تدخل السيسي لحل المشاكل يضعف دور الحكومة المصرية

مركزية التدخل الرئاسي انعكاس لتهاوي الثقة في الحكومة، وعدم وجود أمل في تحقيق ما هو في صميم عملها.
الاثنين 2025/06/02
في غياب فاعلية الحكومة

القاهرة- أكدت مناشدة صاحب سلسلة صيدليات شهيرة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالتدخل شخصيا لرفع ظلم واقع عليه من جهات رسمية، تمسّك عدد كبير من المواطنين بالتعامل مع الرئاسة باعتبارها صاحبة الأمر والنهي وحدها، مع غياب دور فعلي  للحكومة التي تحولت إلى عبء على رئيس الدولة.

وانشغلت الأوساط الشعبية باستغاثة رجل أعمال، صاحب مجموعة صيدليات، أعلنت إفلاسها قبل أربع سنوات وعادت حديثا للعمل، بالرئيس السيسي، قال فيها إنه تعرض لتعسف ومضايقات غير مسبوقة، وأن هناك إصرارا من بعض المسؤولين للانتقام من هذا الصرح الاقتصادي – الطبي، رغم تركيز الدولة على تعزيز التنمية.

وأحدثت الاستغاثة أو المناشدة ردود فعل غاضبة، وسط تساؤلات حول جدوى الحكومة إذا كانت مؤسسة الرئاسة مسؤولة عن التدخل لحل كل مشكلة، وتعامل بعض الجهات الرسمية مع نفس المشكلات باستخفاف، وكل منها تنتظر التكليف الرئاسي بإنهاء الأزمة، كما حدث مع قضايا عديدة مؤخرا.

لدى الحكومة منظومة خاصة بتلقي الشكاوى، لكن المتابع للمشكلات التي وتُوجه إلى الرئاسة يكتشف حجم امتعاض الشارع من أداء الكثير من الوزارات

وانتهت مشكلة غلق سلاسل محال للحلوى معروفة باسم “بلبن” بعد اللجوء إلى الرئيس السيسي، عبر استغاثة وجهها أصحابها إليه، وألمحوا إلى وجود شبهة تعنّت من بعض الجهات، وبالفعل انتهت المشكلة سريعا عقب تدخل الرئيس، ولا أحد يعرف ماذا جرى، ولماذا أُغلقت، وكيف أعيد فتحها؟

كما أن أزمة غش البنزين التي أثيرت مؤخرا، تبيّن لاحقا أن الحكومة اتخذت إجراءات حاسمة بعد تدخل رئاسي بتكليف وزارة البترول بإجراء تحليل لعينات عشوائية ونزول الجهات الرقابية بشكل مفاجئ على محطات البترول، وتم التأكد من صحة شكوى الناس، وأن هناك بعض المحطات تبيع البنزين المغشوش.

ولم يعد الأمر قاصرا على مواطن يريد العلاج فيستغيث بالرئاسة، أو كيانات ترغب في توصيل صوتها، فالمعارضة المصرية أصبحت تجد في الرئيس السيسي ملاذا للشكوى من التعسف الحكومي بشأن عدد من القضايا السياسية الملحة، ولم تعد تضع في حسابها مخاطبة الجهات التنفيذية للاستجابة إليها.

وتعد مركزية التدخل الرئاسي انعكاسا لتهاوي الثقة في الحكومة، وعدم وجود أمل في تحقيق ما هو في صميم عملها، وتحول رئيس الدولة إلى مصدر ثقة وحيد عند الغالبية.

وانتقد الإعلامي إبراهيم عيسى التعامل الحكومي مع بعض المشكلات التي تنكر وجودها أصلا، مذكرا بما فعلته من قبل في أزمة غش البنزين واعتبرت ذلك “تريند” غير حقيقي، داعيا إلى ضرورة أن تبادر الحكومة، وليس الرئيس، إلى الاعتراف بالمشكلات فور حدوثها لتجنب تفاقمها.

ويشير توجه المواطن والمستثمر والسياسي مباشرة إلى الرئيس السيسي، إلى أن كل طرف على يقين بأن الحكومة منزوعة الصلاحيات، ما جعل مركزية القرار والإنجاز بيد مؤسسة الرئاسة التي تواجه صعوبة في التفاعل مع كل ما يُصدّر إليها من مشكلات أو مظالم يتعرض لها كثيرون من مؤسسات يُفترض أنها رسمية.

pp

ولدى الحكومة منظومة خاصة بتلقي الشكاوى، لكن المتابع للمشكلات التي تثار على الفضاء الإلكتروني وتُوجه إلى الرئاسة يكتشف حجم امتعاض الشارع من أداء الكثير من الوزارات، وسط اتهامات بالروتين والظُلم وعدم الحصول على الحقوق سريعا، وبطء تلبية مطالب الناس، وتعطيل مشروعات تنموية في توقيت اقتصادي حرج.

وقال رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي إن مخاطبة الرئيس في كل مشكلة إرث مصري قديم، وهناك قناعة بأن الأمر يبدأ وينتهي عند رئيس الدولة، وعلى الأرض هناك مسؤولون أكفاء، لكن يصعب إنكار وجود بيروقراطية مرتبطة بتعقيدات إدارية وقانونية ولوائحية، وبات اللجوء إلى الرئيس مرتبطا بحقه في تجاوز تلك التعقيدات.

وأضاف لـ”العرب” أن الرئيس السيسي صارم وحاسم، ويتابع ما ينشر على وسائل التواصل، وتوجد سوابق كثيرة لتدخله المباشر بعد إثارة المشكلة على الفضاء الإلكتروني، ويرى مصريون في سرعة رد فعله ميزة يستثمرونها لحل مشكلاتهم.

ويؤكد تكرار اللجوء إلى مؤسسة الرئاسة بعيدا عن الحكومة يأس بعض المواطنين من تحسن الأوضاع والإخفاق في ترضية الشريحة المستهدفة، والمعضلة أن الشكاوى المرفوعة إلى الرئاسة حول تعطيل مصالح مرتبطة بالتنمية والإنتاج تُبطل الخطاب الحكومي الذي يتحدث عن أولوية حل الأزمة الاقتصادية لتخفيف الأعباء.

الأهم من التجاوب الرئاسي مع الشكاوى أن تكون هناك أدوات ردع ضد المسؤولين المتخاذلين، لأن الإبقاء على نفس الوتيرة سيكرس حالة التململ ويفاقم الأزمة الاقتصادية

وما لم تتعامل الحكومة بجدية مع الترهّل الإداري والفساد الذي يُكرس الوضعية الراهنة، فصورتها في الشارع سوف تظل مهتزة، مع استمرار وضع بعض المؤسسات حواجز معنوية بينها وبين المواطنين، خاصة الشريحة التي تشعر بظلم وتعجز عن الحصول على أبسط حقوقها، بما يثير الشكوك حول نزاهة الجهاز الحكومي.

وجزء من الشكوك أن مجلس الوزراء لديه لجان كثيرة متخصصة في بحث شكاوى المستثمرين، وتعهد رئيس الحكومة بحل مشكلة أي كيان اقتصادي في أيام معدودة، وهو نفسه يلتقي برجال أعمال للاستماع إلى مطالبهم وبحث شكواهم، ثم يُفاجأ الرأي العام بأزمة مستثمر شهير مرفوعة إلى رئيس الجمهورية.

ويفترض أن الحكومة تتعامل مع الاستثمارات كأساس لحل الأزمة الاقتصادية وما ترتب عليها من تداعيات على الظروف المعيشية للناس، وهي أكبر أزمة تواجه السلطة والشارع، ورغم ذلك هناك شعور دائم بعدم وجود رؤية جادة للحل أمام التعقيدات التي تصدرها جهات حكومية ضد أصحاب الاستثمارات.

ويبرهن هذا التحدي على أن العبرة ليست في حل المشكلات بتدخلات رئاسية بقدر ما ترتبط الأزمة ببعض الشخصيات المكلفة بإدارة مؤسسات حيوية لها علاقة مباشرة بالملفات التي تتشابك مع الجمهور بتركيبته المختلفة، وكانوا مواطنين عاديين أو مستثمرين، بالتوازي مع غياب الرقابة البرلمانية ومحاسبة من يُصدّرون الأزمات.

ويُحسب للحكومة أنها تسعى لتحقيق العديد من الإيجابيات في الشقين الاقتصادي والاجتماعي، لكنها لم تعلن مرة واحدة أنها قررت محاسبة أي مسؤول كبير أو صغير لأنه عطّل مصالح الناس، وفي كل مناسبة تتعامل مع إنجاز الشكوى بمنطق التباهي والتفاخر بأنها استجابت إلى مطلب جماهيري، ما يعني أن نظام الحكومة به خلل.

ويؤكد متابعون أن الأهم من التجاوب الرئاسي مع شكاوى الرأي العام أن تكون هناك أدوات ردع ضد المسؤولين المتخاذلين، لأن الإبقاء على نفس الوتيرة سيكرس حالة التململ ويفاقم الأزمة الاقتصادية، ومهما حاولت مؤسسة الرئاسة تبييض وجه الحكومة ستجد صعوبة في إقناع الناس بأي تغيير للأفضل، وإن فعلت المعجزات.

1