تراجع جودة التعليم في تونس ينذر بانهيار منظومته

ألقت جائحة كورونا بظلالها السلبية على قطاع التعليم في تونس بسبب تواصل التمديد في تعليق الدروس، في خطوة من شأنها أن تحدث اضطرابا في سير العملية التعليمية وتؤثر على المستوى المعرفي للتلاميذ والطلبة. ويؤكد الخبراء على الحاجة إلى إضفاء المزيد من النجاعة على خطة التعليم عن بعد والالتجاء إلى الرقمنة لتجنب المزيد من تدهور القطاع والتكيف مع تداعيات الأزمة الصحية.
تونس – يعاني قطاع التعليم في تونس من أزمة حادة عقب اندلاع ثورة يناير 2011، في ظل تراجع المنظومة التربوية خاصة على مستوى المناهج وبسبب النقص في عدد المدرسين، إضافة إلى تدهور البنية التحتية وتداعيات المطالب النقابية على سير الدروس، ما جعل البلاد تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية لقطاع التعليم.
ويقول خبراء إن السياسات الخاطئة وراء تدني هذا القطاع، إذ أنهم حذروا من تراجع جودة التعليم في تونس، خاصة في الآونة الأخيرة بسبب استمرار تعليق الدراسة توقيا من الجائحة. وتستدعي هذه المخاوف الحاجة إلى خطط إصلاح للنهوض بالقطاع وإنقاذه حماية لحق الأجيال الناشئة في التعليم..
وقررت السلطات التونسية مؤخرا تمديد تعليق الدراسة حتى يوم 16 مايو الجاري في كافة المدارس والمعاهد الثانوية واعتماد التعليم عن بعد في الجامعات من أجل مكافحة عودة تفشي الوباء، باستثناء التلاميذ المعنيين بالاختبارات الوطنية في التعليم الأساسي والثانوي.
ويؤكد خبراء ومتابعون أن الانقطاع المتواتر على الدراسة يلقي بظلاله سلبا على سير العملية التعليمية، كما يؤدي إلى حالة من التذبذب والاضطراب لدى الطلبة للتفاعل مع المناهج التربوية، ومن شأن ذلك أن يؤثر على التكوين الأكاديمي والمستوى المعرفي للناشئة في البلاد.
التكيف مع الوباء
يحذر الخبراء من صعوبة تكيف قطاع التعليم مع أزمة كورونا في ظل النسق البطيء للرقمنة بالمدارس والجامعات بسبب تدني جودة الإنترنت، ويتوقع هؤلاء أن يقود هذا التعثر إلى تراجع جودة القطاع المأزوم تبعا لتواتر التحركات النقابية و الوضع الصحي.
وفيما أعلنت وزارة التربية عن عودة جميع تلاميذ السنة السادسة من التعليم الإبتدائي إلى الدراسة الاثنين، متعهّدة بتأمين شروط الصحة والوقاية، أبدت الجامعة العامة للتعليم الأساسي رفضها هذه الخطوة.
وأوضح الكاتب العام المساعد للجامعة إقبال العزابي في تصريح لإذاعة محلية أنّ الرفض يأتي ”نتيجة للغياب التام لتطبيق البرتوكول الصحي في المدارس”، مطالبا وزارة التربية بـ”ضرورة توفير اللقاح للمدرسين خاصة المعنيين بتدريس السنة السادسة بأولوية توفير كل مستلزمات الوقاية ليتمكنوا من استئناف التدريس”.
وحسب إحصاءات وزارة التربية التونسية فقد تم تسجيل 9783 إصابة و44 وفاة بين التلاميذ والمسؤولين منذ منتصف سبتمبر الماضي.
ومع اضطرارها لتشديد القيود للحد من تفشي الوباء، اعتمدت وزارة التربية خططا بديلة مثل الدراسة عبر نظام الأفواج، والتركيز على التعليم عن بعد، إلا أن هذه التجربة لم تحظ بنجاح ولم تحقق النتائج المرجوة بسبب ضعف الربط بالإنترنت في أرجاء البلاد.
وذكرت الوزارة أنها “بصدد إعداد خطة عملية لتأمين الدروس عن بُعد، وذلك بالاعتماد على البث التلفزيوني للدروس بما يضمن التحصيل المعرفي للطلاب وحسن الاستعداد للامتحانات الوطنية”.
لكن تردي أوضاع المؤسسات التربوية واهتراء بنيتها التحتية وغياب بنية اتصالية وعدم توفر معظم المؤسسات التعليمية المدرسية بشبكة الإنترنت حالت دون ذلك.
وتعوّد التلميذ على الأسلوب التعليمي المباشر عبر الحضور الصباحي إلى المدرسة إلى جانب بقية عناصرها رفاقا ومعلمين وأساتذة وإداريين وتجهيزات، وباعتبار تواتر الانقطاعات عن الدراسة في السنوات الأخيرة، أصبحت مسألة الانضباط والحضور نسبية.
ويتخوّف الأكاديميون من أن تقود الهوة الرقمية إلى تراجع تونس في التصنيفات الدولية للتعليم.
وأشار الجامعي والأكاديمي محمد الصحبي الخلفاوي في تصريح لـ“العرب” إلى أن “الوضع التعليمي سيء جدا في الـ20 سنة الأخيرة وتفاقم الوضع أكثر في العشر سنوات الأخيرة، فضلا عن كون التحصيل العلمي فيه مشاكل مع تردي الوضع الصحي في الموسمين الأخيرين، ما أدى إلى تقطع البرامج واختصارها”.
وأضاف “الوضعية الآن سلبية، وتداعيات مرحلة كورونا على المستوى التعليمي سنلاحظها في السنوات القادمة، علاوة عن مسألة التحركات النقابية مع وزارة التربية”.
وغذت الصراعات المستمرة بين النقابات الأساسية للتعليم ووزارة التربية الأزمة، ومع انطلاقة كل موسم دراسي سرعان ما تطفو على السطح مطالب الأساتذة والمربين المطالبة بالترفيع في الأجور أو النظر في وضعيات التشغيل، فضلا عن مطالب نقابية تتعلق بالقطاع.
وبرأي الخلفاوي فإن “الصراع النقابي أثر على الرأي العام ودفع جزءا كبيرا من العائلات للهروب إلى التعليم الخاص”.
تراجع جودة التعليم
سبق أن أكدت تقارير دولية ومحلية أن عدد ضحايا نظام التعليم في تونس يتجاوز بكثير أعداد الناجحين، وأشار تقرير للبنك الدولي حول فقر التعلم إلى أن حوالي 65 في المئة من التلاميذ التونسيين لا يجيدون القراءة.
و”فقر التعلم” هو النسبة المئوية للأطفال في سن العاشرة ممن لا يستطيعون قراءة قصة بسيطة وفهمها.
كما أكدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في إحصائيات صادرة عنها أن 70 في المئة من تلاميذ تونس لا يجيدون الرياضيات و70 في المئة لا يجيدون العلوم.
وأكد البنك الدولي في تقريره حول رأس المال البشري في العام 2018 أن تلميذ السنة الأولى من التعليم الابتدائي الذي يبلغ من العمر 6 سنوات يتوقع أن يخسر 50 في المئة من قدراته ومدخراته بسبب رداءة التعليم في تونس.
وتراجعت تونس على مستوى مؤشر جودة التعليم للعام 2020، وصنفت في المرتبة السابعة عربيا وفي المرتبة الـ84 عالميا بعد أن كانت في مراتب أفضل لسنوات في جودة التعليم وتصنيف الجامعات، ما يطرح بجدية جهود السلطات في الإصلاح والتغيير.
وأفاد وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق سليم شورى أن هناك “مشكلة في مسألة الإصلاح الشامل لمنظومة التعليم العالي والتربية والتكوين المهني، حيث يغيب التنسيق بينها”.
وأضاف في تصريح لـ“العرب”، “لما نتحدث عن التربية، فإن مخرجاتها ستذهب إلى الجامعات، وهنا يوجد خلل كبير، ولما نتحدث عن الإصلاح الشامل يكون من بلوغ الطفل 3 سنوات حتى مرحلة التخرج وختم الدروس”.
وتابع “غياب استراتيجية وطنية للتعليم يعمق مشاكل القطاع، وعلى الدولة أن تجدد أولوياتها، وفي تونس مازلنا لم نقنع العائلات بأن التكوين المهني يتوفر على طاقة تشغيلية كبيرة”.
وعلق “اليوم لدينا 270 ألف متخرج دون شغل، فضلا عن كون المنظومة الاقتصادية والتنموية غير قادرة على استقطاب هذه الأعداد الكبيرة”.
وأشار إلى أن منظومة التعليم لم تتهيّأ للجائحة الصحية، خصوصا وأن عدد الوفيات في ارتفاع، إضافة إلى الافتقاد إلى منظومة تعليم عن بعد، لافتا إلى أن “الحكومات المتعاقبة لم تضع خططا واضحة بل اقتصر تعاملها مع المشكلة بالقضاء على الحرائق”.
ومنذ 2011 تواتر عشرة وزراء على تقلد منصب وزارة التربية في البلاد، وظلّ إصلاح منظومة التعليم والارتقاء بجودة البحث والمعرفة مجرد شعارات.
ولاحظ فريد شويخي المتخصص في البيداغوجيا الجديدة ورئيس جمعية منتيسوري لشمال أفريقيا لـ”العرب” أن “إصلاح المنظومة التربوية اقتصر على التخفيف من البرامج التعليمية، والتغيير شمل الشكل وليس المضمون، حيث لاحظنا صراعا حول اللغات التي سيتم تدريسها (فرنسية وإنجليزية)، ما أفرز فصلا بين الأجيال”.
وتابع شويخي “الجائحة الصحية أثرت على المستوى التعليمي خصوصا وأن المدرسة العمومية تمثل 94 في المئة من التعليم مقابل 6 في المئة للمؤسسات الخاصة”.
ولم يخف شويخي تراجع مستوى التعليم، قائلا “المستوى تراجع بشكل كبير، لأنه تم العمل على تخفيف البرنامج وأصبحنا نتحدث عن جدول أوقات وليس عن تنظيم تعليمي يناسب المربي على حساب التلميذ ويشتغل وفق تفرغ الأستاذ”.
وأردف “عدد ساعات العمل تقلص إلى 10 ساعات في الأسبوع بعد أن كان في حدود 25 ساعة في التعليم الثانوي و18 ساعة تعليم في المستوى الثانوي، علاوة عن تنامي المجهود الرقمي الذي أصبح يعوّض المجهود الذهني والبدني”.
واستنتج بالقول “هذه التداعيات ستظهر في السنوات القادمة في ظل غياب المحتوى وتعود التلميذ على الفراغ والكآبة، حيث درس مدة 4 أشهر في أكثر من عام وشهرين من الدراسة، فضلا عن إدماج الثلاثيات في نظام سداسي، وأصبح التلميذ يلتجئ إلى عوامل أخرى تتعارض مع مفهوم المدرسة والمجتمع على غرار وسائل التواصل وألعاب وتطبيقات على صفحات الإنترنت”.