تسييس الحقوق المهنية يهدد الوفاق بين الصحافيين والحكومة المصرية

خشونة في خطاب نقابة الصحافيين الموجه إلى دوائر فاعلة في الدولة.
الاثنين 2025/06/02
اشتباكات السياسة والإعلام

يخشى صحافيون من تعامل نقابتهم مع ملف السجناء والحبس الاحتياطي بعقلية الحزب السياسي المعارض، على خلفية توظيفها للحكم الصادر بحبس رئيس مجلس إدارة صحيفة "الدستور" محمد الباز بتهمة السب، وتحويله إلى قضية رأي للضغط من أجل إجراء إصلاحات سياسية عاجلة، ما يُقحمها في صدام مع بعض أجهزة الدولة.

القاهرة - حمل بيان أصدرته نقابة الصحافيين بمصر حول قضية الأعضاء المحبوسين خلطا للأوراق بين ما هو مهني وما هو سياسي مرتبط بسجناء اتهموا بالتحريض، ما أثار مخاوف البعض من جر النقابة إلى معركة مع الحكومة تحت لافتة أنها “قلعة الحريات”، وتتحول تدريجيا من الدفاع عن مصالح أعضائها إلى ممارسة عمل سياسي بفكر حزبي.

ونزع تنازل نوارة نجم، ابنة الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم، عن حقها الجنائي ضد رئيس مجلس إدارة صحيفة “الدستور” محمد الباز، الأحد، فتيل أزمة كادت تتفجر بين نقابة الصحافيين ودوائر رسمية، على خلفية توظيف النقابة للحكم الصادر بحبس الباز شهرا بتهمة السب، وتحويله إلى قضية رأي للضغط من أجل إجراء إصلاحات سياسية عاجلة.

وأصدرت محكمة الجنح الاقتصادية حكما بحبس محمد الباز، بعد أن انتقد نجم، ما حمل إساءة إلى سيرته وسمعة عائلته، ثم أعلنت ابنته نوارة أنها ترفض الحبس في قضايا النشر من حيث المبدأ، معلنة تضامنها مع نقيب الصحافيين خالد البلشي لتعديل النصوص القانونية التي تسمح بذلك، وتنازلت عن حقها الجنائي المرتبط بحبس الباز.

وثمّن البلشي موقف نوارة نجم، داعيا أن تكون تلك الرسالة موجهة إلى الجميع لوقف العقوبات السالبة للحريات في قضايا النشر، وأن يلتزم الصحافيون بالقواعد المهنية وميثاق الشرف عند تناولهم الحياة الشخصية للمواطنين والشخصيات العامة، والفصل بين النقد المباح والإساءة لمن يتم تناولهم بالنقد والتقييم والرأي.

وتعامل محمد الباز مع تنازل نوارة نجم بـ”عظمة المنتصر” وقال على صفحته في فيسبوك الأحد إن هذا الموقف يخصها، وإذا كانت تعتقد أنها تنتصر لحرية الرأي وترفض حبس صحافي فهذا أيضا يعنيها، متعهدا بأن تصبح القضية فرصة لكشف زيف من يتحدثون عن الحرية ويتضامنون طبقا للألوان السياسية والفكرية.

يحيى قلاش: النقابة ليست فئوية ولا تتعامل مع الحريات بفكر شخصي
يحيى قلاش: النقابة ليست فئوية ولا تتعامل مع الحريات بفكر شخصي

وأظهرت القضية أن كل فئة تتعمد تفصيل قضية الحبس في قضايا الرأي وفق توجهاتها السياسية، وبما يتفق مع أهدافها ويخدم التيار الذي تتبعه، فالباز حاول أن يُظهر الانتصار باعتباره يمثل الحكومة ضد الابتزاز الحقوقي، ونقيب الصحافيين أراد توظيف الأزمة للضغط على دوائر برلمانية وحكومية، بما حوّل ملف الحريات إلى شعار سياسي بامتياز.

وتتبع صحيفة “الدستور” الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تملك عددا كبيرا من المؤسسات الإعلامية المحلية، ما دفع كثيرين للإيحاء بأن حكم القضاء بحبس الباز يُحسب للحكومة بأنها لم تتدخل في الأزمة وتركت القضاء يقول كلمته باستقلالية، لتأكيد أن الأحكام الصادرة في قضايا الرأي لا يتم تفصيلها وفق الانتماء السياسي للصحافي أو الجريدة، بقدر ما ترتبط بطبيعة ما كُتب من رأي قد يكون مُجرّما.

ومحمد الباز ليس عضوا في نقابة الصحافيين، لكنه حصل على العضوية ليكون ضمن جدول المنتسبين، أي ممن يطلبون الانضمام إلى النقابة ككيان يدافع عنهم، وهو في الأصل أكاديمي يدرس الصحافة للطلاب بجامعة القاهرة.

وأشار نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش لـ”العرب” إلى وجود خلط بين السب والقذف وحرية الرأي، وأن نوارة نجم قدمت درسا لمن يريد أن يفهم قضية الحريات بعيدا عن شخصنة الأمور، لأن المتجاوز ليس محصنا من العقوبة لكن العبرة في تحديد كيفية العقاب، بحيث لا يكون هناك حبس في قضايا نشر، وللأسف البعض يتعامل مع هذا الأمر وفق قناعات شخصية ضيقة.

وأعاد نقيب الصحافيين رفض النقابة للحبس في قضايا النشر، وقال إن ذلك ليس حكرًا على آراء بعينها، ولا تمييزا للصحافيين عن غيرهم، بل يمتد ليشمل جميع المواطنين، ولا يُقصد به تحصين المتهمين في قضايا النشر (صحافيين أو مواطنين) من المحاسبة، لكنه حماية للحق في التعبير وصونا للدستور، بما يمكن معه تفعيل العقوبات المدنية.

ويخشى صحافيون من استمرار تعامل النقابة مع ملف السجناء والحبس الاحتياطي بعقلية الحزب السياسي المعارض، ما يُقحمها في صدام مع بعض أجهزة الدولة لتخسر النقابة الكثير من المكاسب المادية، ما يضر بأعضائها لمجرد أن هناك أصواتا داخل مجلس نقابة الصحافيين تصر على المناكفة.

وكشفت أزمة الحكم الصادر ضد رئيس مجلس إدارة صحيفة “الدستور” عن وجود خشونة في خطاب نقابة الصحافيين الموجه إلى دوائر فاعلة داخل السلطة بشأن قضية السجناء، من الصحافيين أو غيرهم، وهو ما يثير حساسيات في توقيت سياسي حرج، عندما تستثمر تيارات مناوئة للدولة هذا الخطاب لمآرب مشبوهة.

الانزلاق السياسي يمثل خطرا على نقابة الصحافيين، وقد يضعها في مواجهة ليست مطلوبة مع الحكومة الآن

وظهر ذلك في استثمار نقيب الصحافيين قرار المحكمة بحبس محمد الباز ليعيد انتقاد دوائر حكومية قال إنها تُخالف الدستور الذي يمنع الحبس في قضايا النشر، وهو ما رد عليه وزير الشؤون النيابية محمود فوزي قبل أيام بأن الدستور يُجرّم التحريض على العنف وأقرّ عقوبات سالبة للحرية في جرائم نشر تحمل تحريضا وعنفا وسبًا.

وأقحم البلشي قضية الناشط السياسي علاء عبدالفتاح المحبوس بتهمة نشر أخبار كاذبة عندما كان يتحدث عن ملف سجناء الرأي، ما أثار حفيظة بعض الصحافيين، باعتبار أن النقابة ليس دورها أن تتحول إلى حزب أو منظمة حقوقية تندد وتطالب بالعفو عن سجين جنائي، أو تخلط الأوراق بين ما هو مهني وما هو سياسي.

ودرج نقيب الصحافيين على التعامل مع أجهزة الدولة بأسلوب تفاوضي وبلا تشنج سياسي، ما أثار تساؤلا حول مدى التغير الذي صاحب خطابه الهادئ السابق، باعتبار أن السلطة تحتاج إلى حس سياسي للتعامل معها في طرح مطالب وهموم المهنة.

وجاء إقحام قضية عبدالفتاح عندما كان البلشي يتحدث عن موقف الصحافيين المحبوسين احتياطيا، حيث قال إن ليلى سويف (والدة عبدالفتاح) اختارت أن تضع حياتها على المحك من أجل خروج ابنها، عبر إضراب جزئي وكلي عن الطعام استمر لأكثر من 243 يوما، وحالتها خطرة ما يقتضي التحرك للإفراج عن ابنها المحبوس.

وأكد يحيى قلاش لـ”العرب” أن نقابة الصحافيين ليست فئوية ولا تتعامل مع الحريات بفكر شخصي، بل كحق عام للمجتمع، دون أن يكون ذلك قاصرا على شخص أو جماعة أو تيار سياسي بعينه، لأنها تدافع عن مبدأ، وعندما يكون لها موقف لا تضع في الحسبان هل تدافع عن شخص مع الحكومة أم ضدها وتتمسك بالدفاع قيمة القضية.

ويمثل الانزلاق السياسي خطرا على نقابة الصحافيين، وقد يضعها في مواجهة ليست مطلوبة مع الحكومة الآن، وعلى مجلس النقابة أن يكون حذرا من التداخل بين دوره المهني وممارسة لعبة السياسة، لأن ذلك الأمر يثير أيّ سلطة عندما يحمل فرض أجندة سياسية على أعضاء النقابة الحقيقيين، وأغلبهم يتمسكون بحقوقهم المهنية.

وقد يكون حذر الحكومة من إطلاق الحريات الإعلامية مبالغا فيه، لكن لا يجب تحزب الخطاب النقابي بذريعة الضغط لحلحلة ملف سجناء الرأي، لأن النظام لا يستهويه التعاطي معه بطريقة لي الذراع، وتحول النقابة إلى كيان معارض، ولو كان دورها الدفاع عن الحريات، وإذا فعلت ذلك ربما يصبح الأمر قاصرا على أعضائها دون إقحام طرف سياسي في القضية لكسب ود جماعات حقوقية في الداخل والخارج.

5