تركيا تساهم في تقسيم ليبيا من خلال العناصر الإسلامية الفاعلة

بسبب تعثر مشاريعها ومخططاتها بالشرق الأوسط، يمّمت تركيا وجهها صوب أفريقيا حتى تتنفس الصعداء بشكل يعوّضها عن إخفاقاتها بالمنطقة.
الأحد 2018/12/02
النظام التركي يقتات على الفوضى

إسطنبول - في الوقت الذي يعاد فيه تشكيل منطقة الشرق الأوسط، يُعاد على الجانب الآخر تشكيل مخططات تركيا العامة من خلال قطع الطريق أمام الأكراد، ودعم الإخوان المسلمين. وتحدث موقع أحوال تركية في هذا الصدد مع الصحافي، والكاتب التركي، فهيم طاش تكين، حول حملات تركيا الموجهة نحو المنطقة، وأفريقيا بشكل عام.

وشدد طاش تكين في تصريحاته على أن كافة الحملات التي شنتها تركيا بمنطقة الشرق الأوسط، باءت بالفشل، وعادت خاوية الوفاض بعد آمال عريضة، مشيرا إلى أن هذا هو السبب في توجيه أنقرة حملاتها صوب القارة السمراء أفريقيا.

وشرح الصحافي التركي دور تركيا بالمنطقة، ومخططاتها بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكيف كان للأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد دور في عرقلة تنفيذ هذه المخططات.

ولفت تكين إلى أن الحكومة التركية من أجل أطماعها وطموحاتها السياسية والاقتصادية، استخدمت كافة الوسائل والطرق المتاحة في الشرق الأوسط من طائفية، وعداوات، وفوضى. لكن لم تتبقَ لدى تركيا أي سياسة شمولية متسقة بخصوص الشرق الأوسط؛ لأنها تعرضت لصدمات كبيرة بعدد من الأماكن والبلدان هناك.

ولقد وصلت الأوضاع في البلاد إلى درجة بائسة تمثلت في استيراد كافة المشكلات والأمراض من منطقة الشرق الأوسط، وزرعها بالداخل، والسبب في ذلك ما كان يتردد من مزاعم مفادها أن تركيا هي من قاد التغيير في تلك المنطقة. كما تحوّلت الصداقات مع بعض الدول هناك إلى عداوات. وأقدمت الحكومة التركية على تبني العديد من ردود الأفعال لتلافي الأضرار الناتجة عن ذلك وتحجيمها، لكنها لم تحرز أي تقدم في هذا الصدد بسبب إصرارها على أمراضها القديمة.

ويتابع تكين بأنه لو نحينا جانبا ذلك المنظور الذي يقول إن تركيا كانت “الدولة النموذج” خلال الفترة المسماة بالربيع العربي، فإن تركيا قبل سنوات عدة كانت لديها أهداف رئيسية في سياستها الخارجية. فعلى سبيل المثال كانت لديها مهمة اضطلعت بها تنفيذا لأجندة أميركية، ألا وهي قطع الطريق على إيران في مناطق نفوذها المنتشرة في كافة الأرجاء.

وحتى يتسنى لها تجميد الشيعة، باتت أنقرة في حيرة من أمرها وصلت إلى درجة أنها أطلقت على تنظيم داعش الإرهابي اسم “أطفال السنة الغاضبين”. كما خرجت تركيا من المعادلة في العراق، إذ لم يعد لها أي وجود تقريبا في كافة المراحل السياسية هناك.

كما أن فكرة أن تركيا هي حامل لواء القضية الفلسطينية كانت هي الأخرى ضربا من الخيال. ولا شك أن هذا النوع من السياسة الخاصة بالقضية الفلسطينية أفاد تركيا بالكثير من الاعتبارات سواء في العالم العربي، أو لدى الرأي العام التركي، لكن لم تنطلِ على أحد أوجه التضارب في سياسات وأفعال الحكومة التركية بشأن القضية الفلسطينية. فمن ناحية تقيم علاقات سرية أحيانا وصريحة أحيانا أخرى مع إسرائيل، ومن ناحية أخرى ترفع الحكومة التركية من شأن حركة حماس امتداد جماعة الإخوان المسلمين، وتتغنى بها في كل حدب وصوب عند حديثها عن هذه القضية.

أما سياساتها في سوريا فقامت في الأساس على محور تهدف أنقرة من ورائه إلى القضاء الكامل على المكاسب الكردية هناك. ولا أحد ينكر على الإطلاق، أن سوريا تعتبر مأساة وهزيمة نكراء بالنسبة للسياسة الخارجية التركية. كما أن الحماية المؤقتة والانتهازية للأكراد في كردستان العراق، سرعان ما تحولت في استفتاء الاستقلال الذي أجري بإقليم شمال العراق عام 2017، إلى مطرقة. أي أن تركيا سرعان ما رجعت إلى وضعها الطبيعي في كونها “عاملا مدمرا” بالنسبة للأكراد.

لم تتبقَ لدى تركيا أي سياسة شمولية متسقة بخصوص الشرق الأوسط؛ لأنها تعرضت لصدمات كبيرة بعدد من الأماكن والبلدان هناك

وبشكل عام فإننا نلاحظ استمرارية في السياسة التركية، وإصرارا على تفضيل الخيار الرامي لحماية الإخوان المسلمين. ولقد كان هذا هو السبب الرئيس في الخلاف مع مصر، والدفاع عن حماس، والوقوف موقف الدرع الحامي لقطر، والثبات على السياسة التي تتبناها في ليبيا. فتركيا باعتبارها دولة ساهمت في انهيار ليبيا وتدميرها، تسعى الآن إلى تقسيمها من خلال دعم العناصر الإسلامية الفاعلة هناك. فالمحور التركي – القطري، مسؤول عن تقسيم ليبيا.. ناهيكم عن السياسات التدميرية التي يتبناها الغربيون.

وبسبب تعثر مشاريعها ومخططاتها بمنطقة الشرق الأوسط، يممت تركيا وجهها صوب قارة أفريقيا حتى تتنفس الصعداء، ولقد أعطت ثقلا كبيرا للانفتاح على هذه القارة بشكل يعوّضها عن إخفاقاتها في الشرق الأوسط. فالبلدان الأفريقية باستثناء خط مصر وليبيا، أي ساحل الشمال الأفريقي، تعتبر مناطق قليلة المشكلات مع تركيا. أي أنه ليس هناك الكثير الذي يتعين على تركيا إخراجه من حقيبة سفرها وهي متوجهة إلى تلك المناطق. لكن لن يمضي وقت طويل إلا وستخيب آمال تركيا في أفريقيا أيضا بسبب ما تتبعه من مقاربات قائمة على الانتهازية والجهل فحسب.

وحسب طاش تكين فإن المشكلة الرئيسية هي: أن الرؤية التركية مسمومة، لأنها لو كانت نظيفة سليمة، كان من الممكن أن تضع خارطة طريق جديدة تتلافى بها الأخطاء التي تقع فيها بين الحين والآخر. وعلى افتراض أن تركيا قامت الآن بوضع خارطة طريق لما هو قادم، فلن يجدي ذلك في شيء؛ لأن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد لن تعطيها مساحة كافية لحرية التحرك كما ينبغي.

 ويعتقد تكين أن السبب الرئيس في زيادة الاهتمام بتركيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنما هو دخولها في مفاوضات الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، وليس السبب كما يتخيله البعض، هو تبني هذه الدولة ما يعرف باسم “الرؤية العثمانية الجديدة”. ولم تعد هناك قصة أو حكاية يمكن من خلالها بيع السلطة في تركيا بعد الزج بالبلاد في نفق مظلم. فلا شك أن الرؤية التي تعد بنجاح في السياسة الخارجية تقتضي أولا إعادة تنظيم البيت من الداخل.

ويخلص الصحافي التركي طاش تكين في ختام حواره بالقول “لا جرم أن نظام الرجل الواحد الذي يقمع جميع القوى الديمقراطية، ويدمر آليات الرقابة، ويفسد كل عناصر المنافسة، لم تعد لديه الفرصة ليقدم وعودا في السياسة الخارجية. لذلك نراه باستمرار في حاجة ماسة إلى إظهار نفس الأوراق بشكل دائم، واللجوء إلى تكتيكات الابتزاز والرهائن. وهذا في حقيقة الأمر ما هو إلا صورة واضحة لليأس وفقد الصواب. فهم باتوا عاجزين عن الإتيان بأي سياسة جديدة، وعوضا عن تلك السياسة يستخدمون الموقع الجيوسياسي والجيواستراتيجي لتركيا كعنصر ردع وتهديد”.

2