تعقيدات تحيط بتشكيل تحالفات في البرلمان التونسي الجديد

النواب الجدد سيتحركون في مربّع صغير يحدده مسار الخامس والعشرين من يوليو.
الخميس 2022/12/22
الأنظار تتركز على البرلمان الجديد

طبيعة النظام الانتخابي ومقاطعة معظم الطيف السياسي يطرحان تعقيدات كثيرة على التحالفات التي سيجري تشكيلها في البرلمان التونسي المقبل. لكن مراقبين وقوى سياسية تونسية يعتبران أن ذلك يمكن تجاوزه حيث أن ضعف الوجود الحزبي لا يعني غياب أطر سياسية وفكرية مشتركة بين نواب المجلس المقبل.

تونس - طرحت نتائج الانتخابات التشريعية في تونس التي جرت وفق نظام الاقتراع على الأفراد تساؤلات لدى المتابعين بشأن كيفية تشكيل تكتلات سياسية تحت قبة البرلمان، فضلا عن التوجهات والآليات المعتمدة في ذلك، خصوصا بعد القطع مع مرحلة كانت فيها الأحزاب البرلمانية تسارع إلى تشكيل تكتلات وفقا لتقارب أيديولوجي وفكري وسياسي، إمّا بمساندة السلطة أو الاصطفاف في المعارضة.

وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن فوز 23 مرشحا فقط في الدور الأول لانتخابات مجلس نواب الشعب، فيما سيتنافس أكثر من 105 مرشحين في جولة جديدة ستشمل 131 مقعدا.

زهيّر حمدي: سنتحالف مع مبادرة "لينتصر الشعب" لتشكيل كتلة سياسية
زهيّر حمدي: سنتحالف مع مبادرة "لينتصر الشعب" لتشكيل كتلة سياسية

ولأوّل مرّة في تونس، تجرى العملية الانتخابية بنظام الاقتراع على الأفراد بعد سنوات من استخدام نظام الاقتراع على القوائم الحزبية. وتنافس ألف و58 مرشحا على 161 مقعدا بمجلس النواب، في 154 دائرة انتخابية، بينهم 120 امرأة، و3 مرشحين فقط في 10 دوائر بالخارج.

ووفقا للنظام الانتخابي الجديد، لن يتمتع النواب بالحصانة بعد أن ألغى قانون الانتخابات الجديد الحصانة القانونية، ومنح المواطن حق سحب الثقة من النائب في حال عدم الإيفاء بوعوده أو التواكل في إنجاز مهمته.

ولم تنف أطراف سياسية وجود الانتماء الحزبي للنواب الجدد الذين ترشّحوا بصفتهم الفردية، حيث توجد أفكار سياسية وحزبية لهؤلاء، وستتشكل تحالفات على أساسها، معتبرين أن مبادرة “لينتصر الشعب” ستظفر بتمثيل نيابي محترم في قصر باردو.

وأفاد أمين التيار الشعبي زهيّر حمدي أنه “يوجد داخل البرلمان الجديد أفراد أو نواب متحزبون ويشتغلون باسم الأحزاب، وبالتالي التموقع في المجلس سيكون على أساس سياسي”.

وقال في تصريحات لـ”العرب”، “هناك تحالف يجمعنا مع مبادرة ‘لينتصر الشعب’ وهذا التحالف ستكون له كتلة سياسية محترمة”. وأردف حمدي “لا أعتقد أن هناك تنظيمات وكتلا ليس لها فكر سياسي موحّد، بل ستكون هناك كتل برلمانية على أساس رؤى سياسية”.

وتصدّر موظّفو وزارة التربية قائمة الانتخابات بـ273 مترشحا و230 من أعوان وإطارات وموظفي القطاع العام، و148 يشتغلون في مهن حرّة ، و142 مترشّحا من موظّفي القطاع الخاصّ.

في المقابل، تراجع عدد المترشحين من دائرة رجال الأعمال، على عكس ما تم تسجيله في المحطات الانتخابية السابقة بالبلاد.

ويعد تشكيل مجلس النواب المنتظر الحلقة الأخيرة من خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس قيس السعيد في العام 2021، والتي كان من ضمنها وضع قانون جديد للانتخابات، وقد سبقها حل البرلمان وإعادة تشكيل الحكومة، ووضع دستور جديد، فضلا عن إصلاحات تهمّ القضاء.

حاتم المليكي: المساحة المتاحة لدى النواب هي مساندة المسار الحالي
حاتم المليكي: المساحة المتاحة لدى النواب هي مساندة المسار الحالي

وقال الكاتب والمحلل السياسي، محمد ذويب “من المؤكد أن لرئيس الجمهورية كتلة خاصة بأنصار مشروعه وسيكون لها عدد مقبول كما أن بعض الأحزاب الأخرى كحركة الشعب وحركة تونس إلى الأمام التي كان لها مرشحوها لن تكون مختلفة تماما عن كتلة الرئيس نظرا للتقارب في المواقف كما أن الالتقاء مع بقية النواب يمكن أن يكون على برامج أو نقاط مشتركة”.

وأوضح ذويب في تصريحات لـ”العرب”، “عموما مازال الغموض يلف مستقبل هذا البرلمان كما أن طبيعة النظام الرئاسي ستحد كثيرا من فاعليته”.

في المقابل، يرى مراقبون أن عمل النواب الجدد سيكون في إطار مسار الخامس والعشرين من يوليو الذي يتبناه الرئيس، ولن يكون هناك نشاط سياسي حقيقي وفقا لتحالفات وبرامج مشتركة بين الكتل البرلمانية.

وأفاد الناشط السياسي، حاتم المليكي أن “المسألة السياسية بالمعنى المتعارف عليه لن تكون موجودة في المرحلة القادمة، والبرلمان سيكون مشروع الرئيس الشخصي وسيحكم بهذه العقلية، ولن يقوم بعمل سياسي حقيقي، وهذا سيغيّر من شكله وتوجهاته”.

وأضاف لـ”العرب” أن “المساحة المتاحة لدى النواب هي مساندة المسار الحالي، وستكون هناك تكتلات بمعنى تقسيم الأدوار داخل البرلمان، لأنه ليس نتاج توافق بل تأسّس بحكم المرسوم117 ومصيره محكوم بالرئيس”.

وتابع المليكي “من الناحية التقنية الإجرائية يمكن أن تتشكّل كتل على أساس المناصب داخل البرلمان، وليس حول البرامج السياسية، وفي كل الحالات النواب سيتحركون في مربّع صغير”.

وشهدت الانتخابات مقاطعة أحزاب سياسية، بينها حركة النهضة التي كانت تقود تيار الإسلام السياسي في البلاد، فضلا عن أحزاب قلب تونس، وائتلاف الكرامة، والتيار الديمقراطي، والحزب الدستوري الحر الذي يمتلك شعبية واسعة.

محمد ذويب: طبيعة النظام الرئاسي ستحد كثيرا من فاعلية البرلمان
محمد ذويب: طبيعة النظام الرئاسي ستحد كثيرا من فاعلية البرلمان

وكانت تلك الأحزاب المكون السياسي للبرلمان الذي تم حلّه في 2021، فيما تشارك في الانتخابات الحالية قوى سياسية ومدنية أخرى مثل ائتلاف “لينتصر الشعب”، وحركة “شباب تونس الوطني”.

وشهدت الجولة الأولى من الانتخابات جدلا واسعا في ظل ضعف التصويت الذي لم يتجاوز 11.2 في المئة، وهو ما اعتبرته المعارضة انتكاسة لمسار الخامس والعشرين من يوليو وذهبت حد المطالبة برحيل الرئيس سعيد.

وفسر رئيس هيئة الانتخابات، فاروق بوعسكر أسباب التصويت الضعيف بالتغيرات في المنظومة الانتخابية القائمة على الأفراد وليس القوائم كما كان في السابق، وبالطبع فغياب المال الفاسد كان له دور حيث كان السمة الأساسية للانتخابات الماضية بزيادة نسب المشاركة، حيث قال “العملية كانت شفافة ونظيفة تماما”.

وينص القانون الانتخابي الجديد على أنه “إذا تقدم إلى الانتخابات مترشح واحد في الدائرة الانتخابية، فإنه يصرح بفوزه منذ الدور الأول مهما كان عدد الأصوات التي تحصل عليها”.

وجاء في القانون أيضا أنه “إذا تحصل أحد المترشحين في الدائرة الانتخابية الواحدة على الأغلبية المطلقة من الأصوات في الدور الأول، فإنه يصرح بفوزه بالمقعد”.

ويتم المرور إلى الدور الثاني إذا لم يحصل أيّ مترشح في الدور الأول على الأغلبية المطلقة (50 في المئة + 1)، وفي هذه الحالة يكون الدور الثاني بين المترشحين اللذين حصلا على أكبر نسبتين من الأصوات بالدور الأول، شرط إجراء الدور الثاني في أجل لا يتجاوز أسبوعين من تاريخ الإعلان عن النتائج.

4