تزايد زواج الإنتاج يعكس تمردا على منظومة الأسرة التقليدية في مصر

زواج الإنتاج حل لعدد متزايد من الفتيات الراغبات في خوض تجربة الأمومة بعيدا عن قيود الأسرة والزوج الذي تنتهي مهمته في هذا النوع من الزواج بعد تسجيل الطفل باسمه.
القاهرة - أشارت تحذيرات أطلقتها دار الإفتاء المصرية بشأن انتشار نوعيات جديدة من الزواج بين الشباب والفتيات إلى وجود توجه للتمرد على الزيجات التقليدية التي تنتهي إلى علاقة أسرية ينتج عنها أبناء ومسؤوليات، مقابل اللجوء إلى علاقات مؤقتة تنتهي سريعا بناء على اتفاق مسبق بين الطرفين ينحصر في الإنجاب.
جاء زواج ما يسمى بـ”الإنتاج” ضمن قائمة العلاقات المنتشرة حاليا، حيث كشف عمرو الورداني أمين الفتوى ومدير مركز الإرشاد الزوجي بدار الإفتاء المصرية عن أعداد وصفها بـ”الكبيرة والبشعة”، حيث يتفق الشاب والفتاة على الزواج المشروط بالإنجاب، وبعدها يحدث الانفصال وتقوم الأم بتربية الطفل.
لدى الإفتاء أدوات رصد للزيجات بحكم أنها المؤسسة الدينية الوحيدة في مصر التي يلجأ إليها أي طرف في العلاقة الزوجية للحصول على فتوى مرتبطة بالعلاقة الزوجية، ويحدد الشريكان الخطوات اللاحقة لتكون متسقة مع صحيح الدين.
ترتبط زيادة معدلات الزواج من أجل إنجاب أطفال فقط برغبة بعض الفتيات في الأمومة دون أن تعيش مع رجل طيلة حياتها، وتبحث هذه الشريحة من النساء عن طريقة مشروعة للإنجاب وتسجيل الطفل باسم والده ثم تنتهي العلاقة لتعيش الفتاة مع ابنها بعيدا عن الأب، وتتولى الأم التربية وكل ما يرتبط بشؤون الصغير.
تبدو خيارات الفتاة التي ترغب في الشعور بالأمومة دون علاقة طويلة مع الرجل محدودة في مصر، لأن أغلب المسارات التي ينجب من خلالها طفل موصومة مجتمعيا وتجعل الفتيات يقعن في محظورات قانونية ودينية، لذلك وجدت نسبة منهن في زواج الإنتاج وسيلة لتحقيق حلم الأمومة بقليل من المنغصات الأسرية.
المهم أن يتم حفظ حقوق الطفل ويسجل في المؤسسات الحكومية باسم والده، وبعدها تنتهي علاقة الأم والابن بهذا الأب
تعاني فتيات يقدمن على علاقة غير شرعية خارج إطار الزواج وينجبن من مشكلة نسب الطفل إلى أبيه أمام الموقف الديني الثابت من الأزمة، حيث تستند جهات الفتوى إلى حديث نبوي نصه “الولد للفراش وللعاهر الحجر”، وتتمسك دار الإفتاء المصرية بأن الفقهاء اتفقوا على أن ولد الزنا يثبت نسبه من أمه التي والدته، وليس أبيه.
إذا أرادت الفتاة تبني طفل من المودعين بدور الأيتام أو مجهولي النسب، تقف أمامهن موانع دينية وقانونية صارمة، بحكم أن التبني محرم، ولا توجد تشريعات تمهد الطريق للفتاة لتبني طفل، وتوافق الحكومة على كفالته ليعيش معها ولا يُكتب باسمها.
باتت الوسيلة الوحيدة أمام أي فتاة قررت أن تعيش مستقلة وترغب في الأمومة أن تتزوج من شاب وتتفق معه على الإنجاب وبعدها يقع الطلاق، فالمهم أن يتم حفظ حقوق الطفل ويُسجل في المؤسسات الحكومية باسم والده، وبعدها تنتهي علاقة الأم والابن بهذا الأب، طالما حققت الفتاة حلم الأمومة.
ترتبط غريزة الأمومة عند الفتاة التي تقرر السير في طريق الإنجاب بطريقة مشروعة ثم تنفصل بالتكوين النفسي لها قبل أسرتها، لأنها مطالبة بالثبات في مواجهة المجتمع المحيط، ومدفوعة للتحلي بالشجاعة والقدرة على تجاوزالسخرية التي قد تطالها.
يعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية أن الفتاة التي تقرر الزواج من أجل الإنجاب فقط كارهة لكل ما يتعلق بالحياة الأسرية وغير متمسكة بأي شيء، ورافضة لسلطة العائلة وقيود المجتمع، وسطوة الرجل الذي ساعدها على تحقيق غريزة الأمومة، بمعنى أنها قررت أن تكمل حياتها وحيدة مع طفلها ولو خسرت كل المحيطين.
أغلب المسارات التي ينجب من خلالها طفل موصومة مجتمعيا وتجعل الفتيات يقعن في محظورات قانونية ودينية
توصف هذه الزيجات بأنها مؤقتة وتنتهي بزوال الهدف، ويأخذ الزواج المؤقت في مصر أكثر من صيغة، فهناك المؤقت بغرض المتعة، أو المصلحة، والتجربة، لكن يظل زواج الإنتاج الوحيد الذي ينجم عنه أطفال، عكس الزواج المؤقت الذي يتم الاتفاق مسبقا فيه على عدم الإنجاب.
يرتبط زواج الفتاة للإنجاب فقط بكراهيتها للبيئة المحيطة بها، وربما الأسرة التي نشأت فيها وما تحمله من عادات وتقاليد، لرفضها المطلق تحكم الرجل في تحركات وسلوكيات ومصير زوجته وتعامله معها باعتبارها خادمة أو امرأة تحتاج إلى وصاية.
تسهل رفاهية الأسرة وانفتاحها على الفتاة أن تتمرد على كل القيود المرتبطة بالعادات والتقاليد الزوجية، وتجعلها أكثر تركيزا على مواجهة البيئة المنغلقة فكريا طالما أن معركتها مع العائلة التي نشأت فيها محسومة لصالحها، ما يعني أن الزواج بغرض الإنجاب فقط محصور لدى عائلات تترك لفتياتها حرية التصرف في حياتهن.
ناقشت السينما والدراما المصرية قضية الزواج المشروط بالإنجاب، أيّ أن مثل هذه الوقائع ليست مستحدثة بل كانت موجودة أو متخيلة، ومع ارتفاع منسوب التمرد بين الأجيال الصاعدة على كل ما هو تقليدي والسعي نحو محاكاة أنماط أسرية لثقافات غربية بدأ الزواج المشروط بالإنجاب يأخذ منحنى تصاعديا في المجتمع.
كان فيلم “بشتري راجل” للفنانة نيللي كريم ومحمد ممدوح الذي تم عرضه عام 2017 أول الأعمال السينمائية التي سلطت الضوء على فكرة الزواج بغرض الأمومة من خلال قيام إحدى الشابات بوضع إعلان على حسابها بموقع فيسبوك تطلب فيه رجلا يجعلها تحمل مقابل مبلغ مادي لتستطيع تحقيق حلمها في الأمومة بطريقة شرعية.
مع أن الزيجة المشروطة تنتهي أيضا بالطلاق، لكن يحدث ذلك بطريقة سلسلة دون الدخول في صدامات قضائية
جاء بعد الفيلم مسلسل “سابع جار” وناقش نفس الفكرة من منظور أوسع، حيث كانت هناك فتاة مصابة بعقدة نفسية من ظروف أسرتها المفككة وطلاق أمها من والدها لأنه محترف النصب لتعرض الفتاة على زميلها في العمل أن يتزوجا بشرط الإنجاب فقط، وبعدها يحدث الطلاق فور الحمل، على أن يُكتب الطفل باسم والده.
أصدرت دار الإفتاء وقتها فتوى حرّمت الزواج المشروط أو المحدد بفترة، لكن معضلة المؤسسة الدينية أنها لم تستوعب تهاوي قيمة خطابها أمام ارتفاع منسوب التمرد بين الأجيال الصاعدة على كل ما يرتبط بالفتوى، ومن دهسوا العادات والتقاليد والأعراف الأسرية لن ينصاعوا إلى خطاب ترهيبي لا يتفق مع خططهم الحياتية.
فسرت سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس في القاهرة وجود حالات للزواج من أجل الإنجاب بزيادة منسوب تمرد الأبناء على تقاليد الأسرة، وهناك فتيات كسرن حاجز الخوف بالهروب من مسؤوليات الزواج وأعبائه، فلا يردن منه سوى إنجاب طفل، لكن الخطر الأكبر على مستقبل الابن ولو كان تربى مع أمه، لكن سيكبر على عدم وجود أب.
وأضافت لـ “العرب” أن تصدير النماذج الفاشلة عن الزواج جعل شريحة من الفتيات يتمردن عليه بالبحث عن أهم ميزة منه بالأمومة، وهذا تتحمله المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتعليمية، والزيجات المشروطة بالإنجاب تسعى للانسجام مع النسق الأخلاقي للمجتمع فقط حفاظا على السمعة، لكن هذا لا يقي الأبناء من المشكلات النفسية مستقبلا.
يصعب فصل اتساع دائرة الزواج المشروط بالإنجاب عن نظرة الكثير من الفتيات للزواج التقليدي كمشروع فاشل في ظل ارتفاع معدلات الطلاق إلى مستويات قياسية.
ومع أن الزيجة المشروطة تنتهي أيضا بالطلاق، لكن يحدث ذلك بطريقة سلسلة دون الدخول في صدامات قضائية أو تعرض الفتاة لعنف وترهيب وصراعات حول الحضانة والنفقة وحق الرؤية.