تسمية الأطفال بأسماء تسيء إلى نفسياتهم جهل أسري وغياب للقانون

يؤكد مستشارو العلاقات الأسرية أن إطلاق اسم غريب أو ذي دلالة معينة على الطفل يترك أثرا نفسيا سيئا عليه ويعرضه للتنمر والسخرية وقد يكون في بعض الأحيان عائقا أمام نجاحه في الحياة العملية، ما يجعل من الضروري أن تتقيد مسألة الأسماء بضوابط محددة. ويناقش البرلمان المصري قانونا جديدا يقضي بتغليظ العقوبة إلى خمسة آلاف جنيه، بدلا من مئة جنيه حاليا، ضد الأسر التي لا تحترم قدسية الاسم.
القاهرة – فوجئت شيماء مختار بعد إنجاب طفلها الأول بأن والده قرر تسميته على جده، من باب الإحسان والود والاحترام وإظهار تقديره وامتنانه إليه، وكان اسم الجد مرزوق، ما أثار امتعاض الأم وافتعلت مشكلة مع زوجها لأنها ترغب في تسمية طفلها باسم حديث ومعاصر يبعده عن السخرية.
برر الزوج لشريكته تصرفه بأن مرزوق اسم يستهدف به رد الجميل لوالده، والأهم أنه سوف يجلب الرزق لابنه مستقبلا، باعتبار أن الرزق يلتصق بالشخص الذي يكون اسمه متناغما مع العطاء الإلهي للإنسان، ورغم محاولاتها الكثيرة لإرغامه على تسمية طفلها باسم بخلاف مرزوق، إلا أنه تمسك بموقفه.
وهذه ليست حالة فردية لأسرة مصرية أخفقت في التوافق على تسمية ابنها، بل إن الكثير من الآباء يتعاملون بنفس العقلية، كأن يكون الاسم له دلالة دينية أو تقديرا للشخص الأهم داخل العائلة من دون اكتراث بحق الطفل نفسه في أن يحمل اسما باعثا للراحة النفسية والطمأنينة في قلبه، لا مجاملة من أسرته للآخرين.
ولأول مرة يدخل مجلس النواب المصري على خط أزمة الأسماء الغريبة للأطفال، حيث يناقش مشروع قانون جديد يقضي بتغليظ العقوبة للأسماء المركبة ويحظر في المطلق استخدام الاسم المركب أو المخالف للنظام العام، أو لأحكام الشرائع السماوية، على أن يتم رفع الغرامة المالية إلى خمسة آلاف جنيه بدلا من مئة جنيه حاليا.

رحاب العوضي: نسف العادات القديمة بحاجة لتثقيف ووعي مكثفين
وتطرق مشروع القانون إلى عدم إيجاز اشتراك الأخوين أو الأختين من الأب في اسم واحد، ويحظر استخدام الاسم المركب مثل (محمد عصام الدين) معاقبة المخالفين بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة مالية، بحيث يتم القضاء على الأسماء المركبة والكف عن اختيار الأسر أسماء دخيلة على المجتمع المصري بين المواليد الجدد.
ولا تكترث الكثير من العائلات بأن اسم الطفل يمثل أحد أهم حقوقه التي كفلتها له الديانات السماوية قبل أن تكفلها القوانين لأنه يظل مقترنا به طوال حياته، فإما أن يجلب له الراحة أو يبعث بداخله الألم النفسي والإساءة البالغة ويعرضه للسخرية والتنمر مستقبلا.
ولا توجد معايير حاكمة لتدخلات الأسر في تسمية أولادها بمصر، وأغلب الأسماء تدور في فلك العادات والتقاليد والموروثات والأفكار القديمة بأن يكون اسم الابن أو الابنة مرتبطا ببشرى معينة، أو نفورا من شيء ما أو وقاية من الحسد فتتم تسميته باسم غريب لاعتقادهم بأن الخير والشر ملتصقان بالاسم.
ومن شدة تقديس الناس للفتاوى الدينية أصبح البعض يطلبها قبل تسمية ابنه أو ابنته، بأن يستفتي إماما أو شيخا في الاسم الذي يرغب في إطلاقه على المولود الجديد، لدرجة أن بعض أئمة المساجد صاروا يتحكمون بفتاواهم في الأسماء المباحة أو المحرمة، ويقنعون الناس بأن إطلاق اسم بعينه قد يقحم الأب في دوامة الشرك بالله.
وتدخلت دار الإفتاء المصرية وحددت شروط العلماء في تسمية الأبناء، وكان من بينها أن يكون الاسم حسنا، بحيث لا يستقبحه الناس، ولا يستنكره الطفل عندما يكبر أو يعقل، وألا يكون في الاسم قبح أو تزكية للنفس وألا يوحي الاسم بالكبر والعظمة، وعلو الإنسان بغير الحق أو إضافة الاسم لإحدى صفات الله.
وتتيح وزارة الداخلية المصرية تغيير الأسماء وهناك الكثير من الأبناء يفعلون ذلك، ما يعكس حجم تعامل الأسر مع تسمية أولادها بنوع من الاستخفاف والرعونة والمجاملة في أحيان كثيرة بلا إدراك بأن العقلية تغيرت وصارت هناك أسماء معاصرة.
وغير متوقع أن يقود تحرك البرلمان المصري لمنع الأسماء المسيئة أو الدخيلة على المجتمع، لأن أغلب الأسر تقوم بإطلاق اسم بعينه على الابن وتنادي عليه باسم آخر أكثر حداثة، وقد يكون اسمه المدون في السجلات الرسمية وأوراقه الثبوتية لدى الدولة مغايرا تماما.
الحل يمكن في إطلاق حملة توعية تشارك فيها الأطراف المعنية لإقناع الأسر بأهمية تأثير الاسم في حياة الأبناء، فإما أن يكونوا سعداء أو تعساء وعرضة للتنمر بسبب الأسماء، مع تقديم أدلة وشواهد حيّة لتتفهم الأسر الخطاب المقدم لها
من هؤلاء، هالة محمد، التي أطلق عليها والدها في شهادة ميلادها اسم سنية، تخليدا لوالدته، لكنها عاشت أغلب فترات دراستها تتعرض لسخرية وتنمر من زميلاتها ومعلماتها، حيث كانوا ينادون عليها باسم “صنية”، وهو الوعاء المستدير أو المستطيل الذي يستخدم في حمل الطعام أو الأطباق أو الأكواب وغيرها. قالت الفتاة لـ”العرب” إنها فور وفاة والدها، وكانت وقتها طالبة في الجامعة، قررت تغيير اسمها إلى هالة، بعدما وجدت أن اسمها الأول جلب لها الكثير من المتاعب النفسية، ومع ذلك لم يرحمها جيرانها واستمروا في السخرية منها، بل إن بعضهم اتهمها بأنها عاصية لوالدها لأنها قامت بتغيير الاسم الذي أطلقه عليها وهي صغيرة.
وقد منعت مصلحة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية المصرية تسجيل الأطفال الذين يحملون أسماء لها دلالات تسبب للأطفال أذى نفسيا بعدما وج دت أن الأسماء التي تحمل معاني قبيحة منتشرة، لاسيما في المناطق الريفية، اعتقادا من أرباب الأسر أنه كلما كان اسم الطفل غريبا يجلب الحظ لصاحبه.
ويعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية أنه يصعب القضاء على الأسماء الغريبة أو المسيئة التي تتم تسمية الأطفال بها، لأن البعض من العائلات تتعامل مع الصغار باعتبارهم ملكية خاصة دون اكتراث بأن إطلاق اسم جمالي للطفل أحد أهم حقوقه في الحياة وألا تتم الإساءة إليه بالإصرار على تسميته باسم مشين.
وتؤكد رحاب العوضي أستاذة علم النفس السلوكي والمتخصصة في العلاقات الأسرية بالقاهرة أنه تصعب محاربة الأسماء المسيئة للأطفال بالقانون، بل بالوعي والفهم وإقناع الأسر بأن التسمية العشوائية تقود إلى مشاكل مستقبلية كثيرة، وقد تجعل الابن مستاء من عائلته لأنها السبب في تعرضه للسخرية والتنمر.
وتضيف لـ”العرب” أن ما يعرقل تطبيق أي قانون يحمي الصغار من الأسماء المسيئة أن الأسر تقوم بتسمية الابن باسم غير “الدلع”، أي أن الاسم السيء يطارده حتى لو لم يكن مدونا في السجلات الرسمية، وبالتالي فلا بديل عن التوعية، لأن القوانين لا تغير من السلوكيات السلبية، ونسف العادات القديمة بحاجة لتثقيف مكثف.
وترى العوضي أن مخاطبة الأسرة بمخاطر الاسم السيء قد تغير من قناعات كثيرين، خاصة عندما يتم إقناعهم بأن ذلك نوع من العنف الذي تكون العائلة سببا فيه، وهو العنف اللفظي الذي يتعرض له الابن خارج منزله بسبب قرار الأسرة بإطلاق اسم غريب أو مسيء عليه، وهذا أوقع تأثيرا من العنف الجسدي أحيانا.
ويكمن الحل في إطلاق حملة توعية تشارك فيها الأطراف المعنية لإقناع الأسر بأهمية تأثير الاسم في حياة الأبناء، فإما أن يكونوا سعداء أو تعساء وعرضة للتنمر بسبب الأسماء، مع تقديم أدلة وشواهد حيّة لتتفهم الأسر الخطاب المقدم لها.