تصعيد ضد المهاجرين في تونس يثير استياء حقوقيا

مطالب بتدخل السلطات والحسم قانونيا في وضعيات المهاجرين.
الخميس 2023/07/06
لماذا يتجه المهاجرون نحو صفاقس؟

أعربت أطراف حقوقية في تونس عن قلقها من طرق تعامل المواطنين مع المهاجرين الوافدين من دول جنوب الصحراء على مدينة صفاقس الساحلية في الأيام الأخيرة، وطالبت بتدخل السلطات العاجل لتطويق الأزمة واتخاذ التدابير القانونية اللازمة.

 تونس - أثار طرد عدد من المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء من مدينة صفاقس التونسية (شرق) إثر أحداث عنف أسفرت عن وفاة أحد السكان المحليين، استياء واسعا من قبل شخصيات ومنظمات حقوقية واجتماعية في البلاد.

واستنكرت أطراف حقوقية طرق تعامل المواطنين التونسيين مع المهاجرين الأفارقة والتصادم معهم، معتبرة أنها أساليب تغذي العنصرية وتؤسس لخطاب الكراهية ورفض الآخر، وحمّلت في الآن نفسه السلطات مسؤولية تفاقم الأوضاع وعدم التدخل منذ البداية لاحتواء الأزمة.

ويأتي ذلك في وقت جدّد فيه الرئيس التونسي قيس سعيد رفضه أن تكون تونس منطقة عبور أو أرضا لتوطين الوافدين الأفارقة عليها.

وتعرض العشرات من المهاجرين الأفارقة إلى عمليات طرد من مدينة صفاقس والتي شهدت ليلة أخرى من العنف إثر وفاة أحد السكان في صدامات مع مهاجرين غير قانونيين، وفقًا لشهادات وصور تم بثها على الإنترنت.

وتقع مدينة صفاقس على بعد نحو 270 كيلومترا جنوب تونس العاصمة، وقد شهدت الثلاثاء مقتل شاب تونسي على يد عدد من المهاجرين الأفارقة، ما أثار سيلًا من ردود الفعل العنصرية المطالبة بطرد المهاجرين غير القانونيين من المدينة، وهي أهم نقطة عبور لهم عبر البحر في اتجاه السواحل الإيطالية.

رمضان بن عمر: الشرطة نقلت العديد من المهاجرين إلى مبنى معرض صفاقس
رمضان بن عمر: الشرطة نقلت العديد من المهاجرين إلى مبنى معرض صفاقس

وتجمّع المئات من السكان في عدة أحياء بهذه المدينة الساحلية وفي الشوارع طوال الليل مطالبين بمغادرة جميع المهاجرين غير القانونيين على الفور.

وأغلق البعض الشوارع وأضرموا النار في إطارات مطاطية للتعبير عن غضبهم بعد مقتل مواطن يبلغ من العمر 41 عاما طعنا في صدامات ليل الاثنين مع مهاجرين من جنسيات دول أفريقيا جنوب الصحراء.

وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عناصر شرطة وهم يطردون العشرات من المهاجرين من منازلهم وسط هتافات سكان المدينة، قبل تجميعهم في سيارات الشرطة.

كما أظهرت مقاطع أخرى مهاجرين على الأرض وأيديهم على رؤوسهم ومحاطين بعدد من السكان في انتظار وصول الشرطة لتسلّمهم.

واستنكرت شخصيات ومنظمات حقوقية طرق التعامل مع المهاجرين، محمّلة السلطات مسؤولية تفاقم الأوضاع، وسط مطالب بالتسريع في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد من لا يملكون هويات ووثائق قانونية تثبت وجودهم في تونس.

وأفادت نجاة الزموري النائبة الأولى للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن “المسألة أصبحت مريبة جدا”، متسائلة “لماذا يحدث هذا في مدينة صفاقس؟ من المؤكد أن هناك أطرافا تقف وراء تدفق هذا العدد الهائل من المهاجرين في ولاية بلا والِِ (محافظ) منذ أشهر، فضلا عن انسحاب قوات الأمن من أحياء المدينة”.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “تواجد المهاجرين في صفاقس وتونس عموما لا بدّ أن يكون قانونيا، لكن الآن لا نعرف جنسيات أغلبيتهم، وهذا ما يمكن أن يربك الوضع الأمني والمؤسسات ويشجع في المقابل على انتهاك حقوق المهاجرين”.

القيود الأوروبية على حرية تنقل المهاجرين الذين لا يتمتعون بالحق في العمل ولا بأفق واضح في تونس ستدفع إلى المزيد من التوتر الاجتماعي في صفاقس

وحمّلت الزموري “المسؤولية رأسا للدولة في التعامل مع الظاهرة منذ البداية”، مشدّدة على أن “من وضعيته قانونية يمكن أن يبقى، ومن لا يملك هوية قانونية أو نشاطا مرخّصا له في تونس لا يمكن أن نتعامل معه بهذه الطريقة وهناك عنصرية كبيرة وخطيرة، ويفترض أن تأخذ الدولة الإجراءات اللازمة منذ البداية”.

وتابعت الناشطة الحقوقية “لا بدّ من رؤية واضحة وقرارات فعّالة في التعامل مع الهجرة، فضلا عن خطاب لمصارحة الشعب وهل أن تونس ضحية ابتزاز أوروبي، كما يبدو أنه توجد أطراف من داخل أجهزة الدولة أو سياسية تدفع نحو المواجهة المباشرة بين المواطنين والمهاجرين”.

من جهته قال الناطق الرسمي باسم منظمة “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” رمضان بن عمر لفرانس برس إن الشرطة نقلت العديد من المهاجرين إلى مبنى “معرض صفاقس” في انتظار نقلهم إلى مكان آخر.

ونُقل مهاجرون آخرون إلى منطقة قريبة من الحدود الليبية بحسب بن عمر الذي لم يتمكن من تحديد العدد الإجمالي للمهاجرين المطرودين من صفاقس.

وكتب الموظف بقسم الإسعاف بمستشفى صفاقس لزهر ناجي على صفحة “سيّب التروتوار (أخل الرصيف)” على موقع فيسبوك “ليلة دامية تقشعر لها الأبدان.. كبار وصغار ونساء.. منهم من سقط من أسطح المنازل ومنهم من ضُرب بالسيوف.. ليلة دامية ومنعدمة الإنسانية”.

وتقول منظمات حقوقية إن القيود الأوروبية على حرية تنقل المهاجرين الذين لا يتمتعون بالحق في العمل ولا بأفق واضح في تونس ستدفع إلى المزيد من التوتر الاجتماعي في صفاقس.

ويحتج سكان صفاقس بانتظام على وجود المهاجرين غير القانونيين في مدينتهم مطالبين برحيلهم. وغالبا ما تقع اشتباكات سواء كلامية أو جسدية في الأحياء الشعبية من المدينة حيث يقيم المهاجرون.

وشجبت 23 منظمة غير حكومية محلية ودولية في بيان مشترك “خطاب الكراهية والترهيب ضد المهاجرين (من أفريقيا جنوب الصحراء) المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي والذي يساهم في التعبئة ضد الفئات الأكثر ضعفا ويؤجج السلوك العنيف ضدهم”.

وفي نهاية مايو الماضي قُتل مهاجر من بنين طعنا في هجوم نفذته مجموعة من الشبان التونسيين في أحد أحياء صفاقس الشعبية.

ويتمسّك الرئيس التونسي برفضه أن “تصبح البلاد منطقة عبور أو أرضا لتوطين الوافدين الأفارقة عليها”.

وأشار سعيد إلى “وجود شبكات إجرامية تعمل في تجارة الهجرة” وذلك خلال لقائه بوزير الداخلية التونسي كمال الفقي في مقر الوزارة، حيث اجتمع مع عدد من قيادات الأمن لمناقشة الوضع في مدينة صفاقس.

وكان الرئيس التونسي قد أكد الشهر الماضي أن بلاده “لن تقبل بتوطين المهاجرين على أراضيها، وأن تكون حارسًة لحدود أوروبا”.

وعقد سعيّد في قصر قرطاج مؤخرا اجتماعا مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، ورئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني.

وقدم الزعماء الأوروبيون حزمة استثمارية كبيرة، ووعدوا ببذل جهود دبلوماسية لمساعدة تونس في الحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لتمكينها من تخفيف أزمتها المالية الحادة.

وتعيش تونس أزمة معقدة مترتبة على الوضع الاقتصادي الصعب، وتفاقمها موجات الهجرة غير الشرعية المتزايدة، في ظل مساعي الاتحاد الأوروبي لتحويلها إلى منطقة عازلة.

4