تنسيق أمني يمهد لدور أميركي أكبر في تونس

واشنطن تجدد التزامها بدعم سلامة الحدود التونسية مع تزايد المخاوف من انفلات أمني مرده خطر الميليشيات والمرتزقة الموجودة بليبيا.
السبت 2020/09/26
نحو تعزيز الشراكة بين واشنطن وتونس

مثلت تونس وجهة الولايات المتحدة الثانية بعد الجزائر حيث تسعى واشنطن من خلالها إلى تثبيت نفوذ جديد في شمال أفريقيا، بالإضافة إلى مواجهة التهديدات الإرهابية وذلك عبر تكثيف التنسيق الأمني مع تونس من أجل ضمان سلامة حدودها في خطوة أعلن عنها السفير الأميركي بتونس الخميس.

تونس – تسعى الولايات المتحدة إلى الاضطلاع بدور أكبر في تونس من بوابة التنسيق الأمني الذي يسعى الطرفان إلى تسريع التحركات بشأنه وهي تحركات يرى مراقبون وخبراء أنها فرضتها التهديدات الإرهابية التي لا تزال ماثلة في المنطقة، علاوة على تهديدات الميليشيات على الحدود الجنوبية لتونس.

وأعلن السفير الأميركي في تونس دونالد بلوم أن بلاده ملتزمة بدعم تونس لتأمين حدودها وتعزيز قدرات المؤسسة العسكرية التونسية، في خطوة تعكس حسب مراقبين رهانا أميركيا على دور تونس وموقعها الاستراتيجي في مواجهة التهديدات الإرهابية، وسط تزايد المخاوف من انفلات أمني مرده خطر الميليشيات والمرتزقة المتواجدة بليبيا.

وقال السفير دونالد بلوم إثر لقائه وزير الدفاع التونسي إبراهيم البرتاجي، الخميس، إن الإدارة الأميركية ملتزمة بتقديم الدعم لتونس في مجالات التكوين والتدريب والمساعدة الفنية بما يساهم في تعزيز بناء القدرات العملية للمؤسسة العسكرية، بحسب ما أفادت به وزارة الدفاع التونسية.

وتتمتع تونس بوضع حليف أساسي للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي (ناتو) منذ 2015. ويمنحها هذا الامتياز الحصول على تدريبات عسكرية وقروض لشراء معدات للبحث والتطوير وشحنات دفاعية، وفق الإدارة الأميركية.

وقال البرتاجي “الولايات المتحدة الأميركية شريك أساسي متميز في مجال التعاون العسكري في ميادين التكوين والتدريب والاستعلام ودعم التجهيزات”. وتابع البرتاجي إن “هناك إمكانية لأن تساهم الولايات المتحدة في إنجاز القسط الثالث لنظام المراقبة المتحركة والثابتة للحدود البحرية والبرية، ليشمل كامل الحدود الجنوبية الشرقية، وهي الحدود المشتركة مع ليبيا.

مختار بن نصر: الجماعات المتطرفة في ليبيا تشكل تهديدا مستمرا لتونس
مختار بن نصر: الجماعات المتطرفة في ليبيا تشكل تهديدا مستمرا لتونس

وعلى مدار السنوات الأخيرة عززت تونس من تحصيناتها على الحدود الشرقية المشتركة مع ليبيا بمد ساتر ترابي وخندق مائي بهدف الحد من أنشطة التهريب ومخاطر تسريب الأسلحة.

وفيما يصف هشام العجبوني، القيادي في التيار الديمقراطي، في حديثه لـ”العرب” أن التنسيق الأمني بين البلدين ’’خطوة طبيعية حيث يشمل تبادل المعلومات في ما يخص تحركات الجماعات الإرهابية‘‘، إلا أنه يقر بمساعي القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة على ’’تعزيز نفوذها بجميع المناطق الاستراتيجية في العالم من بينها تونس‘‘.

ويتابع “القوى الدولية تريد أن يكون لها حلفاء في جميع المناطق الاستراتيجية”، ويعتقد العجبوني أن هذا التنسيق الأمني يمهد لدور أميركي أكبر في الفترة المقبلة”.

ومن جهته، يشير مختار بن نصر، الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب لـ”العرب” إلى أن “التعاون الأمني بين تونس واشنطن منذ فترة طويلة ويشمل الدعم في المنطقة الحدودية العازلة سواء من خلال المد بالتجهيزات والمعدات”. لافتا إلى أن “هذا التعاون يشمل دولا أخرى مثل ألمانيا”.

وكانت وزارة الدفاع قد أعلنت أكثر من مرة أنها بصدد وضع كاميرات أو رادارات مراقبة بالتعاون مع الدول الصديقة.

ويلفت بن نصر إلى أن الحدود التونسية – الليبية غير مؤمنة بشكل كاف حيث تشكل الميليشيات التي تم استقدامها من دول أخرى إلى ليبيا والجماعات المتطرفة تهديدا مستمرا لتونس. مذكرا بأن أنصار الشريعة التنظيم المصنف إرهابيا محليا ودوليا وجد ملاذا آمنا في ليبيا.

ويأتي ’’الدعم الأميركي لتونس للوقوف في وجه العناصر الإرهابية المتواجدة في التراب الليبي‘‘، حسب ما ذهب إليه بن نصر.

وفيما تشدد الحكومة التونسية على أن الأهداف المعلنة من هذا التعاون لا تتخطى حدود التدريب والاستفادة من القدرات العسكرية لقوة كالولايات المتحدة وأنه لن يؤثر على سيادتها الوطنية أو استقلالية القرار الوطني، يرى خبراء أن أهداف واشنطن من هذا التعاون يتجاوز مد يد المساعدة الأمنية، إلى الرغبة في تقوية حضورها في شمال أفريقيا في ظل منافسة قوى إقليمية مثل روسيا وتركيا والصين على إيجاد موطئ قدم أكبر من بوابة الحرب على الإرهاب ولجم التوترات السياسية في ليبيا. ويرى الخبراء أن واشنطن تريد تثبيت نفوذها في ليبيا من بوابة تونس في ظل تنامي الدور الروسي الذي بات طرفا قويا في المعادلة الليبية.

ويؤكد المتابعون على أهمية الدور التونسي في الملف الليبي لما تجمعها بليبيا من حدود وعلاقات ثنائية قوية وتاريخية. وهي برأيهم محطة مركزية في الاستراتيجية الأميركية بشأن ليبيا.

 وبين مصطفى عبدالكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان في حديثه لـ”العرب” أن واشنطن ترى في تونس خلفية للتحرك الإنساني والميداني في حال زادت حدة الصراع بين الفرقاء الليبيين ولم تؤت الحلول السياسية أكلها”.

ويعتقد عبدالكبير أن التحركات الأميركية تأتي في إطار الصراع الاستراتيجي بين الدول الكبرى حول التموقع بشكل أكبر وأقوى بشمال أفريقيا.

 ويضيف “واشنطن ترى أن حماية تونس من حماية مصالحها في المنطقة، حيث تريد أن تكون تونس في صفها وليس في صف روسيا أو الصين”.

وما يدعم التقارب التونسي الأميريكي هو أن تونس كانت بعيدة دائما عن دائرة التأثير الروسي القوي.

ويلاحظ عبدالكبير أن “إصرار أميركا على تعزيز تواجدها نحو المغرب العربي، هو بهدف تأمين مصالحها في هذه المنطقة”، وبرأيه “من شأن تزايد الدور الأميركي أن يؤثر على القرار السياسي التونسي في ما يخص العديد من الملفات مستقبلا”.

4