تصعيد جديد بين نقابة التعليم الأساسي ووزارة التربية في تونس

تونس - دعت الجامعة العامة للتعليم الأساسي في تونس السبت، إلى مقاطعة المشاركة في عملية التعيينات التي تقوم بها وزارة التربية لسد الشغور في إدارات المدارس، في خطوة يرى مراقبون أنها تحمل تصعيدا واضحا من الطرف النقابي قبل انطلاق السنة الدراسية.
وجاء ذلك في بيان أصدرته النقابة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية في تونس) بعد إعفاء عدد من مدراء المدارس على خلفية التزامهم بقرار رفض تسليم نتائج التلاميذ.
وكانت وزارة التربية في تونس قد توصلت سابقا من خلال الخطوات التي اتخذتها والقاضية بعزل مدراء من مهامهم وحجز رواتب عدد من المدرسين رفضوا تسليم أعداد امتحانات التلاميذ، إلى تجاوز الأزمة القائمة مع نقابة التعليم الأساسي في القطاع.
وفي 15 يوليو الماضي أعفت السلطات التونسية 350 مدير مدرسة من مناصبهم، وحجزت راتب شهر واحد لـ17 ألف معلم، على خلفية رفضهم تسليم التلاميذ معدلاتهم (كشوفات الأعداد)، فيما قال اتحاد الشغل إن الرقم ناهز 23 ألف معلم.
واعتبرت الجامعة في بيانها أن “الإعلان عن فتح باب الترشح المبدئي لمنصب مدير مدرسة دون إعلان عن قائمة المدارس الشاغرة قد يشكل مدخلا لعمليات تعيين لا تقيم وزنا لمبدأ التناظر".
ودعت "كافة الهياكل النقابية إلى الامتناع عن إمضاء أي محضر جلسة يتضمن تعيينا لمدرسة أعفي مديرها بسبب انضباطه بقرارات الهياكل النقابية في قرار برفض مد كشوفات الأعداد للتلاميذ".
وشهدت السنة الدراسية المنقضية منذ بدايتها في سبتمبر 2022 أزمة بين وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي، تعثرت خلالها المفاوضات بين الجانبين حول مطالبات بزيادة الرواتب لتتماشى مع الغلاء المعيشي ومتطلبات العيش الكريم.
وتمسكت النقابة بتنفيذ اتفاقات وُقّعت منذ عام 2019 تقضي بتمكين المدرّسين من التدرّج المهني، وبرمجة انتداب المعلمين النواب على مراحل. في المقابل، تقول وزارة التربية إنها غير قادرة على تلبية المطالب ذات التبعات المالية، وخصوصا في ظل أزمة اقتصادية كبيرة تقف الحكومة أمامها عاجزة، وأجبرتها على اتخاذ عدد من القرارات من بينها تقليص موازنات العديد من الوزارات وعدم تفعيل الاتفاقات بصيغتها المادية وإيقاف الانتدابات تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي.
ولم يخف متابعون للشأن التونسي تخوفهم من تجدد جولات الصراع بين الطرفين مع انطلاق الموسم الدراسي الجديد، وسط إقرار بكون "المعركة" أخذت أبعادا سياسية أكثر من طابعها النقابي.
وقال المحلل السياسي منذر ثابت إن "قطاع التعليم تحول إلى موضوع رهان بين الدولة ورأس المال الخاص، وهناك مراهنة للحطّ من مستوى التعليم العمومي والاستثمار في هذا القطاع المربح".
وأضاف لـ"العرب" أن "النقابة طرحت جملة من القضايا المقبولة (تحسين ظروف المدرسين)، لكن منهجية العمل النقابي في علاقة بالتصعيد إلى الأقصى (حجب الأعداد بعد نهاية السنة الدراسية) كأنها توحي بأن الاستحقاق سياسي أكثر من كونه نقابيا".
واعتبر ثابت أن "العودة المدرسية بعد نحو أسبوعين ستكون عرجاء ومتوترة وستتجدد فيها المواجهة بين الوزارة والنقابة وستعرف تحولا على أكثر من صعيد”، مضيفا “لعلّهم يعودون مرة أخرى إلى حجب الأعداد، وهذا شكل احتجاجي يفترض أن يحسم قضائيا وقانونيا".
وألقت أزمة التعليم بظلالها على التلاميذ الذين يعتبرون الطرف الأكثر تضررا من الصراع المتواصل منذ سنوات، في ظل غياب الإرادة السياسية اللازمة لمعالجة الأزمة.
ويرى مراقبون أن سياسة المحاسبة التي اعتمدتها وزارة التربية نجحت في التصدي لتمرد نقابات التعليم في تونس، بعد أزمة طويلة بدأت منذ انطلاق السنة الدراسية الماضية وجعلت التلاميذ والأولياء رهائن بين الطرفين.
وأفاد الناشط السياسي نبيل الرابحي أن "التوتر في الأصل بين النقابة والوزارة هو شيء عادي بشرط ألا تتخلله بعض الحسابات السياسية، ونعلم جيدا أن المعركة انتهت العام الماضي بانتصار التلاميذ أولا، وهناك من اعتبر ذلك هزيمة للنقابة وربما هي تريد اليوم التصعيد لحفظ ماء الوجه".
وأكد في تصريح لـ"العرب" أن "كل ما هو مطلبي معقول، لكن نخشى أن تكون هناك بعض الحسابات والضغائن، والنقابة ذهبت إلى الحد الأقصى في احتجاجها وأشكالها النضالية، حيث أثارت جدلا كبيرا ولم يتقبلها الرأي العام التونسي، لكن وزير التربية عرف كيف يتعامل معها". واستطرد قائلا "أعتقد أنه لن يكون هناك تصعيد وسينتصر الحوار في نهاية المطاف وسيجلس الطرفان إلى طاولة التفاوض".
وتعد نقابتا التعليم الأساسي والثانوي في تونس من أبرز النقابات التي يراهن عليها الاتحاد العام التونسي للشغل لابتزاز الدولة، وهو ما يشكل تهديدا للمنظومة التعليمية العمومية ككل.