توافق حكومي - إعلامي على المكاشفة لتبييض صورة الطرفين في الشارع المصري

تحاول الحكومة المصرية تحسين سياستها الاتصالية عبر منح وسائل الإعلام مساحة أكبر من الحرية في التطرق لجميع المواضيع بموضوعية وشفافية، دون محاباة مفرطة أضرت بصورة الحكومة بشكل كبير في الشارع المصري.
القاهرة - حمل لقاء جمع رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي مع عدد من مقدمي البرامج الحوارية ورؤساء التحرير والكتاب، تغيّرا ملحوظا في علاقة الحكومة بالإعلام، ووجود اتجاه لتغيير العلاقة بين الطرفين، والحد من الفجوة بينهما، على أمل تحقيق مكاسب سياسية وشعبية لحكومة تجاهد لتحسين في صورتها في الشارع.
وأكد مدبولي أن حكومته تعكف على تقريب المسافات مع الإعلام لغلق هوة معلوماتية بينها وبين المواطنين، ودحض شائعات تمثل خطورة كبيرة على الدولة، لأنها أصبحت تُدار بعقلية احترافية وتحتاج إلى تقارب غير محدود بين المؤسسات العمومية ووسائل الإعلام، ولذلك كلّف جميع الوزراء بالتواصل الدائم مع الصحف والقنوات.
وألمح رئيس الحكومة في اللقاء الذي جمعه بإعلاميين الثلاثاء إلى أن كل جهد تقوم به الحكومة إذا لم يصل للجمهور بشكل صحيح وصادق وشفاف لا قيمة له، متعهدا بأن تقوم الفترة المقبلة على المصارحة والمكاشفة الشاملة مع الرأي العام من خلال الإعلام، دون إخفاء معلومة أو تلوين للحقيقة، داعيا المنابر العديدة إلى التوازن في عرض ومناقشة القضايا بلا اصطفاف خلف الحكومة والدفاع عنها فقط.
وما يلفت النظر في اجتماع مدبولي بالإعلاميين أن بعض الأسئلة التي تلقاها مناهضة لرؤية حكومته في بعض الملفات، مثل الغلاء ومعاناة المواطنين واتهامها بالجباية والفشل في إدارة بعض الملفات وإيهام الشارع بما ليس واقعيا وعدم وجود رؤية محددة لتحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتشكيك في خطاب الحكومة.
وبدا أن هناك شبه اتفاق بين دوائر رسمية ورموز المنظومة الإعلامية على حتمية تبييض صورة الطرفين معا، بما يسمح للحكومة أن تدافع عن نفسها وتبرر مواقفها وتشرح رؤيتها وفق تساؤلات الشارع، ولا يتم تصنيف كل وسائل الإعلام على أنها متحدثة بلسان السلطة وتتخذ موقفا مؤيدا لها، ولا تنقل متاعب المواطنين بدقة.
وأقر رئيس الحكومة خلال الاجتماع الذي أذيع على الهواء مباشرة بأنه يستفيد من بعض مقالات الرأي في الكثير من الصحف، وبعضها يكون مختلفا مع الحكومة، لكنه يقدم رؤى متوازنة لبعض الحلول، وقال “أنا عن نفسي أستفيد من ذلك كي أفهم وجهة النظر الأخرى، وأدعو وسائل الإعلام للاستعانة بأصحاب الرأي الآخر ليكون الخطاب متوازنا وعقلانيا ومتعمقا للناس”.
وتقرر تخصيص يوم كل أسبوع لاجتماع رئيس الحكومة مع ممثلي وسائل الإعلام دون انتقائية أو تمييز بينها، للحوار معهم في كل ما يدور على الساحة من قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية، وشرح وتفنيد القرارات ورؤية الدولة تجاه التحديات والملفات الداخلية والخارجية، وهو إجراء كان من الأمور النادرة في الماضي القريب.
بالتوازي مع ذلك، سيكون هناك اجتماع شهري مع كبار الإعلاميين والكتاب ومقدمي البرامج، في القنوات المملوكة للحكومة والخاصة والمستقلة، وهو إجراء اعتبره ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني، بداية لغلق الفجوة المعلوماتية وتصحيح الصورة المغلوطة عن الحكومة والانفتاح على كل الآراء مهما اختلفت مع صانع القرار.
أكد مصدر حكومي مطلع لـ “العرب” أن لقاء رئيس الحكومة مع كبار الإعلاميين لم تتحدد له أسئلة مسبقة أو محاور بعينها، وتم ترك الحرية كاملة لكل رئيس تحرير أو مقدم برنامج لينقل رؤيته وأسئلته إلى مصطفى مدبولي بلا إطار عام للحديث، لذلك تناول اللقاء كل ما يخص الشأن العام، وهموم المواطنين وشكواهم من الحكومة.
دور الإعلام نقل الحقيقة كاملة للمواطنين، ويأتي بردود قاطعة على ملفات محل تساؤل
وأضاف المصدر أن هناك تكليفات مشددة من رئيس الحكومة لجميع الوزراء والمحافظين بالتواصل مع وسائل الإعلام على مدار الساعة، والرد على التساؤلات المطروحة ولو في قضايا حساسة، في ظل وجود قناعة لدى دوائر صناعة القرار بأن التقارب الحكومي مع الإعلام أولوية للطرفين، بحيث تظهر الحقائق أولا بأول، ويتم تحجيم دور مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاصرة الشائعات.
ويرتبط التغير الحاصل في علاقة الحكومة بالإعلام من القطيعة إلى التقارب بأنها اقتنعت بصعوبة أن يصنع الاصطفاف الإعلامي خلفها شعبية أو يرمم صورتها وستكون دائما فاقدة للمصداقية ما لم تختار وسيطا موثوقا به في توصيل معلوماتها، ويقوم نفس الوسيط بنقل نبض الشارع بلا تزييف، ووجهة نظر الحكومة بلا خداع.
وخسرت الحكومة المصرية كثيرا من التماهي المطلق من قبل غالبية الصحف والمواقع الإخبارية والبرامج التلفزيونية معها، بما جلب لها منغصات سياسية، لأنها لم تقدم للناس ما يبحثون عنه من خلال إعلامهم المحلي، ولم تتركه ينقل نبض الشارع إليها، ورأت أنه لا بديل عن قيام الإعلام بالمهمتين بما يفيد كل الأطراف.
الكثير من المسؤولين في مصر يرفضون الظهور الإعلامي للرد على الأسئلة التي تشغل بال الناس أو تمس صميم حياتهم
وبدا رئيس الحكومة خلال اجتماعه مع كبار الإعلاميين مقتنعا بأن الخطاب الإعلامي الحكومي لا يناسب الشريحة الأكبر من المواطنين الذين لا تعنيهم لغة الأرقام والإحصائيات، بقدر ما يشغلهم الواقع المعيشي، وهي معضلة أسهمت فيها وسائل الإعلام بسبب عدم قيامها بشرح خطاب الحكومة للناس بشكل مبسط ومعمق.
وقال أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة صفوت العالم إن التقارب بين الإعلام والحكومة يحقق فوائد للطرفين، لأن غياب المكاشفة أضر بصورة المؤسسات الرسمية والإعلامية، لكن العبرة في استدامة التواصل لا أن يكون ذلك مرتبط بحبقة زمنية محددة، ولأهداف بعينها، وعلهما الاقتناع بأن التأخر في المكاشفة يمنع الإعلام والحكومة من تحقيق مكاسب مضمونة.
وأوضح العالم في تصريح لـ”العرب” أن دور الإعلام نقل الحقيقة كاملة للمواطنين، ويأتي بردود قاطعة على ملفات محل تساؤل، وإذا غاب يفقد الكثير من تأثيره ونفوذه لحساب مواقع التواصل والمنابر المعادية، وتخسر الحكومة عندما يعيش الناس في شائعات لا تتوقف، ومطلوب إلزام كل المسؤولين بالتواصل مع الإعلام من دون انتقائية، ويكون ذلك جزء من الثقافة العامة.
ويرفض الكثير من المسؤولين في مصر الظهور الإعلامي للرد على الأسئلة التي تشغل بال الناس أو تمس صميم حياتهم، ما تسبب في تهاوي صورة المنابر المختلفة، مع أن التحديات تفرض على الحكومة تقوية أذرعها الإعلامية كجزء من المعركة.
ويعد الانفتاح غير المشروط من الحكومة على الإعلام بادرة إيجابية تؤسس لوفرة معلوماتية وتحسين صورة الطرفين، لكن يجب البدء في تغيير الوجوه الإعلامية المرفوضة جماهيريا لتعزيز مصداقية الوسيط الذي ينقل رسائل السلطة، لأن من التقاهم رئيس الحكومة بعضهم دأب على التصفيق للحكومة في الصواب والخطأ.
وإذا كانت هناك تكليفات حكومية للإعلام بالانفتاح على بعض الوجوه المعارضة لتحقيق التوازن في الرسالة الإعلامية، فإن تحقيق ذلك على الأرض يصطدم بوجود رؤساء تحرير صحف ومقدمي برامج تلفزيونية على قناعة تامة بأن مهمتهم تنحصر في تبييض صورة السلطة، ولديهم عداء لكل من يختلف معها، ما يعني أن الحريات الإعلامية يجب أن تنطلق أولا من الاستعانة بوجوه مهنية لإدارة المنظومة.