تصحيح المسار السوري - اللبناني: هل يؤدي إلى خارطة طريق جديدة

خارطة السياسة اللبنانية مختلفة وكل الأحداث التي جرت بعد السابع من أكتوبر من مواجهات بين إسرائيل وحزب الله والتغيير السياسي يساعد اللبنانيين في إعادة رسم سياستهم الداخلية والخارجية.
الأربعاء 2025/04/16
ملفات ساخنة وأخرى باردة

في اجتماع عُقد في سوريا، بحث رئيس الحكومة اللبنانية، نواف سلام، قبل يومين، مع الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، الملفات الثنائية بين البلدين، وأبرزها قضية المختفين اللبنانيين في السجون السورية خلال عهد الرئيس السابق بشار الأسد، إضافة إلى ملف تأمين الحدود التي شهدت توترا أمنيا متصاعدا. وجاءت هذه الزيارة، حسب المراقبين، لطي صفحة الخلافات بين البلدين، ووضع حد للصراع الدائر والخلافات السياسية والحدودية.

تعود جذور النزاع الحدودي إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حين خضعت المنطقة للانتداب الفرنسي الذي رسم الحدود بين “دولة لبنان الكبير (1920)” وسوريا. وعند استقلال لبنان عام 1943، تم اعتماد هذه الحدود التي رسمها الفرنسيون، إلا أن بعض النقاط بقيت غير واضحة أو محل خلاف. وتُعد منطقة مزارع شبعا من أبرز المناطق المتنازع عليها، حيث بقيت تحت سيطرة إسرائيل التي انسحبت من جنوب لبنان عام 2000، باعتبارها أراضٍ سورية، بينما تُصر بيروت على أنها أراضٍ لبنانية.

منذ استقلال لبنان عام 1943 وسوريا عام 1946، شابت العلاقة بين البلدين توترات دائمة لأسباب سياسية وأيديولوجية. فقد رأت النخب السورية أن لبنان امتداد طبيعي لسوريا، في حين تبنّى لبنان نظاما سياسيا واقتصاديا مختلفا. لهذا، دخلت القوات السورية إلى لبنان في سنة 1976 بحجة ضبط الأمن هناك، بعد سلسلة أحداث وقعت في بلاد الأرز، مثل الحرب الأهلية اللبنانية، والحروب المتعاقبة بين الميليشيات اللبنانية وقوات الفصائل الفلسطينية. وقد أخذ حافظ الأسد، الرئيس السوري وقتئذٍ، غطاء أميركيا من أجل التدخل لحماية السلم الأهلي في لبنان. واستغل الأسد وقوف سوريا ضد صدام حسين في حرب الخليج الثانية ممّا أدى إلى تعزيز موقفه أكثر مع الولايات المتحدة كجهة حافظة للأمن في لبنان وبمباركة أميركية.

وقد استند النظام السوري حينها إلى “القانون” لتكريس سيطرته من خلال توقيع سلسلة معاهدات رسمية بين الدولتين. ففي 22 مايو 1991، تم توقيع “معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق”، التي شرعنت الوجود العسكري السوري في لبنان، وجعلت الجيش السوري مسؤولا عن حماية لبنان من التهديدات الخارجية، وأفضت إلى تأسيس المجلس الأعلى السوري – اللبناني.

◄ لبنان وسوريا يقفان ضد حزب الله وتدخل طهران في بلديهما.. وهما جادان في الوصول إلى سلام مبني على احترام الجوار. إلا أن التدخلات الخارجية، وربما عودة إيران إلى عرقلة أي اتفاق بينهما من خلال خلاياها النائمة، وارد جدا

في الوقت نفسه، وصلت الأمور إلى حد التدخل السوري السافر في الشأن اللبناني، وذلك عندما شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي حرب “عناقيد الغضب” ضد لبنان في أبريل من عام 1996. شارك حافظ الأسد في المفاوضات نيابة عن لبنان. كما ضمت اللجنة متعددة الأطراف التي شُكلت لمراقبة “تفاهم أبريل” الناتج عن الحرب ممثلا سوريا. فيما جاء في نص الاتفاق بند كرّس “التلازم”، إذ اقترحت الولايات المتحدة “استئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، وبين لبنان وإسرائيل في وقت يتفق عليه بهدف التوصل إلى سلام شامل.” وكان النظام السوري قبل ذلك قد رسّخ عقيدة “الجيش – الشعب – المقاومة”، التي باتت السياسة الرسمية للدولة اللبنانية.

في الوضع الحالي ربما تكون أغلب الملفات العالقة بين الطرفين سهلة الحل، مثل ملف عودة اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان، وملف المفقودين. ولكن قضية ترسيم الحدود بين الطرفين من أكثر الملفات سخونة وتعقيدا. هنا قد تبدأ عودة الصراع بين البلدين المنهمكين أصلا من ويلات الحروب، وخصوصا لبنان الذي أثقلت كاهله الحروب منذ ما يزيد عن أربعة عقود حتى اليوم.

حزب الله التابع لإيران يمثل مثالا رئيسيا على التعقيد، حيث جعل من لبنان قاعدة متقدمة لإيران، مع محاولته المستمرة لفرض سيطرته على أركان الحكومة، والتدخل في كل تفاصيل المشهد اللبناني. اليوم الوضع مختلف بعد دحر حزب الله إلى ما بعد الليطاني. حزب الله، الذي كان يجول ويصول في كل لبنان، أصبح قريبا جدا من الدخول في مفاوضات مع الحكومة اللبنانية، وربما قريبا جدا من الموافقة على نزع سلاحه بعدما تخلت طهران عنه.

هذا التوجه من قبل الرئيس اللبناني مدعوم من الدولة الجارة سوريا أيضا، التي قلب النظام فيها لغير صالح إيران قبل حوالي أربعة شهور، بما يخدم تطلعات الرئيس اللبناني جوزيف عون نحو لبنان دون حزب الله. إذن، خارطة السياسة اللبنانية مختلفة عمّا قبل السابع من أكتوبر. وكل الأحداث التي جرت بعد السابع من أكتوبر، من مواجهات بين إسرائيل وحزب الله، والتغيير السياسي في لبنان، ربما يساعد اللبنانيين في إعادة رسم سياستهم الداخلية والخارجية.

المحصلة النهائية، لبنان وسوريا يقفان ضد حزب الله وتدخل طهران في بلديهما. كما أن كليهما غير معني بعودة النزاع والخصام، وهما جادان في الوصول إلى سلام مبني على احترام الجوار. إلا أن التدخلات الخارجية، وربما عودة إيران إلى عرقلة أي اتفاق بين سوريا ولبنان من خلال خلاياها النائمة، وارد جدا. فضلا عن إشكالية الحدود وتداخلها بين البلدين، مما قد يتسبب في عرقلة جهود الطرفين في رسم الحدود بينهما.

ولكن إذا توفرت النية الصادقة بين الطرفين، فقد يؤدي ذلك إلى نجاح مفاوضات ترسيم الحدود بين البلدين الجارين.

9