تطمينات فرنسا لا تقنع مالي بالتخلي عن فكرة الاستعانة بفاغنر

بعد اعتراضها على تعاون محتمل بين مالي ومجموعة فاغنر الروسية، تحاول فرنسا احتواء التوتر مع المجلس العسكري وطمأنته بمواصلة التزامها الأمني وعمليات مكافحة الإرهاب في البلاد، غير أن هذه التطمينات لا تبدو كافية لإقناع باماكو بالتخلي عن هذه الفكرة تحسبا لتداعيات الانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل.
باماكو - لا تكفي تطمينات فرنسا بأن التزامها إزاء مالي مستمر رغم التعديلات على الأوضاع العسكرية، لإقناع باماكو بالتخلي عن فكرة الاستعانة بمجموعة فاغنر الروسية في مواجهة التهديدات الإرهابية المتوقع أن تزداد وتيرتها مع رحيل القوات الفرنسية.
وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي، خلال زيارة لمالي الثلاثاء، إن التزام فرنسا بمكافحة الإرهاب في مالي لا يزال قائمًا.
وأضافت بارلي بعد محادثات مع نظيرها المالي الكولونيل ساديو كامارا “سنعدل وجودنا العسكري في منطقة الساحل ولكن لنكن واضحين: نحن لا ننسحب وسنواصل عمليات مكافحة الإرهاب”.
كما زارت بارلي قاعدة جاو العسكرية، إحدى القواعد التي تتمركز فيها القوات الفرنسية المشاركة في عملية مكافحة الإرهاب في رسالة طمأنة للمجلس العسكري والشارع المتوجس من تداعيات الفراغ الأمني الفرنسي على استقرار بلاده.
وتحارب فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في مالي، الجماعات الإرهابية الإسلاموية في منطقة الساحل مترامية الأطراف من خلال عملية برخان. وينتشر حاليا نحو 5100 جندي فرنسي.
وتريد باريس احتواء التوتر مع المجلس العسكري الذي يعتزم الاستعانة بمجموهة فاغنر، وتنظيم الانتخابات في فبراير حسب ما ذكرته تقارير إعلامية.
ولم تخف باريس انزعاجها من وصول مرتزقة روس إلى مالي، حيث من شأن هذه الخطوة أن تقوض عملياتها المستمرة منذ عشر سنوات لمكافحة الإرهاب والتصدي لمقاتلين لهم صلة بتنظيمي القاعدة وداعش في منطقة الساحل الأفريقي، في حين ستتحول موسكو إلى خصم قوي وستدخل على خط منافسة النفوذ الفرنسي المتراجع في أفريقيا.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها فرنسا قلقها من الدور الذي تلعبه مجموعة فاغنر، فقد سبق أن أبدت انزعاجها من الدور الذي تلعبه المجموعة في دول مثل أفريقيا الوسطى.
وفيما يشكل وصول المرتزقة الروس إلى مالي بمثابة خط أحمر بالنسبة إلى فرنسا حسب المتابعين، حيث في مثل هذه الحالة فإنه من الممكن لباريس نقل قواتها إلى دولة النيجر المجاورة، إلا أن المجلس العسكري يطلب من شركائه الأوروبيين وخاصة باريس تفهما أفضل للوضع.
فلورنس بارلي: التزام فرنسا بمكافحة الإرهاب في مالي لا يزال قائمًا
وقال الرئيس الانتقالي الكولونيل آسيمي غويتا الذي يتعرض لضغوط من شركاء مالي وخصوصًا من فرنسا ودول غرب أفريقيا إنه يتوقع منهم “قراءة أفضل للوضع” في بلاده.
وامتنع غويتا الذي قاد انقلابين عسكريين في أغسطس 2020 ومايو 2021 عن التعليق على إجراء انتخابات يُفترض أن تعيد السلطة إلى المدنيين في الموعد المقرر في فبراير 2022، في خطاب نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي بمناسبة الذكرى 61 لاستقلال مالي، الأربعاء.
ويخضع المجلس العسكري في مالي لضغوط من المجتمع الدولي للالتزام بموعد تنظيم الانتخابات، بينما تتزايد الشكوك بشأن احترام هذا الجدول الزمني، كما توسعت دائرة الدول المعارضة لاستجلاب المجلس مرتزقة روس إلى البلاد.
وتطرق غويتا في خطابه إلى “جملة من التحديات الأمنية” التي تواجهها البلاد. وقال إن هذا الوضع يستدعي “مرة أخرى، دعوة شركائنا لقراءة أفضل للوضع في مالي التي تشهد أزمة عميقة متعددة الأبعاد”.
وانضم الاتّحاد الأوروبي إلى فرنسا وألمانيا في تحذير باماكو من مغبّة التعاون مع مجموعة الأمن الروسية الخاصة.
وسبق لباريس وبرلين أن حذّرتا من أنّ استعانة باماكو بمجموعة فاغنر لتدريب القوات المسلّحة المالية وضمان أمن قادة البلاد من شأنه أن يدفعهما لإعادة النظر في مشاركتهما العسكرية في مالي.
وجددت بارلي الإثنين هذا التحذير فقالت بعد لقاء مع نظيرها المالي بأنها بحثت معه هذه المسألة و”شددت على أنه في وقت لم يسبق أن حشدت الأسرة الدولية مثل هذه الأعداد لمكافحة الإرهاب (في الساحل)، فإن خيارا كهذا سيكون خيار العزلة”.
أمّا الأمم المتحدة، التي لديها نحو 15 ألف جندي من قوات حفظ السلام في مالي، فشدّدت من جانبها على أنّ أيّ شراكة بين حكومة وقوات عسكرية أجنبية يجب أن تحترم حقوق الإنسان.
وأوضح مسؤولون ماليون أنهم يرفضون أن يُملى عليهم ما يفعلونه متحدثين عن توجه فرنسا نحو خفض وجودها العسكري في منطقة الساحل. وقالوا أيضًا إنه لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق مع فاغنر.
من جانبها، ترفض مجموعة دول غرب أفريقيا تمديد الفترة الانتقالية في مالي وطالبت المجلس العسكري بأن يزودها بحلول نهاية أكتوبر بجدول زمني للخطوات الأساسية قبل الانتخابات.
واعتمدت المجموعة مبدأ العقوبات الهادفة ضد كل من تقوض أفعالهم الامتثال للجدول الزمني.
وأكد غويتا في خطابه رغبته في “إعادة بناء الأسس” في مالي.
وأشار إلى تنظيم الانتخابات كأحد أهداف الحكومة، من دون الخوض في المزيد من التفاصيل. وهو يعيد البداية الحقيقية لمشروعه إلى الانقلاب الثاني في مايو 2021، وليس إلى الانقلاب الأول.
وقال “منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، تتابع بلادنا بثبات مسيرتها نحو إعادة بناء بنيتها السياسية والمؤسسية”.
ولم تعلن الحكومة المالية حتى الآن بشكل واضح عن وجود اتصالات مع “فاغنر”، لكن رئيس الوزراء شوغيل مايغا ألمح إليها الخميس خلال كلمة في “منتدى باماكو”.
وقال “هناك شركاء قرروا مغادرة مالي.. هناك مناطق صارت مهجورة”، في إشارة إلى إعادة انتشار القوات الفرنسية في منطقة الساحل التي بدأت مغادرة جزء من مواقعها في شمال مالي للتركيز على “المثلث الحدودي” مع النيجر وبوركينا فاسو. وأضاف مايغا متسائلا “ألا يجب أن تكون لدينا خطط بديلة”؟
وأوضح قائلا “منذ يونيو قلت بوضوح شديد إنه يجب أن تكون لدينا إمكانية التطلع نحو آفاق أخرى، وأن نوسع إمكانيات التعاون من أجل السيطرة على دفاعنا الوطني”.