تهديدات العطش ما زالت قائمة في تونس رغم امتلاء السدود بـ30 في المئة

دعوات إلى الاستمرار في تقسيط توزيع الماء الصالح للشرب حتى نهاية سبتمبر القادم.
الخميس 2023/05/25
مخزون المياه لا يكفي

شهدت مختلف المناطق التونسية في الفترة الأخيرة نزول كميات من الأمطار، أنعشت نسبيا مخزون السدود، وزادت من درجة التطلعات الشعبية إلى تجاوز مخاطر الجفاف، في خطوة للقطع مع إجراءات السلطات الداعية إلى التقشّف في استعمال المياه مع اقتراب فصل الصيف.

تونس - طرحت كميات الأمطار المسجّلة في عدد من المناطق التونسية في الأسابيع الأخيرة مع تحسن نسب امتلاء السدود، تساؤلات بشأن إمكانية تجاوز تهديدات العطش والجفاف في البلاد، خصوصا بعدما أعلنت وزارة الفلاحة لأول مرة، تقسيط توزيع الماء الصالح للشرب حتى نهاية سبتمبر القادم.

ومازال المخزون الجملي للسدود في تراجع مقارنة بنفس الفترة من سنة 2022، إذ بلغ نحو 703 مليون متر مكعب مقابل مليار و165 مليون متر مكعب، أي بنسبة امتلاء في حدود 30.3 في المئة.

وأفاد كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري المكلّف بالمياه رضا قبوج، بأنّ “نسبة امتلاء السدود بعد الأمطار المسجّلة خلال الشهر الجاري، بلغت 33.2 أيّ 40 مليون متر مكعب تقريبا”.

وأكّد قبوج في تصريح إعلامي أنّ “هذه الأمطار هامة على مستوى الفلاحة البعلية والأشجار المثمرة والنباتات”.

وأشار المرصد الوطني للفلاحة في نشريته المتعلقة بأرقام شهر أبريل الماضي، إلى أن المعدل لنفس اليوم للثلاث سنوات الماضية قارب المليار و233 مليون متر مكعب.

وبلغت نسبة امتلاء سيدي سالم نحو 16.8 في المئة وسيدي البراق 55.9 في المئة.

روضة القفراج: لا بدّ أن نحافظ على نفس الإجراءات في تقسيط توزيع المياه
روضة القفراج: لا بدّ أن نحافظ على نفس الإجراءات في تقسيط توزيع المياه

وبين المرصد أن الإيرادات الجملية للسدود ناهزت 398.7 مليون متر مكعب، مسجلة تراجعا بالمقارنة مع معدل نفس الفترة البالغ مليارا و760 مليون متر مكعب، وإيرادات السنة المنقضية المقدرة بنحو مليار و69 مليون متر مكعب.

وسجلت سدود الشمال نقصا بنسبة 39 في المئة والوسط بنسبة 42.1 في المئة والوطن القبلي (محافظة نابل) بنسبة 66.2 في المئة، في حين يسجل المجموع العام نقصا بنحو 33.6 في المئة.

وشهدت تونس منتصف مايو الجاري، نزول 109.9 مليتمر، وقد سجلت ولايات (محافظات) الشمال أهم الكميات، وتعتبر بقية الكميات ضعيفة بالمقارنة مع معدل الفترة المتراوحة بين الأول من سبتمبر 2022 والرابع عشر من مايو 2023، وتراوح العجز بين 39 في المئة بالنسبة للجنوب الشرقي و64 في المئة بالنسبة لمنطقة الجنوب.

ويبلغ إجمالي قدرة استيعاب السدود التونسية مليارين و337 مليون متر مكعب، غير أن الجفاف يمنع تعبئة أكثر من نصف طاقتها سنويا.

وتُصنّف تونس من بين البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش.

وأفاد الخبير الجامعي المتخصص في الموارد المائية حسين الرحيلي بأن “نسبة امتلاء السدود لم تتغير بشكل كبير وسجلت زيادة من 28.5 في المئة إلى 30 في المئة”، لافتا إلى أن “الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (صوناد) ستواصل اتباع سياسة قطع مياه الشرب”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الأمطار الأخيرة عامة وخصوصا في أقاليم الوسط والجنوب، من شأنها أن تساعد قطاع الزياتين والمراعي، وأهميتها تكمن في تغذية الموائد المائية، لكن لن تحلّ مشكلة 14 ولاية (محافظة) تتزوّد بالماء من السدود”.

حسين الرحيلي: إلغاء الإجراءات يتطلّب امتلاء السدود بنسبة 60 في المئة
حسين الرحيلي: إلغاء الإجراءات يتطلّب امتلاء السدود بنسبة 60 في المئة

وأكّد الرحيلي أن “لضمان توفير مياه الشرب بشكل عادي وإلغاء الإجراءات المتبعة، يجب أن تمتلئ السدود في حدود 60 في المئة”، موضحا أنه “لم يتم الالتزام بإجراءات استعمال الماء التي أعلنت عنها السلطات في الفترة الأخيرة، نظرا لصعوبة المراقبة وغياب الآليات اللازمة لذلك”.

وسجلت تونس، التي تعاني جفافا شديدا منذ أربع سنوات، انخفاضا في الكميات المخزنة في سدودها إلى حوالي مليار متر مكعب فقط، أي ما يعادل 30 في المئة من الطاقة القصوى للتخزين بسبب ندرة الأمطار.

وبدأت السلطات منذ نهاية مارس الماضي، قطع مياه الشرب ليلا في مناطق العاصمة ومدن أخرى، في محاولة لخفض الاستهلاك.

وحجّرت وزارة الفلاحة والصيد البحري، استعمال المياه الصالحة للشرب الموزعة عبر شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه سواء للأغراض الزراعية، أو لري المساحات الخضراء، أو لتنظيف الشوارع والأماكن العامة أو لغسل السيارات.

وقالت الوزارة في بلاغ أصدرته إن “القرارات المتخذة جاءت نتيجة تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود، مما انعكس سلبا على مخزونها المائي الذي بلغ مستوى غير مسبوق”.

ووفقا لقانون المياه، يعاقب المخالفون بغرامة مالية وبالسجن لمدّة تتراوح بين ستة أيام وستة أشهر، كما أن هذا القانون يمنح السلطات حق تعليق الربط بالماء الصالح للشرب الذي توفره شركة توزيع المياه الحكومية.

وتشهد الموارد المائية في تونس منذ سنوات استنزافا كبيرا بسبب قلة التساقطات والإفراط في استغلال المياه، ولهذا السبب يؤكد المسؤولون أنه أصبح من الضروري اليوم وقف نزيف الموارد المائية عبر إعلان حالة الطوارئ المائية.

وقالت الدكتورة روضة القفراج، عضو مجلس علوم الهندسة لعمادة المهندسين والخبيرة في الموارد المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية، “إن كميات الأمطار المسجّلة في الفترة الأخيرة لا تحلّ مشكلة تفادي العطش والجفاف، حيث لم تصل الكميات إلى المستوى المنشود”، واصفة الكميات بـ”ضعيفة”.

السلطات بدأت منذ نهاية مارس الماضي قطع مياه الشرب ليلا في مناطق العاصمة ومدن أخرى، في محاولة لخفض الاستهلاك

وأوضحت في تصريح لـ”العرب”، “لم تسجل السدود زيادة في ملحوظة في مستوى المياه، ومن الضروري أن نحافظ على نفس الإجراءات السابقة في علاقة بتقسيط توزيع المياه، لأن المزارعين سيبدؤون في موسم الزراعة مع حلول شهر سبتمبر المقبل”.

وتوجد في تونس ثلاث محطات لتحلية مياه البحر في جربة وقابس وصفاقس (جنوب شرق) وتوفر 15 مليون متر مكعب سنويا، وستصل الكمية في 2050 إلى 300 مليون متر مكعب بزيادة عدد محطات التحلية.

وسبق أن قال رئيس مخبر تحلية وتثمين المياه الطبيعية (مركز بحوث وتكنولوجيات المياه) حمزة الفيل إن “33.5 في المئة هي نسبة ضياع المياه، منها 24 في المئة في شبكة توزيع المياه الصالحة للشرب، أي ثلث المياه ضائعة في تونس”.

وبالنسبة لطول شبكة المياه في تونس، أفاد حمزة الفيل بأنها “تصل إلى 57 ألف كلم، ويتراوح عمر 20 في المئة منها بين 30 و50 عاما”، مشيرا إلى أن “الشركة قادرة على تغيير 1500 كلم فقط في الوضع الحالي”.

وتعتبر تونس من بين الدول الأفريقية التي تعاني من آثار التغيرات المناخية، وذلك حسب العديد من المؤشرات المقدمة من وزارة الفلاحة التونسية التي تتعلق بدرجة الحرارة المرتفعة بشكل ملحوظ مقارنة ببقية دول العالم، فضلا عن انخفاض نسبة التساقطات السنوية ومستوى تعبئة السدود وتوسع مناطق التصحر، خاصة في الجنوب، وتقلّص الغطاء الغابي بالشمال الغربي نحو الجزائر.

ويرجح مراقبون أن تظهر الآثار السلبية للظاهرة بشكل أوسع وأسرع في السنوات القادمة، من خلال أزمة الغذاء والزراعة. ويقول هؤلاء إن على الرغم من التزامات تونس الدولية في مسألة تغير المناخ على غرار اتفاق باريس وبروتوكول كيوتو، إلا أنه لم يتم الاهتمام بمسألة تغير المناخ بالشكل المطلوب، وإدراجها في السياسات الوطنية، أو عبر وضع إستراتيجية واضحة الأهداف للحد من تأثيرات الظاهرة.

4