تراجع الدور التربوي للأسرة يضاعف العنف بالمدارس المصرية

تتوالى حوادث العنف في المؤسسات التربوية المصرية ما يعكس تراجع الدور التربوي لبعض الأسر. وتسجل المدارس يوميا حوادث عنف مؤلمة كأن يقوم طفل في المرحلة الابتدائية بإصابة زميلته بعاهة في العين، أو يتم ضبط أسلحة بيضاء بحوزة بعض الطلاب بذريعة استخدامها في الدفاع عن أنفسهم. وتتعامل المدارس مع ما يقرب من 26 مليون طالب وطالبة، ويشكلون تقريبا ربع عدد سكان مصر.
القاهرة - كشفت حادثة مقتل طالب بالمرحلة الثانوية الفنية على يد زميله في مدرسة مصرية، عن مخاطر تراجع الدور التربوي لبعض الأسر في ارتفاع منسوب العنف في المدارس إلى مستويات قياسية، بالتوازي مع غياب التوجيه الاجتماعي والنفسي داخل المؤسسات التعليمية وما يترتب عليه من تبني شريحة من التلاميذ لسلوكيات عدوانية.
ويكاد لا يمر يوم إلا وتشهد مدرسة مصرية حالة عنف بين الطلاب وسط صمت غير مبرر من وزارة التربية والتعليم ومحاولة تجاهل الموقف، على الأقل لدراسته ومعرفة خلفياته وأسبابه وسبل علاجه، وإشراك أرباب الأسر في تقويم سلوك أبنائهم، إلى درجة بلغت حد إعلان بعض الآباء والأمهات عن تخوفهم من ذهاب أولادهم إلى المدرسة.
أصبحت هناك مدارس تشهد حوادث عنف غير مألوفة، كأن يقوم طفل في المرحلة الابتدائية بإصابة زميلته بعاهة في العين، أو يتم ضبط أسلحة بيضاء بحوزة بعض الطلاب بذريعة استخدامها في الدفاع عن أنفسهم، وهناك من يحملون آلات حادة مع أدواتهم المدرسية في غفلة من المعلمين وإدارة المدرسة لاستخدامها في المشاجرات.
واستبقت وزارة التعليم بدء العام الدراسي الحالي بإصدار لائحة انضباط صارمة تصل حد الفصل النهائي لمن يرتكبون العنف، لكن تظل الإجراءات العقابية مع استمرار غياب تعاون الأسرة عديمة الجدوى، خاصة إذا كان بعض أرباب الأسر أنفسهم يغذون هذا العنف ويبيحونه لأولادهم بدافع السيطرة والدفاع عن النفس ونيل حقوقهم.
ويرى خبراء تربويون أن استسهال فصل الطلاب الخارجين عن السيطرة دون تقويم سلوكهم من خلال المدرسة والأسرة معا يجعل بعضهم أعداء لكل من حولهم في المجتمع، خاصة إذا كان هؤلاء يفتقدون الرعاية الأسرية اللازمة في تلك المرحلة العمرية الحرجة نتيجة الانشغال بالظروف المعيشية أو انفصال الأبوين، ما يجعل العنف يكبر معهم بلا علاج.
وجزء من المشكلة أن المدارس تتعامل مع ما يقرب من 26 مليون طالب وطالبة، ويشكلون تقريبا ربع عدد سكان مصر، والجزء الأكبر منهم يلتحقون بمدارس حكومية تعاني من عجز في المعلمين ويغيب فيها الدور الاجتماعي والنفسي، ما يؤدي إلى تصاعد العنف مع تراجع الإشراف المدرسي المختص بمراقبة السلوكيات على مدار اليوم.
وتظل الأزمة الحقيقية في إصرار بعض الأسر على تحميل إدارات المدارس ووزارة التعليم مسؤولية الانفلات الأخلاقي والسلوكي بين الطلاب، دون الحديث عن ضرورة وجود دور أكبر للأهل في السيطرة على انفلات أبنائهم والتعاون مع المدارس للمساهمة في حل المشكلة بعيدا عن أن يكون طرف واحد هو المعني بالتربية لاستحالة تحقيق معادلة التربية والتعليم.
وأصبح البعض من أولياء الأمور مثل أبنائهم، يمارسون العنف والترهيب ضد المعلمين، وقد يصل الموقف حد الاعتداء عليهم، وهو ما حدث مؤخرا بوفاة معلم في مدرسة بالقاهرة بعد مشاجرة مع ولي أمر طالب، لمجرد أنه حاول تقويم سلوك الابن أو تعنيفه لأنه لم يلتزم بما عليه من واجبات منزلية، وهو ما لم يصمت عليه الأب.
وعندما كانت المدارس في الماضي تلجأ إلى الآباء لردع أبنائهم حال ارتكابهم تجاوزات، بإرسال خطاب استدعاء وإبلاغهم بتصرف ما للأبناء، كان التعنيف يحدث للتلميذ من جانب والده أمام المعلم والطلاب كي يجل المدرسة ولا يكرر تجاوزاته ويتعامل داخل المؤسسة التعليمية باحترام، لكن ذلك لم يعد يحدث إلا في حالات نادرة.
يرى خبراء في التربية أن المسافة كلما كانت متباعدة بين المؤسسات التعليمية والآباء والأمهات والطلاب سوف تظل الفجوة ظاهرة في خلق مدرسة بعيدة عن العنف، مع أن القضاء على السلوكيات غير السوية يتطلب نشر ثقافة التسامح داخل المجتمع التعليمي وحل مشاكل الطلاب بأسلوب تربوي، والعقوبة آخر الحلول، وليست البداية.
يصعب فصل ظاهرة عنف الطلاب ضد بعضهم عن كراهية شريحة منهم لكل ما يرتبط بالمدرسة، بعد أن تحولت إلى بيئة طاردة، تفتقد الأنشطة التربوية التي يخرج فيها التلاميذ طاقاتهم السلبية، فيوجهون الغضب والكبت والضغوط النفسية ضد بعضهم دون أن تكون هناك مراجعات من الحكومة تحاول من خلالها حل الأزمة.
قال الاستشاري النفسي والباحث في شؤون العلاقات الأسرية بالقاهرة محمد هاني إن العنف المدرسي عملية مركبة، فكل طرف يحاول إلقاء المسؤولية على الآخر، وتظل هناك مشكلة إذا لم تقتنع المدرسة والأسرة بأن كليهما له دور في التربية وتقويم السلوك، ولو تبرأ أحدهما لن يُكمل الآخر دوره ويدفع الجميع الفاتورة في النهاية.
◙ هناك مدارس أصبحت تشهد حوادث عنف غير مألوفة، كأن يقوم طفل في المرحلة الابتدائية بإصابة زميلته بعاهة في العين
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن استمرار تبرؤ بعض الأسر من مسؤولية الانفلات السلوكي للأولاد يكرس المشكلة، ولا بديل عن التعاون بين كل أطراف المنظومة، وفتح الملف على مصراعيه للنقاش بشكل موسع وعميق والوصول إلى تشخيص حقيقي للأزمة، لكن تجاهل الأمر والاكتفاء بمعاقبة الطالب العنيف سوف يقود إلى ترحيل المشكلة ثم تتحول إلى ظاهرة قد يصعب اجتثاثها.
في كل مدارس مصر، الدولية والخاصة والحكومية، مجالس للآباء بعضوية شخصيات لها تأثير وعلاقات قوية مع أولياء الأمور، لكن الكثير منها غير مفعل، مع أن دورها يتمثل في التعاون مع المؤسسة التعليمية لخلق بيئة بعيدة عن العنف والممارسات غير المسؤولة، والتمهيد لتنشئة طالب متزن باعتبار أن العقوبات وحدها لا تكفي لفرض الانضباط والالتزام على الصغار.
ويوجد شبه اتفاق بين المختصين في تقويم السلوك على أن علاج التصرفات السلبية من الطلاب يبدأ من البيت قبل المدرسة، لأن المؤسسة التعليمية مهما كانت صارمة ومنضبطة فإنها تبني على ما وضعته الأسرة من أسس وضوابط، وأي نقاش مجتمعي يُحمّل المدارس المسؤولية وحدها لن يفضي إلى حل الأزمة، وسوف يكرس وجودها لتصبح ظاهرة مجتمعية.
قد لا ينفصل العنف المدرسي عن مشاهد الخروج على القانون التي أصبحت واضحة في المجتمع بشكل عام، وهذه أزمة رصدتها بعض الأعمال الفنية، ومنها ما ساهم في تغذيتها عن غير عمد، وصار العنف عند بعض المراهقين انعكاسا للقوة والسيطرة والهيمنة على الآخرين، وتلك أزمة يلعب فيها البعض من الآباء دورا، من خلال مساعدة أبنائهم على أن يكونوا زعماء على المحيطين بهم ولو كانوا معلميهم.
ويدفع تحجج الكثير من أرباب الأسر بأن انفلات الطلاب سببه الضغوط النفسية الواقعة عليهم من المدارس وعدم تحولها إلى بيئة محببة لهم إلى الخروج عن النص تحت مبرر الكراهية، وهي نبرة تحمل تحريضا غير مباشر من بعض الأهالي لأولادهم على العنف لمجرد أنهم كارهون للمدرسة، ما يشرعن الخروج عن النص بمباركة أسرية.