تفرقة الآباء بين الأبناء تغذي الكراهية وتهدد كيان الأسرة

التفضيل غير الرشيد بين الإخوة يؤسس لفرقة وضغينة ممتدة.
الثلاثاء 2024/10/01
سياسة الأمر الواقع تؤسس للكراهية

يؤكد مستشارو العلاقات الأسرية في مصر أن التمييز بين الإخوة يمكن أن يؤدي إلى انهيار قيم الترابط والتعايش الأخوي، مشيرين إلى أن أسلوب التفضيل في المنح والهبات تتوقف عليه مصائر عائلات بأكملها. ويرى المستشارون أنه إذا ما أراد الأب تمييز أحد أولاده لمبرر ودافع منطقيين، عليه أن يستأذن أفراد الأسرة، وهو ما من شأنه أن يكرس الترابط والمحبة بين أولاده مستقبلا.

القاهرة – حملت تحذيرات مركز الأزهر العالمي للفتوى في مصر من قيام بعض الآباء بتفضيل أحد الأبناء في الهبات والعطايا والمنح عن باقي إخوته، مخاطر التمييز داخل الأسرة الواحدة، باعتبار أن ذلك قد يولد الحقد والكراهية مهما كانت هناك نوايا حسنة عند تلك الشريحة من الآباء، ولديهم مبررات تبدو مقنعة.

وعكس موقف المؤسسة الدينية وجود قناعة عند بعض أرباب الأسر بأحقيتهم في تفضيل أحد الأبناء، على الرغم مما يترتب على ذلك من مشكلات مستقبلية بين الإخوة، جراء التمييز والانتقائية التي قد يشعرون بها، بدافع الغيرة أو عدم وجود أسباب مقنعة لتفضيل أحدهم على الآخر، لاسيما في العطايا والهبات.

وثمة معضلة ترتبط بوجود اختلاف في الرؤى بين رجال الدين حول أحقية الآباء في التفضيل بين الأبناء في العطايا، فهناك فتاوى انتصرت لرب الأسرة كأن يختص واحدا من أولاده بميزة مالية، لمرض أو لظروف معيشية سيئة، وفتاوى أخرى حرمت ذلك لتجنب النزاعات، لكن الأزهر فضّل عدم وجود أي تفرقة.

ورغم الاختلاف حول مشروعية التصرف من عدمه، هناك توافق بين خبراء التربية وعلم النفس على أن اتجاه بعض الآباء للتفريق بين الأبناء لأي سبب، يؤدي إلى مشكلات أسرية ونفسية، تقود إلى ضغينة بين الإخوة، لأن الابن الأقل تمييزا يشعر بالظلم، وربما يقوده ذلك إلى كراهية شقيقه.

ثمة معضلة ترتبط بوجود اختلاف في الرؤى بين رجال الدين حول أحقية الآباء في التفضيل بين الأبناء في العطايا

ومن هؤلاء، أحمد مصطفى الذي وصل إلى عامه الخمسين ولم ينس أن والده قام بتفضيل شقيقه الأكبر ووضع له الكثير من المال في حسابه البنكي بدعوى أنه التحق بكلية مرموقة ويحتاج إلى الدعم حتى يحقق حلمه، ويرفع شأن الأسرة، ومع الوقت أصبح الأخ الأكبر ميسور الحال مقابل معاناة باقي أشقائه.

كان مصطفى يدرس تعليما متوسطا، وقت أن قام والده بهذا التصرف، لكن شقيقه التحق بكلية الطب، وبرر الأب موقفه بأن الأخ الأكبر يحتاج إلى الكثير من المصروفات بحكم وضعيته الاجتماعية، وعندما اعترض باقي الأبناء على ذلك قبل وفاة الأب، قام بتعنيفهم بدعوى أن المال يخصه، ويتصرف به كيفما شاء.

قال مصطفى لـ”العرب” إن التفريق بين الأبناء قد يولد الكراهية، لأن تمييز ابن واحد غير باقي إخوته قد يتسبب في شعورهم بأنهم في درجة متدنية عند الأب، ومن الصعب بمرور الأيام والسنوات أن تذوب الفجوة بينهم، خاصة إذا كان التمييز فجا، وتسبب في ظلم، وجاء بطريقة فوقية من جانب الآباء.

وهناك شريحة من أرباب الأسر تفضل أحد الأبناء أو بعضهم، لكن بأسلوب مرن وبناء على توافق بين كل الإخوة، خاصة إذا كانت ظروف الابن المفضّل صعبة، ويحتاج إلى المزيد من الدعم، شريطة أن يحدث ذلك بمشاركة الرأي بين كل أفراد العائلة لا أن يقرر الأب هذا التصرف بسياسة الأمر الواقع الملزم للجميع.

هكذا فعل الأب عماد السيد. فهو رب أسرة لخمس فتيات، تزوّجت منهن اثنتان فقط، لذلك ترك لبناته اللاتي لم يتزوجن ما يزيد عن أختيهن الأخريين، كونه يخشى الموت في أي لحظة دون أن يجدن ما يساعدهن على توفير مستلزمات الزواج أو ما تبقى من مراحل تعليمية، لكنه فعل ذلك بناء على استشارة بناته الخمس.

يمتلك السيد مبلغا معقولا من المال وقطعة أرض في منطقة سياحية، وتحدث مع ابنتيه المتزوجتين عن ضرورة مساندة باقي أخواتهن بتأمين مستقبلهن، وحدث ذلك بعد موافقتهن بالتنازل عن بعض الهبات والعطايا لأخواتهن، دون أن يتسبب في ضغينة أو إحساس إحداهن بالحقد والغيرة تجاه أخواتها.

قال الأب لـ”العرب” إنه لم ينتظر حتى يحصل على مشروعية دينية لتصرفه بتفضيل بعض بناته، طالما أن لديه منطقا ومبررا معقولا، والتفضيل بين الأبناء في الهبات والعطايا والمنح يكون بتوافق بين كل الإخوة، فلا مانع من ذلك، أما إذا منح الأب لأحد أكثر من الآخر من دون استشارة، فذلك يكرس الضغينة.

قد لا تتوقف الأزمة عند الأبناء غير المفضلين عند الأب، بل تمتد إلى الأخ المميز، لأنه قد يُصاب بالأنانية وحب التملك والسيطرة، طالما نشأ على أنه أفضل من الآخرين

ويتحفظ البعض من خبراء علم النفس على فكرة التفضيل في مجملها، لأن ذلك قد يمهد لتنازع الأبناء في ما بينهم على إظهار الحب والمودة للآباء، وذلك إن لم يولد بينهم الضغينة، فقد يجعلهم يتنافسون ويتصارعون على الاقتراب من الأب بأي طريقة كانت، ليحصل كل منهم على مكتسبات مضاعفة.

ورأى الاستشاري النفسي والمتخصص في العلاقات الأسرية بالقاهرة جمال فرويز أن الخطر الأكبر في وجود فتاوى دينية غير رسمية تبيح التفرقة بين الأبناء، وهذه قادت بعض الآباء للتعامل مع الأمر بأريحية بدعوى وجود مساندة شرعية لتصرفاتهم، والمشكلة أن هناك آباء يؤدبون أولادهم بحرمانهم من العطايا كإجراء عقابي.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن أسلوب التفضيل في المنح والهبات تتوقف عليه مصائر عائلات بأكملها، فالأب مطالب بأن يتعامل مع أولاده بمنطق أنهم أصحاب المال والممتلكات، وإذا ما أراد تمييز أحدهم لمبرر ودافع منطقيين، يكون باستئذان الجميع، وهذا لا يقلل منه، بل يكرس الترابط والمحبة بين أولاده مستقبلا.

ولفت إلى وجود أسر انهارت فيها قيم الترابط والتعايش الأخوي بسبب التمييز الأبوي بين الأبناء، لأن المحرومين من العطايا ينشؤون ولديهم إحساس بالدونية وعدم الثقة بالنفس والغيرة، وربما الكراهية للأخ المفضل، وهذا لا يعكس حقيقة شخصياتهم، لكنهم ضحايا تمييز أبوي رغم أنهم أسوياء مع الغرباء.

وقد لا تتوقف الأزمة عند الأبناء غير المفضلين عند الأب، بحسب فرويز، بل تمتد إلى الأخ المميز، لأنه قد يُصاب بالأنانية وحب التملك والسيطرة، طالما نشأ على أنه أفضل من الآخرين، بما فيهم إخوته أنفسهم، لذلك قد يظل طيلة حياته يتعامل مع المقربين على أنه شخصية استثنائية، ولا يُساوى بغيره من أفراد العائلة.

ويتفق متابعون على أن الميول الأبوية تجاه أحد الأبناء تكون خارج عن الإرادة أحيانا، لأسباب كثيرة، لكن المجاهرة بذلك بتمييز مادي أو معنوي، يؤسس لحقد وأنانية تنعكس تداعياتهما على الأسرة بكامل أفرادها، ويصعب أن يكون هناك ترابط ممتد بين الإخوة، ولا بين الأبناء والآباء، ولو تظاهر الجميع بالمحبة.

15