية، تمكنها من أن تصبح بالنسبة للمواطن قاعدة في المعرفة، بينما نظرة الجمهور للإعلام لا تزال سلبية.

◙ الإسراع في سن قانون لحرية المعلومات يساعد الحكومة على إزالة الحواجز النفسية بين الجمهور المصري والإعلام

ولفت محمد شومان في حديثه لـ”العرب” إلى أن تغيير نظرة الحكومة للإعلام أولوية، ومن المهم أن يغير الإعلام جلده ويتعامل على أنه أساس تشكيل الرأي العام ومسؤول عن توعية الناس ومعني بمناقشة قضاياهم، وليس وسيطا معلوماتيا فقط.

ويساعد الإسراع في سن قانون لحرية المعلومات الحكومة على أن تكون قريبة من نبض الشارع، وتتمكن من إزالة الحواجز النفسية بين الجمهور والإعلام، والأهم أن تقتنع دوائر صناعة القرار بأن تحصين الدولة ينطلق من وعي المواطن بالحقائق.

تظل أزمة الحكومة أنها منفتحة على المعلومات في حدود تعريف الجمهور بالتحديات فقط، ما أصابه بإحباط جعله يكرس القطيعة مع وسائل الإعلام، كونها لا تروج للحقيقة سوى عند محاولة إقناع الناس بالصعوبات من دون أن تقدم لهم المعلومة مكتملة.

كما أن معضلة تداول المعلومات مرتبطة بهامش الحريات الممنوح للإعلام والمساحة المسموح بالتحرك فيها، وهي إشكالية تفرض على الحكومة أن تكون مرنة في رؤيتها لدور الإعلام الذي يحتاج إلى انفتاح مع حرية لتداول المعلومات.

ويطالب صحافيون بألا تحتكر الحكومة مسؤولية وضع نصوص قانون حرية تداول المعلومات، فالمفترض أن يتولى المهمة خبراء وممثلون للهيئات المختلفة، مع عدم اختزال هؤلاء في شخصيات لها خلفية أمنية بزعم وجود معلومات تمس الأمن القومي.

وقد تكون هناك تسريبات تضر بالأمن القومي وتسعى جهات أجنبية للحصول عليها وربما تستثمرها منابر مناوئة تابعة لجماعة الإخوان، لكن لا يعقل أن تكون المخاوف الأمنية مبررا وحيدا للمزيد من القيود المفروضة على إعلام يتسلل إلى العقول والبيوت بسهولة، وثمة شائعات وأخبار زائفة يعد خطرها أكبر من نشر معلومات حساسة.

5