تكريس الدور الاجتماعي للدولة وتحقيق التنمية من أبرز توجهات الرئيس التونسي

قيس سعيد يبقي على وزيرة المالية في التعديل الوزاري للحفاظ على السياسات المالية.
الثلاثاء 2024/08/27
رهانات المرحلة الجديدة اقتضت ضرورة التغيير

جسّد التعديل الوزاري الأخير الذي شمل قطاعات حيوية في تونس إدراكا من السلطة التي يقودها الرئيس قيس سعيد بضرورة تحسين جودة الخدمات المعيشية واستعادة الدولة لسياساتها الاجتماعية المفقودة بعد 2011.

تونس - كشف التعديل الوزاري الجذري الذي أعلنه الرئيس التونسي قيس سعيد مساء الأحد، مراهنة السلطة بجدية على تكريس الدور الاجتماعي للدولة والاهتمام بالجانب التنموي في توجهاتها المستقبلية.

وجاء التعديل الوزاري الشامل لغالبية الوزارات، ليؤكّد أنه بعد القطع مع منظومة الإسلام السياسي تبعا لإجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، لم تعد رهانات السلطة سياسية بقدر ما تطمح إلى تحسين الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والمالية للبلاد، في خطوة تعلن الانتقال إلى مرحلة البناء الاجتماعي.

وتقول أوساط سياسية “إن كانت للتعديل أسباب متعددة من ضمنها تقييم الأداء ومردودية مختلف القطاعات، فإنه بدا واضحا أن الذهاب في التعديل يترجم إستراتيجية السلطة لبدء مرحلة جديدة من أهم محاورها إصلاح المنوال التنموي والارتقاء بجودة الخدمات الاجتماعية على غرار الصحة والتعليم والنقل التي شملها التغيير”.

وتؤكد تلك الأوساط أن باستثناء الإبقاء على 5 أسماء، فإن بقية الوزراء تم تغييرهم، وهو ما يعني أن الحكومة الجديدة هي حكومة كفاءات ستطبق سياسات الرئيس سعيد، ومن ثمة يمكن تسميتها بـ”حكومة الرئيس”.

مراد علالة: حان الوقت لبناء الدولة الاجتماعية القادرة على كسب الرهانات
مراد علالة: حان الوقت لبناء الدولة الاجتماعية القادرة على كسب الرهانات

ومنذ إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، اتضحت سياسات الرئيس سعيد ذات الصبغة الاجتماعية والمعيشية، وهو ما يطلق عليه بعض المراقبين باستعادة “الدور الاجتماعي للدولة” أو تكريس مفهوم “الدولة الاجتماعية الديمقراطية”.

وقال الرئيس التونسي إن التعديل الوزاري الذي أجراه الأحد “أملاه تعطل عمل الدولة وتحكم جهات سياسية كانت تحكم البلاد سابقا بالمسؤولين المستبعدين”.

وجاء ذلك في كلمة له أمام الوزراء الجدد، مساء الأحد، وفق مقطع نشرته الرئاسة التونسية.

وأضاف سعيّد “دواليب الدولة تتعطل كل يوم وليعلم الجميع أن الأمن القومي قبل أي اعتبار ولو اقتضت المصلحة الوطنية العليا للبلاد إجراء تحوير (تعديل) وزاري”.

وتابع أن “اختيار عدد من المسؤولين، جهويا ومحليا ومركزيا، كان بناء على تعهدهم بتحقيق أهداف الشعب التونسي ومطالبه المشروعة”.

واستدرك سعيد “لكن لم تمر سوى أيام بعد تكليفهم، إلا وانطلقت المنظومة (السابقة) من وراء الستار لتنجح في احتواء عدد غير قليل منهم والالتفاف عليهم”.

واتهم بعض المسؤولين “بممارسة سلطاتهم كما ما قبل دستور 25 يوليو 2022”، وقال “تشكلت داخل أجهزة الدولة مراكز، وهو أمر تفرض المسؤولية وضع حدّ فوري له”.

وذكّر سعيّد بأن “الدستور الحالي ينص على أن الوظيفة التنفيذية يمارسها رئيس الجمهورية وتساعده حكومة”، مضيفا أنّ “الوزير للمساعدة ولا يمكن أن تكون له خيارات خارج الخيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية”.

والأحد، أجرى سعيد تعديلا موسّعا على الحكومة شمل 19 وزيرا و3 كتّاب دولة، استثنى منه 5 وزارات، هي الداخلية والعدل والصناعة والمالية والتجهيز.

ويأتي التعديل الحكومي الجديد قبل انتخابات رئاسية مقررة في السادس من أكتوبر المقبل، ويخوضها 3 مرشحين بينهم سعيد.

ولعلّ ما يؤكد التوجه نحو تحسين القطاعات الاجتماعية، تعيين كاتبة دولة تعنى بالشركات الأهلية، في خطوة لتفعيل التوجه الجديد في الاستثمار وبعث المشاريع الجهوية، كما أن السلطة انطلقت منذ فترة في مراجعة عقود الشغل الهشة والعمل بالآليات المؤقتة على غرار تسوية وضعية عمال الحضائر والدعوة إلى تسوية وضعية الأساتذة النواب (المؤقتين).

وقال الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة “هذا التعديل الذي كان منتظرا، يظهر شيئين، أولهما ما حصل من تقصير في عمل الفترة السابقة وخصوصا في حكومتي نجلاء بودن وأحمد الحشاني، وثانيهما الدخول رسميا في مرحلة جديدة برهانات اجتماعية.

وأكد في تصريح لـ“العرب” أنه “حان الوقت لبناء الدولة الاجتماعية القادرة على كسب الرهانات المعيشية، وهذا ما يؤكد أن اهتمامات الرئيس أصبحت اجتماعية في المقام الأول”.

ولفت مراد علالة إلى أن “التعديل الحكومي دائما يتحرك في إطار رؤية الرئيس للتقدم في إنجاز مشروعه السياسي”.

ويكرر الرئيس التونسي تأكيده على عدم التفويت في المؤسسات العمومية ورفض رفع الدعم، فضلا عن ضرورة القيام بإصلاحات جذرية في مجالات التعليم والصحة.

ويرى متابعون للشأن التونسي أنه دعما لتلك التوجهات الاجتماعية تم الإبقاء على وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية في منصبها بهدف الحفاظ على نفس السياسات المالية المتبعة منذ فترة، من ضمنها رفض الارتهان للخارج وتعليق التعامل مع صندوق النقد الدولي، إلى جانب تبني سياسة التعويل على الذات.

خليفة الشيباني: هناك قناعة لدى الرئيس لمعالجة الأوضاع الاجتماعية
خليفة الشيباني: هناك قناعة لدى الرئيس لمعالجة الأوضاع الاجتماعية

وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني بأن “الرئيس سعيد من خلال التعديل الوزاري الشامل أقر بفشل عدة أسماء في أداء مهامها، وبيّن أن من لم يؤد دوره يمكن الاستغناء عنه”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك قناعة لدى الرئيس سعيد بعد الإنجاز السياسي بالتوجه إلى معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يتطلب نوعا جديدا من الأسماء القادرة على تحمل المسؤوليات”.

وأوضح خليفة الشيباني أن “شعار المرحلة القادمة تحسين أوضاع الناس والنهوض بالقطاعين الاقتصادي والاجتماعي”، لافتا إلى أن “تعيين وزير شؤون اجتماعية في خطة رئيس حكومة يوضّح جدية توجهات سعيّد”.

وفي الثامن من أغسطس الجاري، أعلن سعيد تكليف وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري برئاسة الحكومة خلفا لأحمد الحشاني، الذي عينه رئيسا للحكومة في الأول من أغسطس 2023، بعد إنهاء مهام رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن.

وترأس الحشاني الحكومة الـ14 بعد الثورة التي اندلعت في ديسمبر 2010، وثاني حكومة بعد بدء سعيد فرض إجراءات استثنائية في الخامس والعشرين من يوليو 2021.

وشملت هذه الإجراءات حلّ مجلسي القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء.

وتعتبر قوى تونسية تلك الإجراءات “انقلابا على دستور الثورة (دستور 2014)، وتكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد “تصحيحا لمسار ثورة 2011”، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987 - 2011).

4