تردي وضع المؤسسات المدنية يمنح الجيش التونسي دورا أكبر

المؤسسة العسكرية تخمد التوترات وتكافح كورونا وتساهم في مشاريع التنمية
الاثنين 2020/08/17
نريد حلا

يثير تدخل الجيش التونسي المتزايد في الشأن العام الوطني ملحة حول أسباب ذلك، ويُرجع مراقبون الأمر إلى عجز المؤسسات المدنية التي لم تعد قادرة لا على تطويق الاحتجاجات ولا على مواجهة جائحة كورونا ولا بالمشاريع التنموية والصحية.

تونس - زادت وتيرة تدخل الجيش التونسي في السنوات الأخيرة للقيام بمهام موكولة لمؤسسات مدنية صحية أو أمنية ما يثير قلقا داخليا من تقهقر وضعية تلك المؤسسات.

واستعانت الحكومة التونسية في الأيام الماضية بالجيش لمواجهة تفشي الوباء في ولاية قابس (جنوب) ضمن تكثيف جهودها لمواجهة تداعيات الجائحة العالمية.

وأعلن وزير الدفاع الوطني التونسي عماد الحزقي، السبت، انطلاق عملية تركيز المستشفى الميداني العسكري بمنطقة الحامة من ولاية قابس ، لينطلق في العمل الاثنين، مشيرا خلال إشرافه على شحن المعدات في طائرة عسكرية تقل طاقما طبيا أن الوضع الوبائي في البلاد تحت السيطرة.

وأكّد الحزقي وضع الطاقم الطبي على ذمة المستشفى المحلي بالحامة إلى حين انتهاء عملية تركيز المستشفى العسكري الميداني، معتبرا أنّ هذا المستشفى سيقدّم علاوة عن الخدمات ذات الصلة لمجابهة الوباء، عيادات يومية مجانية إلى المواطنين في عديد الاختصاصات مثل الأمراض الصدرية والجرثومية والطب الإستعجالي والطب الباطني والإنعاش والطب العام.

كما سيتولى برمجة حصص توعويّة في الطب الوقائي للتحسيس بسبل التوقي من الإصابة بفايروس كورونا، فضلا عن فحص المواطنين أصحاب الأمراض المزمنة وتقديم العلاج لفائدتهم.

أحمد نظيف: تخلي المؤسسات المدنية للدولة عن دورها، لا يمكن إلا أن يأخذنا نحو مزيد من الفشل
أحمد نظيف: تخلي المؤسسات المدنية للدولة عن دورها، لا يمكن إلا أن يأخذنا نحو مزيد من الفشل

وقال الحزقي في تصريح لإذاعة محلية “إنّ وزارة الدفاع ستتولى بالتوازي مع ذلك تركيز المخبر العسكري المتنقل للتحاليل الجرثومية بالمستشفى العسكري بقابس،  بالتنسيق مع وزارة الصحة للقيام بالتحاليل اللازمة حول التقصي عن حالات الإصابة الوباء بما يرفع من عدد التحاليل والتسريع في الحصول على نتائجها.

وكان الجيش التونسي من بين المؤسسات الأولى التي تمّ بعثها لاستكمال السيادة في 24 يونيو 1956، بعد استقلال تونس عن فرنسا في 20 مارس 1956.

وتتمثل مهمة الجيش التونسي بمقتضى الدستور، في الدفاع عن الوطن وحماية النظام الجمهوري. وينص الفصل 18 من الدستور على أن “الجيش الوطني جيش جمهوري وهو قوة عسكرية مسلحة قائمة على الانضباط، مؤلفة ومنظمة هيكليا طبق القانون، ويضطلع بواجب الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه، وهو ملزم بالحياد التام. ويدعم الجيش الوطني السلطات المدنية وفق ما يضبطه القانون”.

ويكشف تطور مستوى تدخل الجيش في الحياة العامة، تراجعا لافتا للدور الذي تضطلع به المؤسسات المدنية وعلى رأسها المنظومة الصحية والاجتماعية ليضفي صبغة اجتماعية على وظيفته الدفاعية والعسكرية.

وأفاد العميد المتقاعد مختار بن نصر الرّئيس السابق للجنة مكافحة الإرهاب،”أن الجيش التونسي تتوفر له القدرة على التدخل السريع خصوصا عند الأزمات، وتعمل الكفاءات العسكرية بتدخلها السريع على إنشاء طواقم معينة ومستشفيات ميدانية لمجابهة الكوارث وخصوصا منها جائحة كورونا”.

وأضاف بن نصر “الجيش يعاضد في مد الطرقات والإغاثة، فضلا عن حماية المنشآت العمومية والحساسة، ويقف حاجزا أمام أعمال التخريب، ويضطلع بمهام استراتيجية لحماية النقاط الحساسة كالكهرباء والغاز والمنشآت النفطية”.

وأشار العميد مختار بن نصر إلى أن “الجيش سيطلب مهام إضافية، من الرئيس قيس سعيّد بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة”.

وساهمت القوات العسكرية مساهمة كبرى في مجابهة إنتشار فايروس كورونا بالبلاد عبر  إخماد الاحتجاجات والاعتصامات في شتى أنحاء البلاد التي تزامنت مع تفشي الوباء.

منجي الخضراوي: الرئيس يثق في الجيش الذي يعول عليه كثيرا في مواجهة التحديات
منجي الخضراوي: الرئيس يثق في الجيش الذي يعول عليه كثيرا في مواجهة التحديات

وسبق أن أفادت الرئاسة التونسية أن الرئيس أمر الجيش بالانتشار في الشوارع  لفرض احترام الإجراءات التي تم إقرارها لاحتواء انتشار الوباء في البلاد.

وفي يونيو الماضي، انتشرت وحدات من قوات الجيش التونسي أمام المنشآت العمومية في مدينة تطاوين، جنوب شرقي البلاد، لتأمينها في الوقت الذي تستمر فيه المواجهات بين قوات الأمن ومحتجين غاضبين بالمدينة.

وقال الكاتب العام الجهوي للاتحاد الشغل بتطاوين، بشير السعيدي، إن “الجيش تولى تأمين المنشآت الحيوية في محاولة للتقليص من حدة الغضب بالمنطقة”.

ويعيش الجنوب التونسي على صفيح ساخن بسبب ما يعرف محليا بـ “اعتصام الكامور” حيث يطالب المحتجون بتطبيق اتفاق وقعوه مع الحكومة السابقة التي كان يرأسها يوسف الشاهد، ووصل التصعيد بين هؤلاء والسلطات إلى حد إيقاف إنتاج النفط والدخول في إضراب مفتوح  وهو ما يفاقم من متاعب الاقتصاد التونسي المنهار.

وثمن النائب عن حزب تحيا تونس ومستشار منظمة الصحة العالمية بخصوص جائحة كورونا الدكتور سهيل العلويني، دور الجيش التونسي وتدخله السريع في معاضدة جهود المؤسسات المدنية.

وقال العلويني في تصريح لـ”العرب”، “الجيش ينتمي إلى مؤسسات الدولة ودوره فعال في كل الميادين على غرار الطواقم الطبية العسكرية في مواجهة الوباء”.

ولم يقتصر دور الجيش التونسي على المهمة الدفاعية للتراب والحدود، بل تجاوز ذلك ليتم إشراكه في التدخل السريع في المشاريع التنموية مثل مشروع مدينة الأغالبة بالقيروان (وسط).

وأشرف الرئيس التونسي في يوليو الماضي بقصر قرطاج على اجتماع لجنة قيادة تجسيد مشروع مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان.
وحضر الاجتماع ممثّلون عن الإدارة العامة للصحة العسكرية والإدارة العامة للهندسة العسكرية والإدارة العامة للأشغال العسكرية إلى جانب ممثّل عن وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية.

واعتبر الكاتب الصحفي المنجي الخضراوي، “أنه لوحظ بشكل كبير في الآونة الأخيرة اعتماد الرئيس على  كوادر عسكرية وهذا دليل على ثقة سعيد في المؤسسة العسكرية التي يعول عليها كثيرا في مواجهة التحديات”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “لا بد أن نعترف أن أكثر من 90 في المئة من المشاريع التنموية لا تنجز في آجالها المحددة لذلك لجأ سعيد للاعتماد على طاقم عسكري في بناء المشروع الصحي بالقيروان خوفا من عدم إمكانية تنفيذه، فضلا عن المطلبية المجحفة لبعض القطاعات وشروطها الكبيرة في انجاز المشاريع”.

تطور مستوى تدخل الجيش في الحياة العامة
تطور مستوى تدخل الجيش في الحياة العامة

وفي حين يثير قرار الاعتماد على الجيش ارتياحا في صفوف غالبية الشعب التونسي حيث تحظ المؤسسة العسكرية باحترام شعبي بالغ، يحذر الكاتب والصحفي التونسي أحمد نظيف من توسع دور الجيش.

وقال نظيف في تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك “في كل مرة تحدث مصيبة في البلاد يتم استدعاء الجيش. في الفيضانات تنتهي الكارثة بقدوم الجيش، وفي الإحتجاجات الإجتماعية يصفق الناس لاستبدال قوات الشرطة بوحدات من الجيش، وعند تفشي كورونا، تتدهور الأوضاع فيُهرع نحو الجيش، ليأتي ويقيم مستشفى ميداني هنا وهناك”.

وأضاف “لا أرتاح لتوسع دور الجيش، المكلف دستورياً بحماية حدود البلاد، على الرغم من أنه – وحتى اليوم – كشف عن مهنية كبيرة في التعامل، ولكن تخلي المؤسسات المدنية للدولة عن أدوارها، لا يمكن إلا أن يأخذنا نحو مزيد من البؤس والفشل”.

في المقابل قال المحلل السياسي الصحبي بن فرج” أعتقد أنه لا توجد مخاوف من تكليف الجيش بهذه المهام، وهو جيش جمهوري ومؤسسة عريقة لها تقاليدها الخاصة”.

وبخصوص التجاء سعيد إلى المؤسسة العسكرية واعتماده الكبير عليها مؤخرا، قال بن فرج “تدخل سعيد يأتي في إطار صلاحياته باعتبار أن الجيش يدخل ضمن سلطاته ويعتمد عليه حسب ما أمكن له في بعض المهام..ولا أعتقد أنه يملك نية في استغلاله في حسابات أخرى”.

التدخل السريع عند الأزمات
التدخل السريع عند الأزمات

 

7