تركيا ترهن انسحابها من سوريا بقرار أميركي مماثل

إسطنبول – يرهن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انسحاب قواته من شمال سوريا بقرار أميركي مماثل، مستغلا في ذلك فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية الذي سبق أن أبدى موافقة بشأن هذه القضية وأعرب في تصريحاته عن رغبة في الانسحاب، ما يمكن أنقرة من تحقيق هدفها في منطقة عازلة على طول الحدود مع سوريا.
وقال أردوغان الأربعاء في تصريحات نقلتها محطة سي.إن.إن ترك ووسائل إعلامية أخرى إن تركيا مستعدة إذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب من شمال سوريا.
وفي مقابلة مع الصحافيين في طريق عودته من قمة مجموعة العشرين في البرازيل، قال أردوغان "من جانبنا سنواصل محاربة الإرهاب. تركيا مستعدة للوضع الجديد الذي سيخلقه انسحاب أميركا من سوريا، وكذلك مستعدة للتعامل مع الواقع الحالي.. مسألة أمننا القومي تبقى في الصدارة".
ونقلت وكالة الأناضول عن أردوغان قوله "نحاول إعادة بناء الوضع في سوريا لصالح المنطقة بأكملها، ونجري المفاوضات اللازمة مع روسيا بشأن هذه القضية".
وأضاف أن "تركيا لا تتسامح إطلاقا مع الجماعات التي تشكل تهديدا للأمن القومي خارج حدودها". وتابع "لقد أبلغنا جميع محاورينا بمدى حسمنا في هذا الأمر. ونشرح بوضوح هذا النهج ونؤكد أهدافنا".
ورغم تعدد الملفات العالقة بين تركيا والولايات المتحدة فإن اللافت ربط أنقرة العلاقة المقبلة مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على نحو محدد وخاص بسوريا ومستقبل الهيكل العسكري الذي تدعمه واشنطن في مناطقها الشمالية والشرقية، المتمثل منذ سنوات بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
والأسبوع الماضي صدرت توقعات على ثلاث مستويات، من أعلى هرم السلطة المتمثل بالرئيس التركي، وصولا إلى وزير خارجيته، حقان فيدان ووزير دفاعه، يشار غولر. ورسمت في غالبيتها صورة "رهان" على احتمالية الانسحاب الأميركي من سوريا، بناء على ما حصل جزئيا في 2018.
وتعتبر تركيا "قسد" امتدادا لـ"حزب العمال الكردستاني" المصنف على قوائم الإرهاب لديها، وهو ما تنفيه الأولى التي تشكل "وحدات حماية الشعب" عمودها الفقري.
وكان ترامب قرر خلال ولايته الأولى في 2018 الانسحاب من سوريا، لكن تراجع عن القرار بعد اعتراض وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
وبعد عام من ذلك (2019) نفذ الجيش التركي عملية عسكرية مع فصائل سورية معارضة، وتمكن من خلالها من السيطرة على مدينتي رأس العين وتل أبيض ضمن عملية أسماها حينها بـ"نبع السلام".
ويتوقع المسؤولون الأتراك بأن ترامب بعد فوزه في الانتخابات الأميركية سيكرر ما فعله قبل ست سنوات، في حين لا تلوح في الأفق أي بوادر ترجح حصول ذلك.
وكان بيان التهنئة الذي وجهه أردوغان لترامب حال فوزه في الثامن من نوفمبر الحالي أولى محطات التركيز على الملف السوري دون غيره، إذ أشار الرئيس التركي لمرتين إلى احتمال شن عملية عسكرية جديدة عبر الحدود، مجددا التأكيد على هدف إنشاء "حزام أمني" على طول الحدود الجنوبية بعمق من 30 إلى 40 كيلومترا.
وأوضح أردوغان أنه سيواصل محادثاته "عبر دبلوماسية الهاتف" مع ترامب، وسيناقش معه موضوع الانسحاب الأميركي من سوريا، وهي جزئية تطرق إليها وزير الخارجية، حقان فيدان وأعاد التذكير بها في مناسبة منفصلة.
وقال فيدان في تصريح لصحيفة "ملييت" الأسبوع الماضي "نذكّر محاورينا الأميركيين باستمرار بضرورة إنهاء تعاونهم مع المنظمة الإرهابية في سوريا. وقد زادت اتصالاتنا بشأن هذه المسألة"، مضيفا "نرى أن الجانب الأميركي يؤيد أيضا إجراء المزيد من المحادثات والمشاورات".
وانضم إليه وزير الدفاع، يشار غولر، معتبرا، في مقابلة مع الصحفية كوبرا بار أن "ترامب سيركز على موضوع سحب القوات الأميركية في سوريا"، وزاد "في فترة رئاسته الأولى أصدر أوامره ثلاث مرات لسحب القوات من سوريا، ومع ذلك لم يتم تنفيذ ذلك".
ولا تزال اليوم هناك بعض القوات الأميركية في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد في شمال شرق سوريا، ومن بينها محافظتا الحسكة والرقة. كما تسيطر الولايات المتحدة منذ عام 2016 على قاعدة التنف الموجودة في منطقة نائية عند المثلث الحدودي العراقي الأردني في محافظة حمص. ووفقا للبنتاغون، يبلغ عدد القوات الأميركية في سوريا حاليا نحو 900 جندي.
وتعتبر مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا شائكة حتى في الولايات المتحدة، إذ تبرز وجهة نظر تقول بأن الانسحاب قد يؤدي إلى إلحاق ضرر بالغ بالمصالح الأميركية في المنطقة، فهو يعطي أملا لطهران بأنها تحقق نجاحا في هدفها بعيد المدى الرامي إلى إخراج الولايات المتحدة من المنطقة من خلال الميليشيات التي تدعمها.
وبالنسبة للأكراد، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في سوريا، فإن الانسحاب سيتركهم أمام تهديدات مستمرة من تركيا، التي تعتبرهم مصدر تهديد لأمنها القومي، ولعل التخلي عن الحلفاء الأكراد سيؤثر سلبا على مصداقية واشنطن، خصوصا وأنّ الأكراد لعبوا دورا رئيسيا في مواجهة تنظيم داعش، بدعم من الولايات المتحدة.
وعلى الصعيد الدولي، فإن انسحاب القوات الأميركية قد يُفسح المجال أمام روسيا لتعزيز تحالفاتها في سوريا، خصوصا مع حلفائها مثل إيران وتركيا، ضمن ما يُعرف بمحادثات "أستانا". وفى هذا السياق، قد ينظر الحلفاء الغربيون إلى انسحاب الولايات المتحدة، كخطوة تضعف الموقف الغربي أمام روسيا في المنطقة.
وفي ظل غياب القوات الأميركية، من المتوقع أن تستغل روسيا وإيران هذا الفراغ لتعزيز وجودهما في سوريا. فروسيا، التي حافظت على دعم ثابت للنظام السوري منذ بداية الأزمة، ستحرص على تعزيز دورها كفاعل رئيسي في البلاد، وهو ما يعطيها نفوذا إضافيا في منطقة الشرق الأوسط.
والوجود الروسي لا يمثل مجرد دعم عسكري أو سياسي للنظام السوري، بل يعد جزء من إستراتيجية موسكو، الأوسع للتوسع في الشرق الأوسط، وتحقيق مكاسب على حساب النفوذ الغربي، وهذا النفوذ لا يقتصر فقط على سوريا، بل يتجاوزه إلى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
أما إيران، فستسعى لاستغلال الانسحاب الأميركي لتعزيز وجودها العسكري في سوريا، ما يتيح لها مجالا أكبر للتحرك بين سوريا ولبنان، وبالتالي تعزيز دعمها لحزب الله كقوة موازية لأي تدخل خارجي.
كما يتيح لها فرصة ذهبية لتعزيز وجودها العسكري والميداني على الأرض السورية، ما يضعها على مسافة قريبة جدا من الحدود الإسرائيلية. هذا النفوذ المتزايد يمثل تهديدا مباشرا لإسرائيل، التي ترى في الوجود الإيراني في سوريا خطرا وجوديا، ما قد يؤدى إلى تصاعد التوترات العسكرية والاشتباكات غير المباشرة بين الطرفين، وهو ما قد يدفع المنطقة إلى شفا مواجهات أكبر.