تلكؤ الحكومة يؤجل تحقيق حلم مدينة تونس الاقتصادية

يعكس تأخر بناء مدينة تونس الاقتصادية الذكية في النفيضة لأكثر من خمس سنوات، مدى ضعف الحكومات المتعاقبة في تنفيذ رؤيتها الاقتصادية، رغم أن الأموال مرصودة لتنفيذ المشروع. وقد تصاعدت الانتقادات لجهود الحكومة التي تقول إنها تسعى لجذب الاستثمارات الأجنبية دون تحقيق نتائج ملموسة.
الجمعة 2017/12/29
رؤية افتراضية لمدينة تونس الاقتصادية

تونس – لا يزال ملف أحد أبرز المشروعات الاستثمارية الكبيرة التي طرحت أمام السلطات التونسية قبل خمس سنوات مركونا في رفوف الحكومة والتي ترى تقسيمه إلى مشاريع صغيرة وتوزيعها على المحافظات هو الخيار الأمثل.

وتنتقد إدارة مشروع مدينة تونس الاقتصادية تلكؤ الحكومة الحالية في إنهاء الجدل حول المشروع واتخاذ قرار بشأن تدشين هذا الاستثمار الضخم والمفترض أن يقام بمدينة النفيضة التي تبعد نحو مئة كلم جنوب العاصمة.

ورغم أن الحكومة بقيادة يوسف الشاهد نجحت قبل أشهر في اعتماد قانون جديد للاستثمار لتشجيع رجال الأعمال على ضخ استثمارات بالبلاد، لكن من الواضح أن هناك عراقيل تقف حجرة عثرة أمام هذه الآمال.

وما يدعو إلى الاستغراب أن الأرض التي سيبنى فوقها المشروع جاهزة، أي أنه لا يوجد عائق فني يعيق التنفيذ، لكن يبدو أن المشكلة الحقيقية تبقى لدى المسؤولين الذين يتمسكون بقوانين بالية تمنعهم من إلقاء نظرة على النماذج الاقتصادية الناجحة في العالم مثل المغرب.

رياض التوكابري: على الحكومة الإسراع باتخاذ قرار يتبنى المشروع كمحرك كبير للتنمية الاقتصادية

وقال رياض خليفة التوكابري الرئيس التنفيذي للمشروع في تصريحات خاصة لـ“العرب” من ليبيا إن “السلطات لم تعط حتى اليوم الضوء الأخضر رسميا للبدء في عمليات التنفيذ رغم أن المشروع حصل على الموافقة منذ مايو 2012 من أجل إنجازه”.

ووافقت مئة شركة عالمية من ثلاثين بلدا من بينها مجموعات استثمارية خليجية من بينها “اندكس القابضة” الإماراتية على المساهمة في المشروع لقناعتها بجدواه الاقتصادية، وهي بانتظار أخذ الضوء الأخضر للبدء في عمليات التشييد.

وكان الإعلان الرسمي عن المشروع الذي خصصت له مجموعة من رجال الأعمال العرب والأجانب استثمارات تقدر بنحو 50 مليار دولار، خلال مؤتمر صحافي بتونس عقد في شهر سبتمبر 2014 بعد إعداد كافة الدراسات اللازمة.

وأوضح التوكباري، وهو صاحب فكرة المشروع، أن مطلبهم بسيط وهو أن تسرّع الحكومة في اتخاذ قرار سياسي يتبنى المشروع كمحرك اقتصادي لتعزيز فرص التنمية في البلاد.

وقال “ما نحتاجه هو توقيع اتفاقية مع الحكومة ضمن شراكة بين القطاعين العام والخاص تنفيذا لتوصيات المؤتمر الدولي للاستثمار المنعقد في نوفمبر العام الماضي”.

ويعتبر التوكباري بناء المدينة بأنه مشروع القرن في تونس قياسا بحجم الاستثمارات المالية الكبيرة المخصصة له ما سيمكن البلاد التي تعاني من أزمة اقتصادية حادة منذ سبع سنوات من تحقيق قفزة عملاقة في العقود المقبلة نظرا لموقعها الاستراتيجي.

ويرى أنه في حال تمت الخطوة بنجاح، فإن انعكاساتها ستكون كبيرة على تونس من خلال تعزيز موقعها كنقطة ربط مهمة بين الأسواق الأفريقية والأوروبية، وبالتالي تعزيز صادرتها باتجاه نحو 1.5 مليار مستهلك في المنطقة.

ويتمثل المشروع في بناء مدينة ذكية وعصرية ومتكاملة تجمع كافة المرافق على مساحة 90 كلم مربع تقريبا مطلة على البحر الأبيض المتوسط بطول يبلغ نحو 18 كلم وتكون محاذية لمطار النفيضة الدولي.

ويعتقد الرئيس التنفيذي لمدينة تونس الاقتصادية أنه إذا تم تقسيم المشروع إلى مشاريع صغيرة ومتوسطة “سيعيدنا إلى المربع الأول الذي عانت منه الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011”.

وقال إنه “بكل المقاييس يصعب على تونس أن تنافس المغرب ودول المنطقة في استقطاب الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة في هذه المرحلة”.

وذكرت مصادر حكومية في تصريحات لـ“العرب” تعليقا على الموضوع أن موقف الحكومة واضح وهو أن يتم تقسيم المشروع إلى مشاريع صغيرة وتوزيعها على المحافظات التي يركز عليها مخطط التنمية الحالي 2016-2020.

أنيس القاسمي: المشروع الطموح سيوسع الآفاق الاستثمارية والسياحية والتجارية لتونس

ولم تشكك المصادر في التداعيات الإيجابية للبلاد من وراء بناء المدينة الاقتصادية، لكنها أكدت أن القرار يجب أن تتخذه الحكومة عن قناعة لا سيما في ما يتعلق بعدم تعارضه مع خططها للإصلاح الاقتصادي الذي تقوم به حاليا.

وأشار مصدر في وزارة الاستثمار والتعاون الدولي إلى أن تونس ترحّب بمثل هذه المشاريع العملاقة، لكنه شدد على أنه لا يجب الإسراع في اتخاذ أي خطوات غير محسوبة خاصة وأن عدة مناطق بالبلاد لا تزال تحتاج إلى التنمية.

وتفيد بعض المعلومات التي حصلت عليها لـ“العرب” من مصادر مختلفة بأن رضا السعيدي المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة قال إن “الحكومة ستوقع قريبا مع إدارة مشروع مدينة تونس الاقتصادية على اتفاقية تخول للمستثمرين البدء في أعمالهم”.

ويرى اقتصاديون أن ما يحصل مع المشروع هو أحد الأمثلة البسيطة التي تجسد مدى تجذر البيروقراطية في إدارات الدولة وأن سير الحكومة بقيادة يوسف الشاهد بهذه الوتيرة البطيئة لن ينقذها من الضغوط المسلطة عليها بشأن الإسراع في خطط الإصلاح.

وأوضح الخبير أنيس القاسمي لـ“العرب” أن تأجيل مثل هذه المشاريع العملاقة يفوت فرصة كبيـرة على تـونس من أجـل جـذب المزيد من الاستثمارات خاصة وأن البلاد في حاجة ماسة لها لتقليص معدلات البطالة المرتفعة.

ووفق بيانات إحصائية رسمية، فإن نسبة البطالة تبلغ حاليا نحو 15.5 بالمئة، بينما كانت في 2010 لا تتجاوز 12 بالمئة، ما يعني أن السلطات عاجزة على ردم الفجوة رغم التدابير التي اتخذتها. وأكد القاسمي أن هذا المشروع الطموح سيوسع الآفاق الاستثمارية والسياحية والتجارية أمام تونس خاصة بعد توقيع الحكومة لاتفاقية “السماوات المفتوحة” مع الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من هذا الشهر.

وتضم مدينة تونس الاقتصادية ميناء تجاريا في المياه العميقة يشتمل على الخدمات اللوجيستية والشحن والتخزين ومدينة صناعية ومنطقة المستودعات الحرة ومنطقة للمعارض والتجارة الحرة ومدينة إعلامية ومدينة طبية وأخرى للأبحاث والتطوير ومدينة لصناعة الأدوية.

ويتضمن المشروع كذلك مدينة سياحية تحوي فنادق صممت وفق الطرز المعمارية الحديثة ومدينة سكنية ومراكز تجارية كبيرة ومدينة رياضية وأخرى ترفيهية.

وأعطت تونس في شهر مارس الماضي إشارة قوية لعودة الاستثمارات الإماراتية من خلال مجموعة بوخاطر، التي أعلنت عن استئناف مشروع المدينة الرياضية المتوقف منذ سنوات.

11