تهمة انتهاك الآداب العامة تقطع ألسنة إعلاميين مصريين

ضبط قاموس المذيعين يتحقق بفرض عقوبات وفقا لمعايير مهنية واضحة.
الأحد 2021/11/14
تهم فضفاضة لمعاقبة الإعلاميين

القاهرة - أكد قرار نقابة الإعلاميين المصريين بوقف مقدم البرامج والمعلق الرياضي مدحت شلبي عن التعليق على أيّ مباراة في كرة القدم حتى نهاية العام الجاري، إصرار النقابة على أن تقوم بأدوار بعيدة عن صلاحياتها وتتمسك بفرض الوصاية وقطع لسان كل من يقوم بانتهاك الآداب العامة أو يخالف القاموس اللغوي في الإعلام، من وجهة نظرها.

وبررت النقابة قرار وقف شلبي أخيرا بأنه خالف مدونة السلوك الإعلامي عندما كان يعلق على مباراة بين فريقي الزمالك والأهلي في الخامس من نوفمبر الجاري، وانتهت بفوز الأخير بخمسة أهداف مقابل ثلاثة، بعدما قال عبارة، ربما لم يستطع كثيرون تفسيرها إلى اليوم، وهي “معلول حط الزغلول”، في تعليقه على هدف التونسي علي معلول نجم النادي الأهلي.

وأعدت النقابة ديباجة طويلة، منها أن شلبي تجاوز ميثاق الشرف الإعلامي في البنود الخاصة باحترام الأديان السماوية وآداب وتقاليد المهنة وحماية الوحدة الوطنية والتماسك القومي واحترام حقوق الجماهير وعدم الالتزام بالموضوعية والتوازن في عرض وجهات النظر واستخدام ألفاظ وعبارات تنافي الآداب العامة والقيم المجتمعية.

الغريب في الأمر أن مدحت شلبي لم يتم وقفه عن تقديم برنامجه الرياضي على فضائية “أون تايم سبورت”، وحُرم فقط من التعليق على المباريات لنهاية العام، ما يوحي بأن نقابة الإعلاميين تكيل بمكيالين، لأنه لو كان بالفعل ارتكب هذه الديباجة من المخالفات لاستوجب عليها منعه من الظهور الإعلامي كليّا.

اعتادت نقابة الإعلاميين استخدام تهم فضفاضة لمعاقبة مقدمي البرامج، مثل انتهاك الآداب العامة دون أن تحدد للجمهور والمذيعين السقف المسموح به أو المحظور الاقتراب منه، وهو الدور الغائب عنها منذ تم تأسيسها حديثا، حيث لا تقوم بالتدريب والتأهيل وتحديد المحاذير وتترك كل شيء للصدفة.

ما يلفت الانتباه أن النقابة لم تتحرّك للتحقيق مع مدحت شلبي أو إصدار العقوبة ضده إلا بعد جدل أثاره متابعو منصات التواصل الاجتماعي من مشجعي نادي الزمالك، في محاولة للانتقام منه لأنه تحامل على فريقهم باستخدام عبارات دفعت الجمهور المنافس لمكايدتهم والسخرية منهم.

وأكد حسن علي رئيس جمعية حماية المشاهد المصري وأستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس أن نقابة الإعلاميين صارت عاجزة عن تنظيم المشهد وضبطه، وتكتفي فقط بفرض العقوبات باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتحسين شكل الرسالة الإعلامية وصورتها، ويصعب أن يقود هذا المسار إلى إعلام محترف لا تصنعه أسلحة الترهيب.

حسن علي: نقابة الإعلاميين صارت عاجزة عن تنظيم المشهد وضبطه

وأضاف لـ”العرب” أن ما يحدث في المشهد الإعلامي “قمة العبث” من بعض القنوات أو مقدمي البرامج، أو حتى نقابة الإعلاميين، فهناك عشوائية تضرب المنظومة ولا أحد يعرف بالضبط من أين يبدأ الإصلاح، فمن السهل فرض العقوبة وإظهار امتلاك أدوات ردع، لكنّ هناك عجرا عن تقديم إعلام حصانته الجمهور نفسه.

ويرى معارضون لموقف النقابة أن التحجج بالآداب العامة لضبط فوضى الإعلام المصري وعدم خروج أيّ مذيع عن النص يضاعف القيود المفروضة على المهنة، لأن النقابة قبل أن تقوم بفرض عقوبات عليها حسم المعايير التي تحتكم إليها في المحاسبة، لا أن تحاول إثبات وجودها لمجرد أن شريحة من الجمهور غاضبة.

وتساءل هؤلاء عن الدور الغائب للنقابة في محاسبة الإعلاميين الذين دأبوا على تأديب المشاهدين من خلال برامجهم عند الدفاع عن الحكومة وإنجازاتها، والتحيز لوجهة نظر واحدة لمجرد أنها تخدم مصالحهم الذاتية أو استمرارهم في القناة، لأن ذلك يفترض أنه يخل بالتوازن في احترام حقوق الجماهير بمختلف انتماءاتهم.

ولم يسبق لنقابة الإعلاميين أن تحركت من تلقاء نفسها لعقد دورات تدريبية لمقدمي البرامج في كيفية توصيل الرسالة الإعلامية دون تحيّز، وفي كل مرة تكتفي بفرض عقوبات لأسباب مختلفة وغير مفهومة، كما في حالة المعلق الرياضي مدحت شلبي لمجرد أنه تفوه بعبارة كوميدية وصلت إلى معارضيها بطريقة تنم عن إيحاء غير أخلاقي.

وأثار تصدر النقابة لمشهد فرض العقوبات في الآونة الأخيرة تساؤلات كثيرة حول طبيعة الدور الذي أصبحت تقوم به في المشهد الإعلامي، لأن هناك جهات أخرى يفترض أنها أعلى منها، مثل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذي كان حتى وقت قريب يقوم بهذه المهمة، ويتولى التحقيق والرصد والمتابعة والوقوف على الخطأ.

ويفترض أن هناك لجنة داخل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مهمتها تحديد الألفاظ والعبارات المخالفة لميثاق الشرف الإعلامي الذي حددته التشريعات، من بين أعضائها شخصيات رفيعة تقرر ما إذا كانت العبارات تحمل إيحاءات أو مخالفة للآداب أو إسفافا من أيّ نوع لا أن يكون الأمر خاضعا لوجهات نظر جهات أخرى.

ويقول خبراء إعلاميون إن أزمة النقابة تكمن في أنها لم تحدد بالضبط ما هي المعايير المهنية التي يجب أن يلتزم بها كل إعلامي يظهر على الشاشة أو يخاطب الناس حتى من وراء الكاميرات، مثل المعلقين الرياضيين، فهي تُحاسب وتُعاقب وفق ضغوط الجمهور مع أن دورها أكبر وأعمق في رسم ضوابط تحكم علاقتها بالإعلاميين.

وارتكب عدد كبير من المذيعين الذين أوقفتهم النقابة عن العمل مخالفات اكتشفها الجمهور نفسه، بينما كان المبرّر في معاقبتهم من جانب نقابة الإعلاميين أنهم لم يحصلوا على تصاريح بمزاولة المهنة، مع أنهم قبل ارتكاب الخطأ ظهروا لشهور وسنوات دون أن تتحرك النقابة، لكن العقوبة يتم تفصيلها تحت مزاعم الآداب العامة.

وأشار رئيس جمعية حماية المشاهد المصري لـ”العرب” إلى أن صناعة الإعلام تتطلب الالتزام الحرفي بالمعايير الإعلامية لا تفصيل عقوبات على مقاس أسماء بعينها، مع الكف عن التدخل لضبط الفوضى بطريقة ردة الفعل، لأن الأهم القيام بإجراء وقائي يمكن تكرار الأخطاء، فكثير من المذيعين عوقبوا بالإيقاف والنتيجة أنهم عادوا مرة أخرى وارتكبوا نفس التجاوزات.

وعلى رأس هؤلاء مدحت شلبي نفسه، حيث تم وقفه من قبل لأسباب من بينها استخدام مصطلحات مرفوضة مجتمعيا ولا تتناسب مع العادات والتقاليد، ما يعكس أنه لا يمكن الاعتماد على أسلحة الترهيب واستسهال فرض العقوبات في ضبط المشهد الإعلامي أو القاموس اللغوي لمقدمي البرامج.

ويمكن البناء على هذا الطرح أن استسهال الوصاية على العمل الإعلامي، من أيّ جهة، لن يقود إلى إعلام جاد مهني متوازن، لأن تعدد أسلحة الردع دون تحديد طريقة توصيل الرسالة الإعلامية بشكل منضبط لن يترتب عليه سوى المزيد من الفوضى والسقطات، طالما أن الجهات المسؤولة عن الضبط لا تمارس ضبط مواقفها أولا.

7