تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها يسكت أصوات المعارضة في تونس

القرار يكمّم أفواه المعارضين الذين يسوّقون لفكرة أن قيس سعيد يستفرد بالحكم ولا يكرس الممارسة الديمقراطية.
الخميس 2024/02/29
هيئة الانتخابات تقطع الطريق أمام المشككين

تونس - أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد، في خطوة قطعت من خلالها الطريق أمام المشكّكين لتوجهات الرئيس قيس سعيد وخصوصا مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021.

يرى متابعون للشأن التونسي أن من شأن هذا الإجراء أن يكمّم أفواه المعارضين الذين يسوّقون لفكرة أن قيس سعيد يستفرد بالحكم ولا يكرس الممارسة الديمقراطية. ويعتبرون أن المعارضة تتلقى مرة أخرى "صفعة سياسية"، خصوصا بعد سقوط منظومة الأحزاب وتشظّيها مع تآكل خزّناتها الشعبية في الشارع، فضلا عن مراهنتها على “اجترار” نفس التوجهات والأساليب السياسية التي يرفضها الناخبون.

وأكد رئيس هيئة الانتخابات في تونس فاروق بوعسكر، مساء الثلاثاء، أن الانتخابات الرئاسية ستُجرى في موعدها بين سبتمبر وأكتوبر المقبلين. وقال خلال مؤتمر صحفي “بمجرد انتهاء الهيئة من تركيز المجالس المحلية، الذي لن يتعدى أبريل المقبل، سيصدر قرار الرزنامة (الجدول الزمني) المتعلق بموعد إجراء الانتخابات الرئاسية بصفة دقيقة”.

محمد العربي العياري: المعارضة السياسية في تونس تغرد خارج السرب
محمد العربي العياري: المعارضة السياسية في تونس تغرد خارج السرب

وأضاف أن “الهيئة ستصدر القرار الترتيبي المتعلق بضبط شروط الترشح للانتخابات الرئاسية بهدف جعله يتلاءم مع دستور البلاد لسنة 2022”، لافتا إلى أن “الإطار القانوني لهذه الانتخابات واضح وموعدها أيضا واضح، ومن يريد الترشح لهذه الانتخابات فعليه الانطلاق في الاستعداد لذلك”.  وتنتهي نهاية العام الجاري ولاية الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي فاز بفترة رئاسية مدتها 5 سنوات عبر دور ثان من الانتخابات في الثالث عشر من أكتوبر 2019، أمام مرشح حزب “قلب تونس” نبيل القروي.

وقال الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري إن “هيئة الانتخابات قامت بدورها من خلال الإعلان عن إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وهي راكمت نوعا من الخبرة عبر تتالي المحطات الانتخابية خصوصا بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021”.

وأكّد لـ”العرب”، “هذه صفعة أخرى للمعارضة السياسية في تونس التي أصبحت مثل كيس الملاكمة، والخطوة قطعت الطريق أمام طيف سياسي، وهذا كسب للسلطة”، لافتا “لا أعتقد أن هناك معارضة قادرة على ممارسة السياسة في البلاد، ونفس الأسماء تتكرر دون برامج”. وتابع العياري “المعارضة في تونس لا تناور فقط، بل تستمع لما يقال في المقاهي الشعبية ثم تعيده، وهي تغرّد خارج السرب، ولا أعتقد أن من يتحدثون اليوم من المشككين والمعارضين أن يكون لهم وجود بعد الانتخابات الرئاسية القادمة”.

ولا يوجد أي مرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ولم يعلن الرئيس سعيد عن رغبته في الترشح لولاية ثانية، على الرغم من تصاعد أصوات تطالبه بالترشح لعهدة رئاسية ثانية في مسعى لاستكمال مشروعه السياسي المدعّم بإجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021.

كما لم تعلن شخصيات سياسية عن نيتها المنافسة في سباق الرئاسة، لكن مراقبين يقولون إن العديد من الأحزاب المناهضة لمسار الخامس والعشرين تفضل المقاطعة. وتعتبر قوى تونسية إجراءات سعيد “انقلابا على دستور 2014 وتكريسا لحكم الفرد”، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيّد “تصحيحا لمسار الثورة”، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987 – 2011).

وبناء على ذلك، قاطعت قوى المعارضة، ولاسيما “جبهة الخلاص” التي تقودها حركة النهضة الإسلامية انتخابات المجالس المحلية، بعدما قاطعت كافة المحطات الانتخابية التي جاءت بها خارطة الطريق التي أقرّها الرئيس سعيد منذ الخامس والعشرين من يوليو 2021، كما ترفض الاعتراف بالدستور الجديد للبلاد الذي تم اعتماده إثر استفتاء صيف 2022، بينما انخرطت فيها أحزاب أخرى، ومنها حركة “الشعب” وحركة “تونس إلى الأمام” و”التيار الشعبي”.

وأفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة بأن “إعلان هيئة الانتخابات عن موعد الانتخابات الرئاسية، جاء بعد أن أكد الرئيس سعيد أنه سيتم الحفاظ على رزنامة الانتخابات واحترامها، وبالتالي هناك تناغم واضح بين الرئيس والهيئة التي نجحت تقريبا في كل المحطات الانتخابية السابقة بقطع النظر عن بعض المسائل ونسب المشاركة”.

مراد علالة: حجم المعارضة لا يؤثر في الميزان الشعبي التونسي
مراد علالة: حجم المعارضة لا يؤثر في الميزان الشعبي التونسي

وأكد في تصريح لـ”العرب” أنه “قد يكون داخل المعارضة فرز، أي ربما قد تقاطع أطراف المسار الانتخابي في آخر محطاته، وأخرى قد تتحدى السلطة بمرشح رئاسي في محاولة لإحراج السلطة”. وأوضح أن “المعارضة تتحدث عن المناخ العام الذي ستجرى فيه الانتخابات والظروف غير المناسبة، وما تعتبره شيطنة للأحزاب”، مستدركا أن “حجم المعارضة لا يؤثر في الميزان الشعبي على حساب الرئيس سعيد”.

ولفت مراد علالة إلى أن “المعارضة ربما بنت هذا الموقف من خلال خطاب الرئيس سعيد أمام ضريح الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بولاية المنستير (شرق) يوم السابع من أبريل الماضي حين أعلن صراحة أنه ‘ليس مستعدا لأن يسلّم الوطن لمن لا وطنية له'”. وأفاد الرئس سعيد في ذلك الخطاب، “يهمني وطني، ولست مستعدا لأن أسلّم وطني لمن لا وطنية لهم”، مؤكدا أن “القضية قضية مشروع، وليست قضية أشخاص.. القضية هي كيف نؤسّس لمرحلة جديدة في التاريخ التونسي”.

وأشار إلى كونه سيحترم المواعيد الانتخابية، قائلا “أنا لا أشعر بأنني في منافسة أيّ كان، أشعر أنني أتحمل المسؤولية ولن أتخلى عن المسؤولية”. وكان الرئيس التونسي قد أكد خلال منتصف الشهر الحالي أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستتم في موعدها، مشيرا إلى أن المعارضة التي قاطعت الاستحقاقات السابقة “تعد العُدة لهذا الموعد”.

وقال سعيّد “لقد تم احترام كافة المواعيد من الاستفتاء (يوليو 2022) إلى موعد انتخاب أعضاء المجلس النيابي (ديسمبر 2022 – يناير 2023) والانتخابات الأخيرة للمجالس المحلية (ديسمبر 2023 – فبراير 2024) التي تشكّل المرحلة الأولى لإنشاء مجلس الجهات والأقاليم”.

وتشهد تونس منذ الخامس والعشرين من يوليو 2021، أزمة سياسية، حين بدأ سعيّد باعتماد إجراءات استثنائية، شملت حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار مراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

ويقول متابعون إن قرار المقاطعة لا يرتبط بالموقف من المسار بقدر ما هو قناعة بعدم إمكانية إحراز نجاح مع تآكل القواعد الشعبية لتلك الأحزاب. وتعتبر انتخابات المجالس المحلية آخر حلقة في سلسلة تشكيل مؤسسات الحكم وفقا لإجراءات قيس سعيد “الاستثنائية” بعد الاستفتاء على دستور جديد في الخامس والعشرين من يوليو 2022، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر 2022.

وقال بوعسكر إن “الأول من مارس المقبل سيكون موعد تنصيب ومباشرة جميع المجالس المحلية، البالغ عددها 279 مجلسا”. وأضاف أن مع “بداية أبريل المقبل ستكون كل المجالس المحلية والجهوية ومجلس الأقاليم والجهات مركزة وتباشر أعمالها”.

 

اقرأ أيضا:

         • المنشقون عن النهضة: هوية جديدة أم خروج مؤقت

4