تدخلات الحمَوات تعمّق كراهية المصريات للزواج في بيت العائلة

زيادة رفض الزواج غير المستقل مؤشر على تنامي وعي الفتيات.
الخميس 2024/08/01
جهود مضاعفة تبذلها الزوجة عند العيش في أسرة موسعة

ترفض الزوجات حديثات السن في مصر السكن في بيت الأسرة الموسعة بعد الزواج مهما كانت مزاياه، وذلك تجنبا للمشاكل مع أسرة الزوج وخصوصا الحماة ودرءا للمنغصات. وتنشب الخصومات عادة بين الكنة والحماة بسبب غيرة الحماة على ابنها أو التدخل في ما يخص حياة الشريكين وفرض عادات وتقاليد لم تعد صالحة. وقد تصل المشاكل بين الطرفين إلى حد الطلاق وهدم كيان الأسرة.

القاهرة– ما إن ظهرت زوجة في مقطع فيديو وهي تعتدي على حماتها بالضرب المبرح وتقوم بسحلها على الأرض، حتى انتفض الرأي العام المصري غضبا ضد الزوجة، إلى أن تبين لاحقا حجم الأذى النفسي الذي تعرضت له على مدار شهور مضت، من جانب أسرة زوجها، إلى درجة الطعن في أخلاقها وسط جيرانها.

تركت الواقعة ردود فعل سلبية، وأثارت نقاشات أسرية محتدمة، حول تدخلات الحمَوات (والدة الزوج أو الزوجة) في الحياة الشخصية للشريكين، وكيف يمكن أن تتسبب في منغصات يصعب تجاوزها بسهولة، وصارت هناك كراهية ظاهرة من الفتيات المصريات لأي فكرة تتعلق بالزواج في بيت العائلة مهما كانت المزايا.

وانتشر مقطع الفيديو على نطاق واسع للزوجة وهي تضرب حماتها، وتنزع عنها حجابها قبل أن تُمسك بقطعة خشب وتعتدي على رأسها، وسط حالة سخط على الفضاء الإلكتروني وبحث متكرر عن الأسباب التي دفعت الزوجة إلى التعامل مع حماتها بتلك الطريقة الوحشية.

إقناع الفتيات المقبلات على الزواج بالسكن في منزل العائلة صعب جدا بسبب الأزمات المعقدة التي تكون الحماة سببا فيها

وسرعان ما قرر الزوج تطليق زوجته على الهواء أثناء مداخلة هاتفية مع أحد البرامج التلفزيونية، معلنا استحالة العيش معها، وقررت الأجهزة الأمنية القبض عليها وصدر قرار من النيابة العامة بحبس الزوجة أربعة أيام، لكن بعد تدخل الوسطاء عُقدت جلسة صلح وعاد الزوجان واستأنفا حياتهما معا مجددا.

فتحت تلك الواقعة نقاشات حول إقامة الزوجين في منزل العائلة، وظهرت ردود فعل عنيفة في تعليقات الكثير من الفتيات، وهناك من قررن عدم القبول بالزواج برفقة والدي الزوج مهما تقدم بهن العمر وعشن من دون زواج، لأن الاستقلال في منزل يخص الشريكين وحدهما من أهم أدوات الاستقرار.

وبدا واضحا أن إقناع الفتيات المقبلات على الزواج بالسكن في منزل العائلة بات عملية بالغة الصعوبة بسبب الأزمات المعقدة التي تكون الحماة سببا فيها، بدافع الغيرة على ابنها أو التدخل في ما يخص حياة الشريكين وفرض عادات وتقاليد لم تعد صالحة.

في الجهة المقابلة هناك فريق يدافع عن ثقافة الزواج داخل العائلة، باعتبار أن ذلك يمثل حلا وسطا لتقليص نفقات الزواج والحياة الأسرية في ما بعد، لأن أزمة السكن المستقل مشكلة يعاني منها الكثير من المقبلين على الزواج.

وفي مصر تتم إدانة زوجة الابن غالبا بأنها تسيء معاملة حماتها، مهما تعرضت لضغوط نفسية أو معاملة سيئة، وهو ما ظهر في ردود أفعال البعض تجاه واقعة الضرب الأخيرة دون منح الزوجة فرصة الدفاع عن نفسها وحكي ما جرى قبل واقعة الاعتداء.

واستقبلت الشابة أماني إبراهيم، صاحبة الخمسة وعشرين عاما، فيديو واقعة ضرب الحماة بصدمة من الزوجة، لكنها عندما استمعت إلى وجهة نظر أم الزوجة ودفاعها عن ابنتها بدت أكثر بغضا لفكرة الزواج في بيت العائلة، ولو لم تتزوج مطلقا.

حح

وأضافت الفتاة لـ”العرب” أن “المجتمع والعائلة لا يرحمان الزوجة طالما تعيش في بيت عائلة، حيث تكون مضطرة طوال الوقت إلى إرضاء كل المحيطين بها دون أن تنفر من سوء المعاملة”، معقبة “لماذا ألقي بنفسي في التهلكة، وأجازف بالموافقة على السكن في منزل عائلة، وأعيش في مشكلات زوجية أبدية”.

وقالت “الزوجة في بيت العائلة أقرب إلى خادمة، حيث تهمل زوجها وأولادها كي تنال رضاء والدي شريكها وأخواته، وإذا لم تفعل ذلك تصطدم بكلمات قاسية ومعاملة غير آدمية، وقد يصل الأمر إلى حد تهديدها بالطلاق، وللأسف من النادر أن تساندها أسرتها بحجة أن العادات والتقاليد تفرض عليها التحمل”.

وبنفس المنطق تفكر الفتاة أميرة حمدي، والتي تخرجت قبل عام في الجامعة، وتقدم لخطبتها أكثر من شاب يقيم في بيت عائلته، لكنها رفضتهم إلى حين أن يتقدم لها من يمتلك سكنا مستقلا، مبررة كلامها بأنها “لن تقبل أن تعيش تحت رحمة حماتها، وتُكمل حياتها متهمة طوال الوقت بالتقصير وسوء المعاملة”.

ولدى الفتاة تجربة واقعية مريرة، حيث تزوجت شقيقتها في بيت عائلة بشكل مؤقت إلى حين شراء وحدة سكنية مستقلة عندما تتحسن ظروف الزوج، وبقيت على نفس الحال سنوات، وكادت تتعرض للطلاق بسبب تدخلات حماتها في كل تفاصيل حياتها.

وأوضحت لـ”العرب” أن “واقعة حبس زوجة بتهمة ضرب حماتها عمقت كراهية الفتيات للزواج في بيت العائلة، سواء أكانت الزوجة ظالمة أم مظلومة، فالنهاية مأساوية، لذلك أصبحت هناك فتيات يعتقدن أن التأخر في سن الزواج أفضل مئة مرة من الحصول على لقب مطلقة بعد عام واحد من بدء العلاقة الزوجية في بيت العائلة”.

وتوجد الكثير من الفتيات اللائي يبررن رفضهن الزواج في بيت العائلة بأسباب ترتبط بحرمانهن من الحد الأدنى للخصوصية وحرية اتخاذ القرار، أو تحديد مصير الأبناء على مستوى التعليم أو حتى طريقة التنشئة وأسلوب التربية، إذ يتدخل كل أفراد عائلة شريكها في الحياة الزوجية بطريقة فجة.

لدى عدد كبير من فتيات الجيل الجديد حالة عداء ضد تدخلات الجيل القديم، وأن المشكلة أكبر من مجرد اختزال الرفض في بيت العائلة

وتقرّ شريحة من الشباب بأن شراء منزل مستقل بعيدا عن سكن العائلة يكلف مبالغ مالية طائلة تفوق القدرات، في حين أن الشباب قد يمتلكون شقة مستقلة في نفس منزل الوالدين، لكن تلك مبررات لا تروق للفتيات، ويصعب قبولها في ظل شواهد سلبية.

ويرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن كل فتاة من حقها اختيار نمط الحياة الزوجية المناسب لها، طالما أنها لن تستطيع إدارة العلاقة مع حماتها في المستقبل بشكل عقلاني، أو لديها نفور من التدخل في حياتها مع شريكها، ما يحول العلاقة الزوجية إلى جحيم.

وأكدت عنان حجازي الباحثة المتخصصة في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن أكبر أزمة للفتيات في مصر، وربما غيرها، ترتبط بتصدير نماذج سلبية عن الزواج في محيط العائلة وتشويه صورة الحماة، مع أن هناك إيجابيات كثيرة، فالزواج في بيت العائلة يحجّم العنف ضد المرأة، وقد تجد من يرعى أولادها ويخفف عنها عبء التربية.

وأشارت لـ”العرب” إلى أن “رفض الفتيات للزواج في بيت عائلة نابع من تغير نمط المعيشة عن الماضي، وقديما كانت الراحة في وجود عائلة ممتدة، واليوم أصبح في الأسرة المحدودة، والمشكلة الأكبر في حالة التمرد الأنثوي أن الزوج غالبا ما يظلم زوجته لإرضاء أمه، وهذا ما لم تعد أغلب الفتيات يقبلنه في الوقت الراهن”.

ولفتت إلى أن “زيادة معدلات رفض الزواج في بيت العائلة مؤشر على تنامي وعي الفتيات، وهذا ليس تمردا، لكنهن يستفدن من تجارب الآخرين، ويرفضن تكرارها مهما كانت الخسائر، لأن الفتاة تعرف جيدا طبيعة المنغصات التي ستتعرض لها في المستقبل من وراء القبول بزواج غير مستقل القرارات”.

ولدى عدد كبير من فتيات الجيل الجديد حالة عداء ضد تدخلات الجيل القديم، وأن المشكلة أكبر من مجرد اختزال الرفض في بيت العائلة، لكنه رفض موجه إلى عادات وتقاليد وموروثات يتمسك بها الآباء والأجداد، مقابل فهم معاصر للأسرة ومتطلباتها الحديثة تتمسك به الفتيات بلا أدنى تنازل.

15