تشديد على المراقبة الأمنية أمام المعاهد لحماية الطلاّب من آفة المخدرات

يشير خبراء علم الاجتماع إلى تزايد استهلاك المواد المخدّرة في صفوف الشباب خلال العشرية الأخيرة لافتين إلى أن استهلاك المواد المخدّرة منتشر بكثرة في المعاهد، داعين إلى ضرورة التصدي لظاهرة المخدّرات في الأوساط التربوية. بدورها دعت السلطات المسؤولة إلى تكثيف الدوريات الأمنية أمام المؤسسات التربوية لحماية التلاميذ من آفة المخدرات.
تونس – دعا الرئيس التونسي قيس سعيد إلى تسيير دوريات أمنية أمام المؤسسات التربوية لحماية التلاميذ من آفة المخدرات في ظلّ تزايد استهلاك المواد المخدّرة في صفوف الشباب خلال العشرية الأخيرة، ما ساهم في ضرب قيم المجتمع وتفكيكه.
ولا زالت الأرقام والمعطيات حول ظاهرة الإدمان في تونس غير دقيقة في ظل غياب مرصد وطني للإدمان. وسبق أن وجّه قيس سعيّد دعوة إلى وزارة الداخلية “بتسيير دوريات أمنية مستمرة أمام المدارس والمعاهد لحماية التلاميذ في محيطهم المدرسي”.
وشدّد في لقاء بوزير الداخلية المستقيل توفيق شرف الدين على “ضرورة مضاعفة المجهودات للقضاء على مروجي المخدرات على وجه الخصوص، لأن الغاية من الترويج ليست الربح المادي فقط بل أيضا ضرب المجتمع وتفكيكه، فمن انخرط في المؤامرة لتفكيك الدولة منخرط في هذه المؤامرة لتفكيك المجتمع”.
وأضاف سعيّد “كما يجب أن نحمي مؤسسات الدولة يجب أن نحمي المجتمع من هذه الظاهرة التي تزداد انتشارا وتفتك خاصة بالشباب وحتى بالأطفال”.
وأكّد عبدالرحمن الهذيلي رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على “ضرورة التصدي لظاهرة المخدّرات في الأوساط التربوية”، لافتا إلى أن استهلاك المواد المخدّرة منتشر بكثرة في المعاهد. وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “المراقبة الأمنية أمام المعاهد لا تكفي للحدّ من استهلاك المواد المخدّرة”.
ودعا الهذيلي إلى “ضرورة انخراط كل الأطراف الاجتماعية على غرار الأولياء والمدرّسين والجمعيات والمنظمات في إيجاد مقاربات مناسبة للحدّ من الظاهرة”.
وانتشرت الظاهرة بشكل مكثف خاصة مع الأزمة التي عرفتها البلاد بعد ثورة 2011، مما جعل الأسرة تشهد نوعا من التفكك إضافة إلى تراجع دورها التقليدي في رعاية أفرادها.
وتشير دراسات في تونس إلى وجود نسق تصاعدي في انتشار استخدام بعض المواد المخدرة، بما في ذلك منتجات التبغ والكحول والقنب ومزيلات القلق دون وصفة طبية.
وكشفت دراسة حديثة حول “استعمال الكحول والمخدرات في الوسط المدرسي” أن نسبة 28 في المئة من التلاميذ المستجوبين اعتبروا أن تدخين السجائر متاح بشكل سهل، يليه تدخين النرجيلة بنسبة 26 في المئة.
وأوضحت الدراسة التي أعدها المعهد التونسي للصحة بالتعاون مع وزارة التربية وإدارة الصحة المدرسية والجامعية وبالشراكة مع منظمات دولية أن 20 في المئة من التلاميذ المستجوبين أفادوا بأن هناك سهولة في النفاذ إلى استنشاق المواد المخدرة، فيما أفاد 16.2 في المئة من التلاميذ أن الوصول إلى اقتناء القنب الهندي أمر سهل.
وينظر نحو 11 في المئة منهم إلى أن الحصول على مزيلات القلق والمسكنات المشتقة من المورفين دون وصفة طبية على أنها أمر سهل.
20
في المئة نسبة الزيادة في الطلب على العلاج من الإدمان، حيث أن النسبة الأكبر من المترددين على المراكز المتخصصة من الشباب والطلبة
ووفق الدراسة، تنتشر هذه السلوكيات بين المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاما. وتكشف المعطيات والأرقام حول تعاطي المخدرات في تونس أن حوالي مليوني شخص هم مدمنون على المخدرات بمختلف أنواعها.
وسبق أن كشفت الجمعية التونسية لطب الإدمان أن الجمعية سجّلت زيادة بـ20 في المئة في الطلب على العلاج من الإدمان، مشيرة إلى أن النسبة الأكبر من المترددين على العيادات والمراكز المتخصصة هم من الشباب والطلبة.
وأفاد المتخصص في علم الاجتماع العيد أولاد عبدالله أن “كل مؤشرات استهلاك المخدرات زادت في تونس، وهناك أدوية مخدرة في شكل أقراص وحقن أو مواد لاصقة عند الأطفال”.
وأكّد في تصريح لـ”العرب” على “انخفاض سنّ الاستهلاك لدى الأطفال الذي أصبح بداية من 12 و13 سنة في بعض المؤسسات التربوية، وهناك سهولة كبيرة في الحصول على تلك المواد المخدّرة بسبب سوء العلاقات والسلوكات وتزايد منسوب العنف، ما يستدعي وجود مقاربة نفسية وتربوية واجتماعية”.
وقال أولاد عبدالله “المؤسسة التربوية لم تعد جاذبة للأطفال والطلاّب، وهناك شبكات ناشطة في هذا المجال وتستهدف الأطفال أيضا بتقديم تلك المواد المخدّرة في شكل قطع حلوى ملوّنة”.
وأشار إلى وجود أكثر من 70 في المئة يتحدثون عن سهولة الحصول على المواد المخدّرة في الأحياء الشعبية، وهناك عدم تثمين لقيم التعليم والرياضة والإبداع الفني في تهذيب سلوك الأطفال، علاوة على غياب مرصد خاص بالإحصائيات الاجتماعية في هذا المجال.
وتشير المعطيات حول ظاهرة الإدمان في تونس إلى تزايد الطلب على العلاج بشكل لافت وتؤكد شمول الطلب مختلف الشرائح العمرية. وتستهدف شبكات ترويج المخدرات في تونس التلاميذ، وتعمد إلى بث سمومها في هذه الشريحة التي تعد فريسة سهلة.
وسبق أن أمضى فؤاد العوني المدير العام للمرصد الوطني للشباب مع رئيس الجمعية التونسية لطب الإدمان على اتفاقية نموذجية من أجل تعزيز التعاون لمقاومة ظاهرة الإدمان ومعالجتها من خلال برامج عمل مدروسة ومحور جلسات عمل بين لجنة القيادة المشتركة بين الطرفين.
وأكد العوني على أهمية تشبيك العمل مع الجمعيات والمنظمات ذات الاهتمام بالشأن الشبابي من أجل الاستفادة من الإمكانيات الموضوعة من طرف وزارة الشباب والرياضة والإدماج المهني على ذمة المؤسسة مع الاستفادة أيضا من الدراسات والبحوث التي أنجزها المرصد ومنها دراسة نموذجية حول الشباب والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر.
70
في المئة يتحدثون عن سهولة الحصول على المواد المخدّرة في الأحياء الشعبية
ويتم علاج الإدمان وفقا لبروتوكول طبي يتضمن العلاج النفسي والجسدي، وتدريب المريض على إعادته إلى حياته الطبيعية ونسيان أي ذكريات تربطه بالمخدر وحياة الإدمان وتشمل مرحلة سحب المخدرات من الجسم وعلاج الأعراض الانسحابية والتخلص من السلوكيات الناتجة عن الإدمان.
وأفادت درّة الدّو المتخصصة في علم النفس أن “هناك من يؤثر على الأطفال للإقبال على استهلاك المخدرات من أجل تحقيق أهداف تجارية بالأساس”.
وقالت لـ”العرب” إن “أغلب من يستهلكون المخدرات هم فئة من المراهقين الذين يعانون من ضعف نفسي وإهمال من قبل أوليائهم بحكم المسؤوليات الاجتماعية والاقتصادية”.
وأضافت الدّو أن “الظاهرة تفاقمت في السنوات الأخيرة، ولا بدّ من تشديد المراقبة داخل الأوساط التربوية، مع الدور الأمني خارج أسوار المعاهد”.
ويعاقب استهلاك المخدرات وترويجها وفق القانون عدد 52 المؤرخ في 18 مايو 1992، ومنذ عام 2011 طالب كثيرون بإلغاء القانون الذي تسبب في سجن عشرات الآلاف من التونسيين.
وينص القانون الذي صدر بداية تسعينات القرن الماضي على عقوبة سجنية بسنة لكل من يدان بحيازة حشيش أو مادة مخدرة، وخمس سنوات لمن يعيد الجريمة ذاتها، فيما تصل الأحكام بسبب الاستهلاك فحسب إلى ثلاثين عاما.
وفي مايو 2017، نُقّح الفصل 12 من القانون عدد 52، بعد احتجاجات قادها نشطاء ضد هذا القانون وسمح هذا التنقيح للقاضي بالاجتهاد والحط من العقوبة السجنية إلى ما دون المدة القانونية، فيما أبقي على الفصول الجدلية الأخرى مثل الفصل 11 الّذي ينصّ على تشديد العقوبات.
وفي فبراير 2021، قدمت كتلة الإصلاح في البرلمان مبادرة تشريعية لتنقيح القانون عدد 52 للعام 1992 من خلال إلغاء العقوبة السجنية ضد من يستهلك مادة مخدرة مرة أولى وثانية وتعويضها بخطية مالية، كما اقترحت المبادرة تعويض العقوبة السجنية في حال تكرر الاستهلاك بعقوبات بديلة، وهو مقترح قانوني تجاهلته رئاسة المجلس حتى تجميد أعماله في 25 يوليو 2021.