تظاهرة فنية تحاول تحقيق الربيع في بيروت

كلما شارف الشتاء على الانتهاء يعود النظر إلى بيروت، العاصمة العربية التي تمرست في تحولاتها المُقلقة على اجتراح عوالم موازية لها تعجّ بشتى أنواع النشاطات الفنية، خاصة التشكيلية منها. ويأتي بهذه المناسبة معرض يجمع العشرات من الفنانين اللبنانيين احتفاء بالربيع وتمهيدا لعودة الحياة الثقافية تدريجيا بعد تحسن الوضع الصحي وانحسار تفشي فايروس كوفيد – 19.
افتتحت "نقابة الفنانين التشكيليين للرسم والنحت" و"جمعية الفنانين التشكيليين للرسم والنحت" و"نقابة الموسيقيين" معرضا فنيا كبيرا في يوم الوطني للفن التشكيلي. وتم الافتتاح في صالة الأونيسكو الثقافية - الفنية الرحبة في قلب بيروت وذلك في الخامس والعشرين من شهر فبراير الماضي ليتواصل إلى بداية شهر مارس الحالي.
و”معرض عيد الفن التشكيلي” هو حدث فني لافت يجري اليوم في قلب بيروت وتحتضنه صالة الأونيسكو الفنية – الثقافية التابعة لوزارة الثقافة في فترة زمنية “ما قبل ربيعية”، إذا صحّ التعبير. وهي فترة يعرفها كل أهل بيروت بشكل خاص ولبنان بشكل عام حين يتم التفاوض بوتيرة عالية كل سنة أكثر من سابقتها ما بين فصل الشتاء وفصل الربيع.
وفي حين يحاول الثاني أن يفرض ذاته مبكرا ولجوجا في رائحة الجوّ العام وعبر تبرعم الأشجار والأزهار
البرية يقوم الأول، أي الشتاء بطمس جهود الأول تحت زخات المطر الغزيرة. هو زمن يناسب كثيرا هذا المعرض المُقام، إذ أنه محاولة “لتحقيق” الربيع عبر خرق فني كثيف بألوانه وأساليبه المتعددة والمختلفة للحف الشتاء الغليظة بكل ما تحمل معنويا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا لشعب ضاق ذرعه بالأيام الداكنة والرتيبة والقابعة على النفوس كالقدر المحتوم.

"معرض عيد الفن التشكيلي" المُقام محاولة "لتحقيق" الربيع عبر خرق فني كثيف بألوانه وأساليبه المتعددة والمختلفة
يضم المعرض ألف لوحة لأكثر من 114 فنانا تشكيليا من مشارب مختلفة.
منهم من هو مخضرم ومنهم من هو فنان حديث التجربة ويتمتع بموهبة عالية ومنهم من هو هاو مهتم بالفن التشكيلي.
وساهم هذا المعرض في توطيد الأواصر بين الفنانين وتقديم الفنانين الجدد والهواة إلى بعضهم بعضا وإلى الفنانين المكرسين.
ويجدر الذكر في هذا السياق أن المسؤولين عن تنظيم المعرض قد أحسنوا في توزيع الأعمال بشكل يسهل على المتفرج التنقل بينها دون أن يؤدي ذلك إلى نوع من الفوضى اللونية التي غالبا ما تحدث في المعارض الضخمة التي تحتاج وقتا طويلا وصبرا عظيما لتنظيمها بالشكل المُلائم.
وبالرغم من الجهد الواضح في تصميم المعرض ذكر بعض المشاركين أن الجو الذي طغى على الصالة في ليلة الافتتاح مع حيويته ومداه المُشرق جعل من الصعب التمعن في كافة الأعمال لذا عاد الكثيرون من الفنانين وزائري المعرض إلى الصالة مجددا في الأيام التالية للنظر والتروي أمام مروحة متنوعة جدا من الأعمال الفنية.
ويُذكر أن الصالة الحاضنة لهذا الحدث كانت تنشط سابقا بورشات ثقافية متنوعة وبمعارض تشكيلية كثيرة ضمت أعمالا لفنانين تشكيليين لبنانيين وعرب وأجانب بالتعاون مع سفارات الدول الغربية والمنظمات الثقافية العالمية في زمن ليس بعيد كثيرا قبل أن تخفت وتيرة العرض فيها وصولا إلى حدود شبه التوقف الكليّ عن العرض. وتجدر الإشارة أيضا إلى الحشد الثقافي الفني الذي شهدته ليلة الافتتاح البعيد عن “الرعاية” السياسية إلا من وزير الثقافة القيّم على الصالة، وكان ذلك من مصلحة هذه المُظاهرة بعيدا عن الجوّ المسموم في البلد.
والملفت في هذا السياق أنه منذ فترة طويلة لم تعش الساحة الفنية لا هذا الزخم ولا الحضور الجسدي للأكثرية الساحقة للفنانين المشاركين في هذه التظاهرة لذا قد يبدو معرضا تشكيليا كبيرا كهذا وجامعا للمئات من الأعمال الفنية التشكيلية في مدينة بيروت اليوم حدثا سورياليا بعض الشيء. فالزمن هو زمن النكبات المتلاحقة والمتنوعة التي يحاول أهل البلد، وكالعادة تجاهل أثرها في نفوسهم وأجسادهم على السواء. لكن هذه هي بيروت كما كونت لذاتها شخصية عبر الأزمنة وربما ينطبق ذلك أيضا على كل العواصم العربية المجاورة التي تنبض فيها الحياة تحت طبقات مهترئة من الموت الممنهج.
وأكد ذلك الفنان التشكيلي – التعبيري نزار ظاهر (رئيس نقابة التشكيليين اللبنانيين) حيث قال إن المعرض “تتويج لجهود جبارة وهو أبلغ دليل على أن بيروت هي مدينة للحياة بامتياز. فاللوحات الشديدة الاختلاف فنيا التي تتوزع على جدران الصالة هي أشبه بتوقيع جماعي على خارطة الأمل وهي مجموعة رايات تخفق في سماء المدينة سلاما وجمالا وثقافة. وكلها تشكل موحدة راية بيروت الحقيقية كما كانت وكما ستظل دوما” ولو كره الكارهون.
ونذكر من الفنانين المشاركين هواة كانوا أم مكرسين: الفنان التشكيلي محمد شرف والفنانة هدى بعلبكي والفنانة نور بلوق والفنان شارل خوري والفنان نزار ظاهر والفنان جوزيف الفالوغي والفنان شوقي شمعون والفنانة ريتا كيروز والفنانة مهى أبوشقرا والفنان فيصل سلطان. والفنانة خولة عبيد والفنانة خولة الطفيلي والفنانة هنى عبدالخالق والفنانة منى عزالدين والفنان حبيب ياغي والفنانة دعد أبي رعد دسوقي والفنانة غادة الريس والفنانة دلال ترحيني.
ولعل ما أعطى لهذه التظاهرة عبقا خاصا هو تكريم 8 فنانين مهمين راحلين من تاريخ لبنان الفني وقد علقت ثماني لوحات منتقاة من أعمالهم الغزيرة على الجدار الواجهة وأضيئت الشموع لذكراهم. وهؤلاء هم الفنان مجمد قدورة والفنان عبدالحميد بعلبكي والفنان سمير أبي راشد والفنان وجيه نحلة والفنان محمد غالب والفنان عماد أبوعجرم والفنان هاروط طوروسيان والفنان إلياس ديب.

