تعقيد الإجراءات وتداخل القوانين يكبّلان بيئة الأعمال في تونس

محافظ البنك المركزي يحثُّ الحكومة على تنفيذ إصلاحات عاجلة للتشجيع على الاستثمار.
السبت 2021/07/03
بيئة بحاجة إلى التحفيز

تزايدت انتقادات الأوساط الاقتصادية والنقدية في تونس لحالة الارتباك التي تعاني منها الحكومة بسبب عجزها عن إعطاء صورة أفضل لمناخ الأعمال رغم وجود قانون استثمار جديد، يرى خبراء أنه لم يقدم الكثير بعد خمس سنوات من إقراره جراء تعقيد الإجراءات وتداخل القوانين المحفزة على ممارسة الأعمال وتشعّبها.

تونس - لا تزال تحدّيات استقطاب الاستثمارات رهانا عصيّا على مختلف الحكومات المتعاقبة في تونس. وعلى الرغم من المصادقة على قانون الاستثمار في عام 2016، والذي يجمع خبراء اقتصاد على أنه لم يضف نتائج واضحة، إلا أن بيئة الأعمال ظلّت طاردة لرؤوس الأموال.

وتأتي هذه الوضعية في وقت تتخبّط فيه الدولة لدعم الشركات الناشئة، مع تنامي منسوب الاحتجاجات المطلبية التي ساهمت في تقهقر مناخ الأعمال وسط مشهد سياسي ضبابي.

ويعكس موقف مروان العباسي محافظ البنك المركزي، ذلك الوضع، بعد أن حث الطبقة السياسية والحكومة على التفاعل بالنجاعة المطلوبة لتنفيذ الإصلاحات العاجلة لتحسين مناخ الأعمال وتعزيزه وخلق بيئة مشجعة على الاستثمار تتماشى مع متطلبات إنشاء الشركات الناشئة.

وخلال افتتاح المؤتمر الدولي لتمويل الاستثمار والتجارة في أفريقيا (فيتا 2021) في دورته الرابعة مؤخرا، والذي احتضنته العاصمة تونس أكد العباسي أن المركزي يعمل بالتنسيق مع نظرائه وشركائه في القارّة لدعم التعاون في مجالات التمويل والإدماج وتطوير أنظمة التعامل المالي في أفريقيا وفي إعداد نظم أساسية للمؤسسة المالية بما يمكن من تأسيس بنك مركزي أفريقي.

وقال العباسي “هناك ضرورة لحشد الدعم من المؤسسات الماليّة متعدّدة الأطراف لأن ذلك سوف يمكن من زيادة تمويل الاستثمارات بالقطاع الرقمي”.

حسين الديماسي: معظم الشركات الناشئة تفتقر للهيكلة وتأسيسها كان خاطئا
حسين الديماسي: معظم الشركات الناشئة تفتقر للهيكلة وتأسيسها كان خاطئا

ويتوقع البنك الدولي بلوغ الاستثمارات في الشركات الناشئة بأفريقيا خلال السنوات العشر المقبلة ما بين 80 و100 مليار دولار.

ويعتقد العباسي أن من بين الأوليات التي يجب العمل عليها خلال الفترة الراهنة تعزيز الروابط الجويّة والبحريّة والبريّة بين بلدان القارّة وتعزيز حضور البنوك التي قال إنها “تعد عاملا أساسيا للنهوض بالمشاريع والأعمال، إضافة إلى التسريع في خلق مناطق تبادل حر على المستويين الإقليمي والقاري”.

وكشفت الأزمة الصحية وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، ضعف التبادل بين البلدان الأفريقية، حيث لم يتجاوز 4.1 في المئة في عام 2019، فضلا عن ضعف الخدمات والاستثمارات الأجنبية وتبادل البضائع، الذي قال العباسي إنه “لم يتجاوز 2.5 في المئة من التجارة العالمية”.

وتواجه بلدان أفريقيا تحديات كبيرة لاسترجاع نسق النشاط الاقتصادي والتحكم في الدين وتجاوز الإشكاليات المتنامية أمام الدخول للأسواق المالية العالمية وضمان تمويل مستقر بظروف ميسرة.

ويرى خبراء الاقتصاد أن المناخ العام بتونس وضبابية المشهد السياسي قلّصا من فرص الاستثمار، فضلا عن مشاكل البيروقراطية وارتفاع منسوب المطلبية الاجتماعية تبعا لتواتر الاحتجاجات والإضرابات.

وقال وزير المالية الأسبق حسين العباسي لـ”العرب”، إنه “من ناحية تغيير قانون الاستثمار لا يمكن أن نحكم عليه أو نقيّمه حاليا لأن المناخ العالمي ليس مشجّعا على الاستثمار، لكن القانون فيه عيوب من ناحية الإجراءات والبيروقراطية، والقانون زاد تعقيدا على السابق ولم يضف الكثير”.

وأضاف أن “مناخ الأعمال أصبح طاردا للاستثمارات في تونس ولا نستغرب من هذا، والأموال إذا بقيت مدة طويلة دون توظيف أو استثمار تتراجع قيمتها”.

وأشار إلى أن المناخ السياسي والاجتماعي بتواتر التجاذبات والاحتجاجات ساهم في تواصل غياب فرص الاستثمار، بالإضافة إلى عدم وضوح النظام السياسي وتواتر الحكومات الذي جعل الناس لا يرون المستقبل بوضوح.

وكان البرلمان قد صادق في سبتمبر 2016 على قانون استثمار جديد لتعزيز مناخ الأعمال، لكن منذ ذلك الحين لم تتمكن تونس من الارتقاء بمستوى جذب رؤوس الأموال الخارجية، مما عكس غياب هيبة الدولة في تنفيذ خططها على الأرض.

ويعتبر قانون الاستثمار الجديد بديلا عن قانون 2011، الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط الاقتصادية لكونه يمثل “مجلة قانون تشجيع الاستثمار في تونس” التي صدرت في 1993، في الكثير من فصوله.

رضا الشكندالي: قانون الاستثمار لم يحقق شيئا والسياسات تقاس بالنتائج
رضا الشكندالي: قانون الاستثمار لم يحقق شيئا والسياسات تقاس بالنتائج

وبخصوص الشركات الناشئة وتحقيق الدولة فعلا أهدافها في دعمها، يعتقد الديماسي أن هذه الكيانات الجديدة ليس لها مستقبل باعتبار أنه حتى الشركات التقليدية لم تتطور، فضلا عن كونها لا تتمتع باستقلالية تامة إزاء العوامل الاقتصادية وتأسيسها بالولايات (المحافظات) الداخلية خصوصا كان خاطئا، لأنها تفتقر للهيكلة.

كما يؤكد أن الضبابية في المشهد السياسي وتداعيات الوضع الصحي بسبب تفشي انتشار الجائحة، من أبرز العوامل التي ساهمت في تراجع الاستثمار.

لكن البنك المركزي أيضا له دور في الأزمة، عبر إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة مما يساهم في عدم تعافي الاستثمارات، حيث سبق أن قرّر في مطلع 2019 رفع سعر الفائدة الرئيسية بمقدار واحد في المئة ليصل إلى 7.75 في المئة، وهي أعلى نسبة يتم إقرارها منذ عام 1990 ثم أعاد خفضها بنقطة مئوية مع ظهور الجائحة في تونس.

وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي، إن “العباسي يتحدث بمنطق اقتصادي وهو يطبق سياسيات البنك المركزي ويتحمّل جزءا من المسؤولية، باعتبار السياسة النقدية الحذرة التي رفّعت في نسبة الفائدة، ونحن في درجة عالية من نسبة المخاطر نظرا للأزمة الاجتماعية والتجاذبات السياسية والوضع الصحي المتردي”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “على البنك المركزي أن يصمت، لأنه سبب من الأسباب الكبرى للأزمة الحالية”، لافتا إلى أن “قانون الاستثمار الجديد لم يحقّق شيئا والسياسات الاقتصادية تقاس بالنتائج”.

وشدّد الشكندالي أن “تونس في وضع غير مستقر سياسيا، والمستثمر يريد ضمانات وآفاقا تمتد لمدة عشرين عاما من الاستقرار، ونسبة الغموض كبيرة ما يرفّع من نسبة المخاطر، والإدارة التونسيّة عسّرت على المستثمر بعث المشاريع”، مؤكّدا أن “هناك صراعا بين الحكومة والبنك المركزي من خلال قانون الاستثمار والزيادة في نسبة الفائدة”.

وتحتاج تونس إلى ما يزيد عن 18.5 مليار دينار (6.82 مليار دولار) لتحقيق التوازن بين نفقاتها ومواردها، بعد أن بلغ عجز الموازنة 7.3 في المئة من الناتج المحلي.

وتعاني تونس من فجوة تمويل كبيرة مما عرقل رواد الأعمال في ظل نقص في الموارد وأزمة اقتصادية حادة، فضلا عن بيروقراطية متجذّرة في وقت تحاول فيه الحكومة البحث عن آليات مناسبة لردم الفجوة وتشجيع الاستثمار.

ويطالب الشباب في تونس بتوفير وظائف لهم حيث تتواتر الاحتجاجات المطالبة بتوفير فرص عمل، فيما تحاول الحكومة إيجاد آليات لضمان التمويلات وحث الشباب على إطلاق المشاريع لتعزيز إيرادات الدولة المتضررة من تداعيات كورونا والأزمة السياسية التي عرقلت الملفات الاقتصادية الكبرى.

11