تراكم الأزمات يهز نشاط المقاولات في تونس

شح مواد البناء وارتفاع التكاليف والاحتكار والتهريب تهدد أعمال المطورين بالشلل التام.
الثلاثاء 2022/03/15
انتبه ففوق رأسك رافعة ضخمة

تصاعدت تحذيرات قطاع المقاولات في تونس من مخاطر دخول سوق الإنشاءات في ركود أكبر في ظل التكاليف الباهظة والاحتكار والتهريب، والتي أدت إلى تضييق هوامش نشاط الشركات وهدد بعضها بالإفلاس رغم مساعي الحكومة لإعادة تعديل بوصلة هذا المجال.

تونس- عمق شح مواد البناء وزيادة أسعارها قلق شركات الإنشاءات في تونس مع استمرار الاحتكار والتهريب وسط تحذيرات من تداعيات كارثية على صغار المطورين تحديدا والذين باتوا يواجهون الإفلاس.

وتسجل أسعار الحديد زيادة من حين إلى آخر ما أربك سوق المقاولات جراء التكاليف العالية وضغط على الشركات ودفعها إلى مغادرة السوق لعدم قدرتها على تحمل أعباء إضافية.

ومن شأن ذلك أن يزيد من عدم اليقين في القطاع مع التهاب الأسعار في الأسواق الدولية بسبب الأزمة في شرق أوروبا.

وقال الخبير الاقتصادي إسكندر السلامي إن “السلطات لا تملك معطيات محيّنة لمعرفة حاجات السوق، وفي وقت ما لم تول خطورةَ التهريب أهميةَ، ما أدى إلى استنزاف السوق من المواد”.

إسكندر السلامي: السلطات تحاول فرض وجودها عبر مكافحة التهريب

ووفق التقديرات يساهم القطاع، الذي يشكل صغار المطورين 80 في المئة منه، بنحو 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ويوفر أكثر من نصف مليون فرصة عمل.

وتمثل استثمارات البناء وحدها 14 في المئة من حجم السوق الذي تراجع خلال السنوات الماضية بنحو 25 في المئة عما كان عليه في 2010.

وأضاف السلامي، الذي يرأس الجمعية التونسية للحوكمة الجبائية، لـ“العرب” أنه “لم يتم توفير الكميات اللازمة من مواد البناء على غرار الحديد، وثمة صراع بين شبكات التهريب والدولة، ما سمح بانتشار الفساد، والدولة الآن تحاول فرض وجودها مجددا”.

وأكد أن “إحباط عمليات تهريب مواد البناء يتم خاصة على الحدود مع ليبيا ومؤخرا تم حجز حديد مهرب لدى مؤسسات غير قانونية”، لافتا إلى أن “الدولة اليوم تملك الإرادة السياسية لمقاومة التهريب”.

وفي وقت سابق تمكنت مصالح الجمارك في معبر رأس جدير من التصدي لمحاولة تصدير كمية من الحديد في الخفاء وفق تصريح مسؤول في شركة صناعية محلية.

واعتبر السلامي أن تضاعف أسعار مواد البناء بعد 2011 كان نتيجة انتشار ظاهرة البناء العشوائي، وإلى حد الآن تتواصل الزيادة في الأسعار، ولذا فإن فتح باب “التوريد مع الجزائر يعتبر خطوة جيدة لنمو المبادلات بين البلدين ودول المغرب العربي”.

وأجبر نقص مواد البناء تونس على اللجوء إلى التوريد من الجزائر باعتبار ذلك حلا وقتيّا لتجاوز الأزمة.

وأفاد لطفي كمال مانع، المدير العام لمركب سيدار الحجار في ولاية (محافظة) عنابة الجزائرية، بأن شركته شرعت في تصدير أولى الشحنات المقررة في الربع الأول من هذا العام.

وتبلغ الكميات الموجهة للتصدير إلى كل من تونس وإيطاليا وإسبانيا وتركيا والنيجر ومصر وسوريا ولبنان نحو 25 ألف طن.

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن المانع قوله إنه “من المتوقع زيادة الصادرات إلى 200 ألف طن في 2022 من أصل إنتاج إجمالي يبلغ 800 ألف طن”.

ويرى خبراء في القطاع أن التداعيات السلبية لصناعة الحديد تنعكس بشكل فوري على مختلف القطاعات المرتبطة بها وفي مقدمتها شركات التطوير العقاري والبناء والإنشاءات.

عصام منصوري: الوضع أصبح مقلقا وله تأثير كبير على نشاط الشركات

ويؤكد المهندس المعماري عصام منصوري أن “غلاء أسعار مواد البناء وتواصل احتكارها أثّرا على علاقتنا بالزبائن الذين باتت ميزانيتهم لا تكفي، وأصبحنا نتعامل معهم بكلفة أقل”.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن الجهات المعنية “تواصل جهودها في التصدي لهذه التجاوزات ولكن يجب تطبيق القانون والضرب بقوة على أيدي المحتكرين”.

ويرى أنه من الضروري زيادة عدد الموزعين الأساسيين للحديد دون الاقتصار على عدد محدود وهو ما يشجع على الاحتكار والتحكم في السوق.

وأكد منصوري أن الوضع أصبح مقلقا “وله تأثير كبير على نشاطنا وأصبحنا نحاول الضغط على التكاليف ونقدم تصورات لمشاريع بطرق مختلفة لأن النمط المعماري الآن أصبح مبسطا، ونركز على نماذج جديدة مراعاة لقدرة الناس”.

وطيلة الأشهر الماضية تصاعدت استغاثات قطاع صناعة الحديد نتيجة الارتفاع المتواصل في الأسعار. وقد أكدت الغرفة الوطنية لمصنعي الحديد مرارا أن أسعار البيع التي حددتها وزارة التجارة لا تغطي تكاليف الإنتاج.

وقال رئيس الغرفة محمد الهادي بن عياد في الكثير من المرات إن “أسعار المواد الأوليّة المستوردة (البليت) شهدت ارتفاعا ملحوظا”.

ويتم توريد طن البليت بألفي دينار (712.4 دولار) في حين يتم تسعير الطن الواحد المعد للبناء بنحو 1950 دينارا (694.6 دولار).

ولا يغطي هذا السعر تكلفة رسوم المواد الموردة التي تنضاف إليها تكاليف الإنتاج والتي تشمل استهلاك الطاقة وفوائض القروض البنكية وأجور العاملين.

وينتج مصنع الفولاذ الحكومي في مدينة منزل بورقيبة التابعة لولاية بنزرت الحديد ويزوّد السوق المحلية مع 5 وحدات أخرى بنحو نصف مليون طن سنويا.

لكن المصنع يواجه أزمة ارتفاع التكاليف التشغيلية وتقلص الطلب المحلي، ما جعل إنتاجه يتراجع.

وأشار تقرير لوزارة المالية مؤخرا إلى أن المصنع المملوك للدولة راكم خسائر بقيمة بلغت 268 مليون دينار (97.4 مليون دولار) إلى حدود 2018.

وعجز مصنعو الحديد منذ ارتفاع أسعار بيع المواد الأولية عالميا عن توفير الطلب اللازم نظرا للمصاعب المالية خاصة أمام اقتران هذا الارتفاع بالزيادة في تكاليف النقل فضلا عن باقي عناصر كلفة الإنتاج، بينما لم يتمّ تحيين سعر البيع بما يتماشى مع هذه التغييرات.

استثمارات البناء وحدها تمثل 14 في المئة من حجم السوق الذي تراجع خلال السنوات الماضية بنحو 25 في المئة عما كان عليه في 2010

وتؤكد البيانات الرسمية حول نتائج أعمال شركات القطاع في الأشهر الماضية أن المصنعين واصلوا عمليات البيع دون تحقيق أرباح، وهو ما يؤثر على استدامة أعمالهم ويتنافى في الوقت نفسه مع القوانين المنظمة للمنافسة والأسعار.

وسبق أن زادت وزارة التجارة العام الماضي أسعار طن الحديد بواقع 10 في المئة، لتصل في أقل من أسبوعين إلى 25 في المئة، وهو ما اعتبره القطاع زيادة مجحفة لا تراعي قدرات المطورين والشركات العقارية في ظل تداعيات الوباء الذي استنزف مختلف مفاصل الأعمال.

وأقرت الوزارة في يناير 2021 زيادة في أسعار حديد البناء بنسبة 15 في المئة، ما جعل الشركات المباشرة لمشاريع تم التعاقد بشأنها قبل هذه الزيادة غير قادرة على تحمل هذا العبء وصارت تتعرض إلى مخاطر كبرى تهددها بالإفلاس.

10