تشظي التيار الديمقراطي انعكاس لأزمة الأحزاب في تونس

تونس - تأثرت معظم الأحزاب السياسية في تونس بشكل كبير بتداعيات مسار الخامس والعشرين من يوليو وما تضمنه من إجراءات تعكس رفض الرئيس قيس سعيد وجود أجسام وسيطة بين الشعب والسلطة السياسية.
ويعد حزب التيار الديمقراطي، الذي كان ضمن منظومة الحكم في تونس خلال السنوات العشر التي أعقبت سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وشارك في الائتلاف الحكومي ونال حقائب وزارية، أحد أبرز المتضررين بعد موجة الاستقالات والخلافات الداخلية التي عصفت به جراء تباينات حول كيفية التعامل مع المرحلة الراهنة.
وكشف هشام العجبوني القيادي في حزب التيار الديمقراطي أنه تم انتخاب نبيل حجي أمينا عاما جديدا للحزب خلفا لغازي الشواشي الذي كان قدم استقالته في وقت سابق.
وكتب العجبوني في تدوينة نشرها بصفحته على فيسبوك "انتخاب الصديق نبيل حجي أمينا عاما للتيار.. المهمة جسيمة ولكنني متأكد من أنه سيكون في مستوى المسؤولية ومستوى الآمال". وتواترت الاستقالات من الحزب في الآونة الأخيرة، وتراوحت أسبابها بين من يرى أن الحزب لم يعد يتوفر على أرضية ملائمة لحل المسائل السياسية، ومن يعتبر أن العائلة الديمقراطية في حاجة إلى مراجعات عميقة من أجل تطوير أساليب العمل السياسي.
وسبق أن أعلن الشواشي، في تدوينة له بصفحته على فيسبوك، استقالته من الأمانة العامة للحزب، التي تولاها إثر اسقالة محمد عبو. وبرر الشواشي هذا القرار بـ"أن الإطار الحزبي لم يعد يوفر الأدوات الضرورية للمساهمة في حل الأزمة الخطيرة التي تمر بها تونس"، مؤكدا أنه "سيواصل العمل في الشأن العام بالمساهمة في فتح أفق أرحب يجعل من البحث على الحل محور أي تفكير أو عمل"، وفق نص الاستقالة.
بدوره أعلن النائب السابق مجدي الكرباعي الاستقالة من الحزب، دون أن يذكر سبب هذا القرار. وكان الكرباعي، نائبا عن دائرة إيطاليا في برلمان 2019، وعرف بكشفه لقضيّة النفايات الإيطاليّة ومساندته لقضية المهاجرين غير النظاميين.
كما أعلن القيادي في التيار الديمقراطي والوزير الأسبق محمد الحامدي استقالته من الحزب قائلا "أؤكّد قناعتي الراسخة بالديمقراطية الاجتماعية خيارا أمثل لمستقبل البلاد.. أنا على يقين بأن الحياة الحزبية هي عماد الديمقراطية في مواجهة الاستبداد والشعبوية". واعتبر الحامدي أنّ "أحزاب العائلة الديمقراطية في حاجة إلى مراجعة عميقة للتصورات وأساليب العمل وأشكال التنظيم وسبل التجذر في الأوساط الشعبية، وأنّه سيواصل العمل من أجل بناء حالة سياسية وتنظيمية ديمقراطية اجتماعية جادة ووازنة وانفتاحه على كل جهد في هذا الاتجاه".
وشهد الحزب سلسلة من الخلافات تعلقت أساسا بالقيادة واتخاذ القرارات داخله، كما لم ينجح التيار في الحفاظ على تموقعه السياسي خصوصا بعد الوصول إلى السلطة والمشاركة في مكونات الائتلاف الحكومي في عهد إلياس الفخفاخ.
وأفاد الناشط السياسي نبيل الرابحي أن "التيار الديمقراطي الذي هو سليل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي كان يرأسه الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي شهد عدة خلافات”. وقال الرابحي لـ"العرب"، "الخلاف القديم المتجدد بين آل عبو والبقية أثر على نشاط الحزب عندما انسلخوا عن المؤتمر، فضلا عن الخصومة بين عماد الدايمي وآل عبّو"، لافتا إلى أن “محمد عبو كان وزير الإصلاح الإداري وشارك باسم التيار في حكومة إلياس الفخفاخ".
وتابع الرابحي "الانقسامات والتراجع لم يعودا حكرا على أحزاب اليسار، بل إن كل الأحزاب في حاجة إلى القيام بمراجعات عميقة بعد إجراءات الرئيس سعيد في يوليو 2021، فضلا عن كون الرؤية السياسية الكلاسيكية انتهت، والعمل السياسي التقليدي لم يعط أي إضافة".
وأوضح الرابحي "الأجسام الوسطية التي يرفضها أصلا الرئيس سعيد لم يعد لها مكان في المشهد، والأحزاب الأيديولوجية والفكرية انتهت، وأصبحنا نتحدث عن أحزاب براغماتية”، مضيفا “التيار بنى نشاطه على محاربة الفساد، وأصبح ذلك من مشمولات الرئيس سعيد، وبالتالي على الحزب أن يسعى إلى تطوير أفكاره وخطابه من جديد”.
وفي وقت سابق، قال القيادي في الحزب هشام العجبوني إنه “لا يوجد أي مبرّر للاستقالات التي قدمها عدد من زملائه السابقين من الحزب، خاصة بعد الصفعة التي تلقاها رئيس الجمهورية ، بعد انتخابات 17 ديسمبر 2022". وأضاف في تصريح لإذاعة محلية، "زدنا تقسيم المقسّم والوقت ليس وقت فتح دكاكين جديدة”، لافتا إلى أن “الظرف الحالي يستوجب تقديم مشاريع بديلة للتونسيين بعد فقدانهم الثقة في الأحزاب السياسية".
وتؤكّد أطراف سياسية أن تراجع نشاط الأحزاب لم يكن حكرا على بعضها، بل جاءت مرحلة 25 يوليو 2021 لتزيح الأجسام الوسيطة في علاقة المواطن بالسلطة.
وقالت شيراز الشابي النائبة بالبرلمان السابق إن “التيار الديمقراطي اشترط عدم مشاركة قلب تونس في حكومة الفخفاخ، وشخصياته شاركت في عدة حكومات”، مستدركة “لكن كل الأحزاب تراجعت سياسيا والآن كل الحلول بيد الرئيس”. وأضافت في تصريح لـ”العرب”، “بعد 25 يوليو تمت إزاحة الأحزاب بأكملها بما فيها أحزاب اليسار والتيار الديمقراطي، وبقيت حركة النهضة تتحرك نسبيا باعتبارها حزبا عقائديا”.
وفسّر مراقبون تراجع الحزب سياسيا بانعدام الثقة المتنامي بين الشارع والسلطة، ما أدّى إلى رفض منظومة الأحزاب برمتها حتى التي تمتلك خزانات شعبية وسجّلا سياسيا في السلطة أو في المعارضة.
وقال المحلل السياسي باسل الترجمان إن “الأزمة الحزبية في تونس لا تنحصر في اليسار أو اليمين، بل هناك انعدام ثقة مطلقة من قبل الشارع، والتيار الديمقراطي نال مصير كل الأحزاب التي شاركت في الحكم، وليست القضية في آل عبو أو غيرهم، بل هنالك موقف نقدي كامل للأحزاب”.
وأوضح في تصريحات لـ”العرب” أن “خروج الشواشي من الحزب كان أمرا متوقعا، وهو ممثل حركة النهضة في التيار الديمقراطي”. وأردف الترجمان “رفض الرئيس سعيد وقبوله للأجسام الوسيطة لا علاقة له بتمثيلية الأحزاب، والآن هذه الأحزاب تعيش قطيعة شعبية وسياسية كبيرة مع الشارع”.
وفي العام 2019 قدّم 42 عضوا ومنخرطا في حزب التيار الديمقراطي، عن جهة بن عروس (قرب العاصمة تونس)، استقالة جماعية من الحزب. واستند المستقيلون في ذلك إلى ما اعتبروها في وثيقة الاستقالة، “مراجعات معمّقة وتقييما دقيقا للتجربة”، دون التعمق في الأسباب المباشرة لهذا القرار.
ويرى متابعون أن الأحزاب في تونس فشلت في بناء مؤسسات قادرة على تطوير المشهد السياسي، ودعم التحول الديمقراطي، وأصبحت حلبة للصراع ومدخلا للانشقاقات المتتالية.
وعلى الرغم من أن بعضها يستند على إرث تاريخي، مثل الحزب الديمقراطي التقدمي، والتكتل من أجل العمل والحريات، والمؤتمر من أجل الجمهورية، إلا أن هذه الأحزاب اندثرت وفشلت في الاستمرار، وعجزت عن التحول إلى قوة فاعلة. وبات من الواضح أن أزمة الأحزاب السياسية التونسية هي عدم وصولها بعد إلى درجة النضج السياسي، وفهم معنى العمل الحزبي في بنيته العميقة.