تصاعد التحذيرات من أسعار الفائدة السلبية العقابية

تصاعد القلق من تداعيات سباق البنوك المركزية لخفض أسعار الفائدة، الذي يدفع المصارف بشكل متزايد إلى فرض فوائد سلبية على ودائع العملاء لتمويل نفقاتها في ظل تراجع إيراداتها ويجعل خدماتها المصرفية عبئا عليها.
لندن - عبّرت الحكومة الألمانية أمس عن قلقها من اتساع نطاق فرض المصارف لأسعار فائدة سلبية على الودائع، التي يطلق عليها “الفوائد العقابية”. ولوحت باتخاذ قرارات ملزمة لمنعها.
وقال وزير المالية الألماني أولاف شولتس، إنه يدرس إمكانية إلزام البنوك بإعفاء أرصدة صغار المودعين من الفوائد العقابية، وذلك بعد طرح هذه الفكرة من قبل ماركوس زودر رئيس وزراء ولاية بافاريا.
وأكد شولتس في تصريحات نشرتها أمس مجموعة “فونكه” الإعلامية أن وزارة المالية بدأت تنظر في ما إذا كان من حق الحكومة الألمانية، من الناحية القانونية، حماية صغار المودعين من الفائدة العقابية، لكنه أقر بأن الأمر معقد ويحتاج لبعض الوقت.
وتوصف تلك الفوائد بالعقابية لأن المدخرين يترتب عليهم دفع نسبة من أموالهم مقابل إيداعها في المصارف، الأمر الذي يدفع الكثيرين للاحتفاظ بأموالهم نقدا، في أماكن سرية.
وكانت أسعار الفائدة العالمية قد انخفضت في معظم الدول المتقدمة إلى مستويات متدنية جدا بلغت الصفر في منطقة اليورو واليابان، ومستويات سلبية في بعض الدول مثل سويسرا والسويد منذ الأزمة المالية العالمية.
وفرض ذلك تحديات هائلة على المصارف التي تقلصت عوائدها بشكل كبير، بعد تراجع الودائع من قبل الأفراد والشركات.
وأدى تنامي الميل لإدخار الأموال في البيوت إلى دفع البنك المركزي الأوروبي إلى إلغاء إصدار فئة 500 يورو في يناير الماضي. وعلل ذلك بأنها تسهل عمليات نقل الأموال لأغراض غير قانونية مثل غسيل الأموال وتمويل الجماعات الإرهابية.
لكن محللين يقولون إن الهدف يكمن في تشجيع الأفراد والشركات على إيداع أموالهم في المصارف، التي تعاني من تغطية نفقاتها الإدارية في ظل تراجع إيراداتها.
وكان زودر قد أكد لصحيفة “بيلد” الألمانية الأربعاء أن ولاية بافاريا سوف تقدم لمجلس الولايات الألمانية مبادرة لاستثناء المبالغ التي تصل إلى 100 ألف يورو من دفع فوائد سالبة.
وشدد على ضرورة حظر تطبيق الفائدة العقابية على صغار المدخرين، بشكل قانوني، وطالب البنوك بتعويض نفقاتها الإدارية بطرق أخرى. وأكد أن على النظام المصرفي “أن يدعم الادخار، لا أن يعاقبه”. لكن جمعيات حماية المستهلكين لا تعول كثيرا على هذه المبادرة. وأكد كلاوس مولر، رئيس اتحاد حماية المستهلك الألماني لصحيفة أوغسبورغر ألجماينه أن “حظر الفائدة العقابية لن يكون له سوى تأثير رمزي إذا ما تم اعتماده، رغم أن نواياه
طيبة”.
وقال اتحاد المصارف الألماني أن من حق البنوك والصناديق الادخارية أن تحدد أسعار الفائدة، شأنها شأن جميع التجار الآخرين الذين يحددون أسعار خدماتهم اعتمادا على وضع السوق.
وأضاف أن “فرض قرارات لحظر الفائدة السلبي بشكل قانوني سيكون أمرا غريبا على النظام المالي ولا ينفع العملاء ويمكن أن يؤدي في النهاية إلى تهديد الاستقرار في أسواق المال”.
ويرى وزير المالية الألماني أن “الفائدة العقابية تشكل عبئا على صغار المدخرين وأن فرضها من قبل البنوك على أرصدة الحسابات الجارية ليست فكرة جيدة… من الأفضل أن تتخلى البنوك عن هذه الفائدة”.
وتجد المصارف في منطقة اليورو نفسها مضطرة لفرض تلك الفوائد العقابية، في ظل كونها ملزمة حاليا بدفع فائدة سلبية تبلغ 0.4 بالمئة على الأموال التي تحتفظ بها لدى البنك المركزي الأوروبي.
ويحاول المركزي الأوروبي من وراء ذلك إلى دفع البنوك للتوجه نحو إقراض أموالها للمستثمرين بدل الاحتفاظ بها من أجل تحفيز النمو الاقتصادي الضعيف في منطقة اليورو، لكن ذلك يضطر المصارف لتحويل تلك الفائدة السلبية إلى كاهل المدخرين لديها.
وتحصل بعض البنوك على الفائدة العقابية حاليا من أصحاب الحسابات الشخصية الجارية ذات الأرصدة المرتفعة.
وتحذر المصارف من أن الفائدة العقابية قد تتسع لتشمل المزيد من الزبائن إذا واصل البنك المركزي الأوروبي سياسة أسعار الفائدة المنخفضة.
وتقول ماريا كولاك رئيسة اتحاد مصارف فولكس بنك، إن “تلك السياسة تزيد صعوبة تحقيق المصارف لربحية مناسبة في قطاع الحسابات المصرفية” وتدفعها للتخلي عن تلك الخدمات.
ويأتي هذا الجدل في ظل سباق عالمي لخفض أسعار الفائدة وتوسيع إجراءات التحفيز النقدي لمواجهة المخاطر الناجمة عن الحروب التجارية.
وحذر صندوق النقد الدولي أمس من سعي الحكومات لإضعاف عملاتها عبر خفض أسعار الفائدة والتيسير النقدي والتدخلات في السوق، قائلا إن هذا سيضر بعمل النظام النقدي العالمي ويتسبب في معاناة لجميع الدول.
وأشارت وكالة بلومبيرغ إلى أن رأي الصندوق يتعارض مع موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يطالب بخفض أسعار الفائدة الأميركية، خاصة بعد اتهامه للصين بتعمد تخفيض قيمة عملتها المحلية لتجاوز تأثير الرسوم التي فرضتها واشنطن على السلع الصينية.