تفوق الزوجة مهنيا أو اجتماعيا مصدر إحراج لزوجها

المجتمع يختزل نجاح المرأة مهما كانت متميزة في أدائها داخل المنزل، وتفوق المرأة قد يضع الرجل فريسة سهلة لحالة صراع داخلي.
الجمعة 2019/07/26
طموح المرأة يهيّئ لها كرسي السلطة

لا تزال المجتمعات العربية بعيدة عن تقبل فكرة أن يكون للمرأة شأن مهني أو اجتماعي أهم من زوجها، إذ تتدخل العقلية الذكورية لهذه المجتمعات لتفرض الضغوط على الحياة الخاصة للزوجين ما قد يؤدي بالعلاقة بينهما للتوتر والتصدع الذي يمكن أن يصل حد إنهاء الزواج وتفكك الأسرة.

القاهرة - من المألوف في مجتمعاتنا العربية أن تكون دائما المرأة هي زوجة لرجل مهم يشغل وظيفة كبيرة في مجالات الحياة كأن يكون وزيرا أو دبلوماسيا أو ناشطا سياسيّا أو عالما، لكن ماذا يحدث إذا تزوج الرجل من سيدة تشغل وظيفة مهمة وكبيرة في الدولة وهو رجل يشغل وظيفة عادية؟ فهل تنشأ بينهما خلافات بسبب كون الزوجة سيدة مهمة؟

يقول “م. ع”، طالب الإجازة في الحقوق، “أحد زملائنا ينتمي لأسرة ثرية ومشهورة بسبب أن أمه شخصية نافذة في المجتمع، لدرجة أن زميلي هذا أصبح يصاب بالإحراج كلما تعرف عليه أي شخص لأنه بعد فترة قصيرة يواجهه بعدة تساؤلات عن والدته، حتى أصدقائه المقربين يسألونه بين الحين والآخر عنها؛ وأصبح بمرور الأيام حساسا ومتحفزا تجاه كل من يقترب من مكانة أمه الاجتماعية”.

ويتابع “ذات يوم وجدته يطلب مني وصديقين آخرين مقربين إليه أن نستمع إليه وعرفنا أن والده رغم حياته مع والدته طوال 25 عاما لكنهما منفصلان تماما ولا يجمعهما سوى الخوف من كلام الناس والشائعات، ومستقبل أبنائهما الذين لم يعودوا صغارا”.

ويضيف أنهم عرفوا أن والد صديقهم أصبح غيورا من مكانة والدته، وأصبح قليل الحيلة معها بعدما رآها مقصرة في حقوق بيتها وأبنائها وأنه أصبح يرى نفسه “زوجا مع إيقاف التنفيذ وهو ما كان يؤلم زميلي هذا الذي يتمنى أن يصبح والده هو المهم!”.

ويعتبر أحمد. ع، وهو موظف، أن أهمية الزوجة مهنيا على حساب زوجها “وضع مقلوب” لا يتفق مع تقاليدنا، التي تعطي القوامة للزوج في كل شيء وحتى المكانة المهمة.

المجتمعات العربية تسهم بتقاليدها في إرساء قواعد ومحددات نفسية معينة أساسها أن العلاقة بين الرجل والمرأة أو الزوجين لصالح الرجل أو الزوج

ويوضح “أنا بالطبع أرفض أن أكون ذلك الرجل الذي يحاول أن يتساوى بزوجته، وإذا افترضنا جدلا أنني أقبل ذلك الوضع فإنني سأختار مجالا آخر كي أصبح فيه شخصا مهما حتى لا يحاسبني المجتمع وتطاردني كلمات ونظرات الناس الذين سيؤكدون أن نجاحي منسوب إليها”.

ويشير عاصم محمد، وهو طالب جامعي، إلى أن الظروف تغيرت في مجتمعاتنا العربية وأصبح هناك اعتراف اجتماعي واتفاق على أن تحظى المرأة بحقوقها ومنها حقها في أن تتقلد وظيفة أو مكانة مهمة في مجتمعها وبالتالي فلماذا تنظر لزوجها على أنه في موقف حساس وحرج؟

ويقول محمد “أنا مؤمن تماما بطموح المرأة ما دام مشروعا بشرط ألا تؤثر مكانتها المهمة على باقي أدوارها كأم وكزوجة وإلا فإنها ستتحول إلى ظالمة وأنانية فالمسألة عبارة عن معادلة ذهبية صعبة إذا وازنت بين أهم أطرافها وهم زوجها وأبنائها وطموحاتها وعملها ومكانتها في مجتمعها”.

ويستدرك “وبالرغم من ذلك فإنني ألتمس العذر للرجل الشرقي الذي ينظر إليه الناس نظرة غير لائقة إذا تفوقت زوجته وأصبحت مثلا سيدة مجتمع أو نائبة في البرلمان”. ويضيف “أنا أعرف رجلا سمح لزوجته بالترشح في الانتخابات البرلمانية، ورغم أنها لم تنل العضوية إلا أنها كانت أثناء الفترة الانتخابية مهمة على مستوى دائرتنا، وكانت أخبارها بين حين وآخر تنشرها الصحف وكان زوجها يتعرض لكثير من الحرج”.

وتتحدث ثريا علي، وهي موظفة تسويق بشركة استثمارية، بشجاعة كبيرة وتقول “من خلال حياتي وتجربتي الخاصة أؤكد أن وجود التكافؤ ضروري بين السيدة أو الزوجة المهمة وزوجها، كأن يكون الاثنان على نفس الدرجة من الأهمية، هذا يخفف كثيرا من حساسية وحدة الموقف”.

المجتمع يرى حد المرأة الأقصى أن تتساوى بمكانة ووظيفة الزوج
المجتمع يرى حد المرأة الأقصى أن تتساوى بمكانة ووظيفة الزوج

وتتابع “مثلا أمي أستاذة جامعية ولها إسهامات وأنشطة كثيرة في المجالات الثقافية والعلمية والسياسية، ولم تكن أبدا علاقتها بأبي الذي يعمل أيضا أستاذا بالجامعة وله اهتماماته وأهميته في مجتمعنا ذات جذب وشد بينهما، وعلى العكس من ذلك فهما متفاهمان ويتناقشان في أعمالهما واهتماماتهما”.

وتتابع “أما إحدى زميلاتي التي تتبوأ والدتها مكانة اقتصادية مهمة، لأنها سيدة أعمال مشهورة في أوساط المال والتجارة فكانت وإخوتها يتعرضون للحرج لأن والدهم ليس في مثل أهمية والدتهم وشهرتها، وكانت العلاقة بينهما دائما تنافسية ومأساوية”.

وتبدي الدكتورة بدرية فكري، أستاذة علم النفس، رأيها في هذا النوع من العلاقات وتفسرها من الناحية النفسية بقولها “دائما ننظر للتكوين السيكولوجي لأي إنسان على أنه نتاج تفاعله ومعيشته في بيئة معينة ذات تقاليد وتنشئة لها حدود تحكم العلاقات خاصة الأسرية أكثر من محددات نفسية لمعتقدات واتجاهات وآراء وسلوك هؤلاء الناس، الذين يعيشون بمجتمع ما”.

وتوضح أنه “من هذا الأساس فإن مجتمعاتنا العربية تسهم بتقاليدها في إرساء قواعد ومكونات ومحددات نفسية معينة أساسها أن العلاقة بين الرجل والمرأة أو الزوجين لصالح الرجل أو الزوج الذي يعلي من شأنه هذا المجتمع الذكوري، ويحدد لحركة هذا الرجل وعلاقته بزوجته حدين يمكن في إطارهما ألا تحدث مشكلات بسبب تقلد الزوجة وظيفة أو مكانة اجتماعية معينة”.

المرأة تنافس الرجل في قطاعات كانت حكرا عليه

ويرى المجتمع في المرأة حدها الأقصى أن تتساوى بمكانة ووظيفة هذا الزوج وحدها الأدنى أن تصبح في منزلة أقل منه، لكن في حالة تفوق مكانتها ووظيفتها عليه يحدث نوع من الضغوط النفسية الاجتماعية ربما بسبب نظرة الناس والمجتمع إليه أو بسبب تكوينه النفسي وتنشئته الاجتماعية، فيقع فريسة سهلة لحالة صراع داخلي تنتابه بين ذاته والآخرين، وبالتالي ينعكس هذا الصراع على علاقاته بزوجته وربما بأبنائه وسلوكياته مع الآخرين.

ويؤكد الدكتور عصام سيد، أستاذ علم الاجتماع، أن مجتمعنا العربي مقارنة بالمجتمعات الغربية مازال محافظا ومتمسكا بتقاليده وثوابته الاجتماعية التي تعلي من شأن الرجل في مواجهة المرأة كقاعدة وبالتأكيد لها شواذها، وهما حالتان: أولاهما أن يتساوى الاثنان في المكانة الاجتماعية فيصبحا على درجة تكاد تكون واحدة ومتساوية في الأهمية، فيصبح الوصف الاجتماعي والإنساني الخاص بهما عنوانه زوج مهم وزوجة مهمة، وثانيهما أن تتفوق الزوجة على زوجها فتصبح امرأة مهمة ورجل أقل أهمية.

ويبين أنه بالتأكيد في الحالة الثانية يحدث تصادم اجتماعي في الأدوار الاجتماعية، بما يتقبله الزوج بسلام فلا تحدث أي مشكلة إلا إذا كانت هناك ضرورة أو وجود نوع من الاستفزاز الاجتماعي مثل نظرة الناس له كرجل وربما لا يتقبله هذا الرجل، وهنا تتفجر المشكلات والخلافات الزوجية.

ومع ذلك فإن حركة التغيير الاجتماعي بفعل عوامل عديدة، أهمها وسائل الإعلام خاصة التلفزيون والفضائيات وزيادة الوعي ودرجة التحضر والدور المتزايد للمرأة وحصولها على المزيد من الحقوق، والاعتراف الراقي بها كشريك في الحياة وغيرها من العوامل أدت إلى تغيير جزئي في النظر للمرأة.

21