تراكم الأزمات يعمق ركود تجارة السيارات في تونس

جرف تداخل مجموعة من المشكلات العميقة في تونس تجارة السيارات إلى دوامة الركود بضغط من تدهور القدرة الشرائية للأفراد وارتفاع التكاليف وبطء السلطات في إعادة تقييم معايير النشاط في القطاع، وما تبعه من ارتباكات على سلاسل التوريد العالمية.
تونس - سجّلت تجارة السيّارات في تونس تراجعا في الفترة الأخيرة وتقلص حجم المبيعات، حسب الخبراء، بسبب الأزمات الاقتصادية المتراكمة التي رمت بظلالها على القطاع، فضلا عن زيادة الرسوم والضرائب وارتفاع الأسعار.
وتسعى شركات الإيجار المالي ذات الأهداف الربحية، والتي اقتحمت السوق بقوة إلى إعطاء قروض لمساعدة المستهلكين كحلول وقتية، حتى تروّج أكبر كمية من السيارات من فروع العلامات التجارية في البلاد.
وقال رئيس الغرفة الوطنية لوكلاء ومصنعي السيارات إبراهيم دباش، إن "عدد السيارات المسجلة إلى حدود أواخر أغسطس بلغ تقريبا 31 ألف سيارة"، في حين لم يتجاوز عدد المباعة منها 33 ألف سيارة، وفق إحصائيات وزارة التجارة.
وشدد دباش، في تصريح لإذاعة محلية، على أنه "تم تسجيل تراجع في المبيعات يتراوح بين 8 و10 في المئة، بينما بيعت نحو 36 ألف سيارة بمقارنة سنوية".
وأرجع هذا الانحسار إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس وإلى النقص العالمي في الإنتاج وقطع الغيار وأشباه الموصلات، مقابل ارتفاع الأسعار وتكلفة التصنيع والنقل واللوجستيات.

ويضمّ قطاع وكلاء ومصنعي السيارات بالبلاد 36 وكيلا في توريد وتصنيع السيارات و56 علامة تجارية مختلفة.
ويرى الخبير الاقتصادي فوزي بن عبدالرحمن أن سعر السيارات في تونس مرتفع جدا بالمقارنة مع القدرة الشرائية بالنسبة إلى الأفراد والمؤسسات.
وبحسب رأيه فإن السعر في البلدان الأوروبية يتراوح من ستة إلى 10 في المئة من الراتب الشهري، بينما في تونس تتضاعف تلك النسبة.
وتشير بعض التقديرات إلى أن الأسعار ارتفعت منذ بداية العام بواقع 15 في المئة، بينما تقلص حجم المبيعات بنحو 16 في المئة في أول سبعة أشهر من هذا العام على أساس سنوي.
وأضاف عبدالرحمن الذي شغل سابقا منصب وزير التشغيل لـ”العرب”، أن “القطاع تطغى عليه السوق الموازية وتوجد قرابة 10 شركات تنشط في هذا المجال، وهو اقتصاد ريعي وتعطي فيه الدولة للشركات إمكانية شراء سيارات بتكلفة عالية”.
وتابع “شركات الإيجار المالي، دائما ما تحقق أرباحا، ونشاطها ربحي بالأساس، والتراجع موجود بسبب ضعف القدرة الشرائية، فضلا عن ارتفاع كلفة القروض للأفراد والمؤسسات تبعا لارتفاع نسبة الفائدة في وضع اقتصادي صعب”.
وإلى جانب ذلك، فإن لديه قناعة بأنالسيارات المستعملة أيضا أصبحت مكلفة وهي مرتبطة بقانون الرجوع النهائي الذي يستعمله الوكلاء.
وسبق أن دعا مهدي محجوب المتحدث الرسمي باسم الغرفة إلى إدماج السوق الموازية لتجارة المركبات عبر تفعيل أجهزة الرقابة لإجبار العاملين بهذا القطاع على دفع الضرائب.
وأوضح في تصريح صحافي أنه “من الممكن أن تظهر 4 أو 5 علامات جديدة تورد سيارات كهربائية بنهاية هذا العام، ولكن المشكلة تكمن في غياب البنية التحتية للشحن”.
كما كشف محجوب عن “وجود قرابة 200 ألف تونسي ينتظر دوره في قائمة السيارات الشعبية”.
وقال الخبير الجبائي، إسكندر السلامي، إن “تجارة السيارات كانت مرتبطة بمنظومة معينة، وباتت تمر بالنيابات ما خلق ترابطا مع المؤسسات المالية، واستفادت الأطراف المتداخلة من الصفقات مع الدولة التي تملك أسطولا كبيرا على غرار الوزارات".
وأضاف لـ”العرب”، أن "هناك تراجعا مع الصعوبات المالية، والدولة توقفت عن تجديد الأسطول والصفقات، بسبب سوء التصرف في المال العام والسيارات التي لا تستجيب للمعايير، كما أن حجم شراءات القطاع الخاص والمؤسسات مرتبط بالمعاملات البنكية".
وتابع أن "التضخم وتغيير المعايير والرقابة الإضافية على البنوك كلها عوامل أضرّت بشراءات المؤسسات والمستهلكين".
وأوضح أن الحديث أصبح يتمحور حول أن البنوك لم يعد لها دور اقتصادي، فضلا عن تداعيات الجائحة وأزمة المالية العمومية، التي أدت إلى تراجع القدرة الشرائية للناس الذين لم يعودوا قادرين على شراء سيارة، رغم تسهيلات الشركات والبنوك.
وفي يوليو الماضي، أكد دباش عدم معارضة الغرفة للامتياز الجبائي (أف.سي.آر) الذي يتمتع المغتربون بمقتضاه بتوريد سيارة لا تتجاوز 3.5 طن، والعودة إلى قرار قديم، والذي يلغي شرط البيع عبر هذا الامتياز بعد سنة من التوريد والسماح ببيعها فوريا.
وشدد الدباش على أنّ العودة إلى القرار الصادر في عام 1995 لها تأثير سلبي على السوق وخلقت سوقا موازية.
وبلغت نسبة السيارات الموردة عبر هذا الإجراء 40 في المئة، من إجمالي ما تم توريده أي في حدود 28 ألف سيارة من إجمالي حوالي 60 ألف سيارة تم توريدها بين عامي 2013 و2014.
وهذا الوضع أوجد زيادة في السوق في أغلبها سيارات مستعملة. وقال دباش “لسنا ضد الامتياز الجبائي وإنما ضد السوق الموزاية التي ستنشأ معه”.
◙ توريد السيارات المستعملة فيه خطر باعتبار أن الأسواق وخاصة الأوروبية في تحول نحو المركبات الكهربائية وتريد التخلص من السيارات التي تعمل بالوقود
وأوضح أن توريد السيارات المستعملة فيه خطر باعتبار أن الأسواق وخاصة الأوروبية في تحول نحو المركبات الكهربائية وتريد التخلص من السيارات التي تعمل بالوقود، وبالتالي سيتم توريدها إلى السوق التونسية.
ويؤكد أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار هذه الوضعية خاصة في ظل أزمة الوقود وزيادة التلوث بسبب تقادم السيارات وزيادة سوق توريد قطع الغيار المستعملة.
وأشار إلى أن تخوفات الغرفة بشأن تأثيرات ذلك على الاقتصاد التونسي وليس بسبب تأثيرات هذا الإجراء على قطاع السيارات.
وبداية سبتمبر الجاري، أكّدت نائبة رئيس الجمعية التونسية لمصنعي السيارات مريم اللومي، أنّ الإشكال الرئيسي هو عدم توفّر سوق يشجّع المصنعين على النشاط في تونس إلى جانب النقائص على مستوى البنية التحتية والتي يجب العمل على تجاوزها.
ومن أبرز المشاكل بحسب اللومي تلك المتعلّقة بميناء المياه العميقة، الذي يعدّ من أبرز احتياجات تونس، فضلا عن الإطار التنظيمي والإداري الذي يحتاج إلى مراجعة.
ولكنها اعتبرت في مقابل ذلك أن التوقيع خلال أغسطس الماضي على ميثاق الشراكة بين القطاعين العام والخاصّ للنهوض بالتنافسية في مجال صناعة السيارات أمر حيوي.
وتركز الشراكة على خمسة محاور وهي: البنية التحتية والإطار القانوني والتنظيمي والتشغيل والمسؤولية الاجتماعية والبحث والتطوير والاتّصال من خلال الشراكة لتحسين الإطار بهدف استقطاب مؤسّسات هامّة في مجال صناعة السيارات.
وعلى الرغم من التحديات والعراقيل فإن أمام تونس فرصا متاحة لتطوير إمكانياتها بالنسبة إلى صناعة السيارات في السوق الأفريقية.
وقالت اللومي في تصريح لإذاعة محلية، إن “ذلك مرتبط بتركيز منطقة التبادل الحرّ الاقتصادية في أفريقيا والتي ستمكّن من تركيز سوق موحّدة للبيع الحرّ بين دول القارة”.
وأكدت أن أهمية هذا المشروع تكمن في كونه سيسهم في إزالة المشكلات المتعلّقة بعدم وجود سوق في تونس تشجّع على استقطاب مصنعي السيارات.