ترف الاستيقاظ

اليوم هناك من هم في المنطقة الزمنية الخطأ، سواء باستيقاظهم المبكر أو المتأخر. فالإنسان بحاجة الى عمله مثل حاجته إلى ما يكفي من النوم الطبيعي.
الاثنين 2021/11/29
لدينا جميعا مشاكل في النوم

عندما كتبت قبل سنوات عن تراجع جودة النوم لدينا بالقياس إلى أجدادنا، لم أتعرض لفكرة الاستيقاظ المبكر. وهو أمر مرتبط في المجتمعات الإسلامية بنوع من الفضيلة. يعترف كاتب سعودي بأن “كراهيته ازدادت…” لأنه لا يستطيع نسيان كيف كان والده يرغمه على الاستيقاظ المبكر من أجل صلاة الفجر، فلم يكتف الأب الورع بالكلام، كان يستخدم قدمه بالرفس كي يستيقظ الصغير من أجل الصلاة.

أعلم أن لدينا جميعا مشاكل في النوم، سواء بقلته أو زيادته. جارتي العجوز سعيدة باستيقاظها المبكر، ولا أعرف ماذا ستجد في ضاحيتنا الصغيرة، فحتى المقاهي لا تفتح قبل التاسعة صباحا. لكنها امرأة نهارية، الليل بالنسبة إليها ينتهي قبل أن يصل بأكثر من ساعة إلى منتصفه.

في الحرب العالمية الثانية أرغمت الحكومة البريطانية العمال على النوم المبكر، فأغلقت الحانات في الحادية عشرة مساء، ولا زال هذا القرار ساريا؛ لأن معامل الفحم آنذاك تراجع إنتاجها بسبب أولئك الذين يقضون الليل وهم يحتسون الشراب ثم يستيقظون مهدودي الجسد.

اليوم هناك من هم في المنطقة الزمنية الخطأ، سواء باستيقاظهم المبكر أو المتأخر. فالإنسان بحاجة الى عمله مثل حاجته إلى ما يكفي من النوم الطبيعي. صحيح أن أعمالنا أضفت طابعا مؤسسيا على حرية استيقاظنا، لكن تبدو لي طريقة العمل من التاسعة إلى الخامسة رائعة لكسب العيش، ولأنني لم أحظ بها منذ أن عملت قبل أكثر من ثلاثة عقود، أراها كذلك. لكنني أتعاطف مع أولئك الذين يستيقظون مبكرا من أجل أعمالهم، وما يخفف من وطأة المشقة أنهم ينتهون مبكرا فيكون ثمة متسع لهم قبل أن يرتدي النهار معطفه الأسود. لكن ماذا بشأن الذين يغادر النوم أجفانهم قبل شروق الشمس.

على الأغلب لا يحب أولئك المنعمون بنمط حياة مترفة الطيور التي تستيقظ مبكرا، هذا عالم يسلبهم ترف النوم! لكن عالم النفس الأميركي الراحل والتر ميشيل لم يكن يخفي التعبير عن سعادته بالاستيقاظ في الساعة الخامسة صباحا، تحت ذريعة أنه يسبق بقية خلق الله في إنجاز أعماله! في المقابل لا تثير اهتمامي مزاعم الرئيس التنفيذي لشركة أبلتيم كوك بأنه يستيقظ قبل الساعة الرابعة صباحا. هناك أخبار أفضل تأتينا من أبل غير فكرة الاستيقاظ المبكر بإفراط.

لطالما عبرت عن إعجابي بأفكار كاتبي المفضل في صحيفة فايننشيال تايمز سايمون كوبر، لكنه اليوم أضاف لي مؤشرا جديدا للإعجاب، عندما عزا الأفكار النيرة التي يكتبها في المقالات الصحافية إلى أخذ كفايته من النوم الطبيعي وإنْ تطلّب ذلك قيلولة بعشرين دقيقة؛ تلك التي لم أحظ بها منذ ثلاثين عاما!

20